آخر المحظيات العمل الرابع لسعاد سليمان والذي جاء بعد رواية ومجموعتين قصصيتين صادرا عن دار الكتاب العربي البيروتية في 104 صفحة . تسرد سعاد سليمان عبر لغة شعرية مأساة المحظية /امرأة الظل. وعلاقتها بالرجل. وظروفها التي كانت قدرها المحتوم هي وسلالة غابرة من زوجات سريات وعشيقات وجوار . تضفر الكاتبة هذا المسار بآخر علي لسان الزوجة يضييء جوانب أخري من الأحداث ويعرض رؤية مختلفة .تدشن سعاد سليمان أسلوبها الدقيق الرقيق الأشبه بعمل إبرة تولف الخيوط والألوان لتكتمل في النهاية الصورة التي أرادت طرحها عبر دأب وروية. أصل الحكاية تصدم الزوجة حين تعثر علي رسائل معشوقة زوجها المتوفي حديثا . تروي لنا قصتها مع زوجها فيما تروي رسائل العشيقة قصتها من منظورها الخاص. أشكال السرد اتخذ السرد مساريين رئيسيين الأول مسار الزوجة عبر الحكي المباشر فزعة ألقيت الهاتف بعيدا تتسارع دقات قلبي. أتسمر في مكاني. "وعبر الخطاب" الموجه للزوج في الأساس " كما في" منذ رحيلك تتبعني الكوابيس.. وقررت أن أتحداك يا رامي.. سأنقب عن أدق أسرارك.. وكذلك عبر الحوارات القليلة جدا. واستخدمت الكاتبة أسلوب الارتداد لعرض خلفيات أحداث من الماضي.. كنت تكبرني بخمس سنوات وحينما بدأت الوعي.. كنت أراك في بيتنا تلعب مع اخوتي. والثاني مسار سرد العشيقة المحظية عبر الرسائل التي بدأت بسطور معدودة كرسائل الموبايل الي أن بلغت إحداها أربع عشرة صفحة كما في الرسالة الورقية التي شملت أطول فصول العمل . كما وردت مقاطع متفرقة قصيرة لأشعار دونها الزوج . الشخصيات الزوجة زينة و التي لم نعرف اسمها إلا في الصفحة "39" إنها المرأة الوفية لزوجها المتأقلمة مع جموده وصرامته التي فجعت بعد رحيلة برسائل مغرقة في العشق علي هاتفه وفي أدراج مكتبه فراحت تتبعها لتكشف مسارات حياة سرية عاشها زوجها في غقلة منها. الزوج "رامي" الذي تم تقديمه بصورتين متناقضتين. صورة الزوج التقليدي المتحفظ وفق رواية الزوجة والعاشق المتوهج وفق رواية العشيقة مما يستدعي لذهن القاريء ازدواجية شخصية الرجل الشرقي التي كرسها محفوظ بشخصية سي السيد الخالدة . "هدية" العشيقة /المحظية التي تلتهب رسائلها بالوجد وتقدم نفسها كامرأة محكومة - كما جداتها - بلعنة الظروف التي تجعلهن جميعا عشيقات أو زوجات سريات أو جوار محظيات هدية فنانة تشكيلية مثقفة تهيم برامي عشقا بعد طلاقها من زوج سادي غريب الأطوار . وهناك شخصيات داعمة لنسيج السرد ك " زهرة " أخت الزوجة و.." عادل حسين "والد الزوج. وكذلك زوج العشيقة السابق وأمه. كما ظهرت شخصية طبيب نفسي لم يثر وجودها العمل فلا هي اختصرت لتؤدي ما استدعيت من أجله في بناء النص. ولا هي عمقت ليتسني استخدامها بشكل أوسع وكنت أميل الي اختصارها. اللغة علي صعيد مسار الحكي الاول /الزوجة جاءت اللغة سلسة .والجمل قصيرة . والصور بسيطة مما أتاح الحيوية الكافية لتدفق السرد. وعلي صعيد المسار الثاني / المحظية جاءت اللغة شعرية والصور مبتكرة. والجمل رومانسية محلقة مفعمة بأحاسيس شتي قصصت شعري لأنك لم تنمحه وعدا بتوسد ذراعيك رسمتك علي وسادتي و في مرآة غرفة نومي.... و علي أكواي شرابي.. من روح محصورة في مأزق الفقد والوحشة والهجر.. وقد تماشت اللغة في هذا المسار مع طبيعة بناء الشخصية بالفعل. وتضافر المساران في النص لإكمال صورة المرأة المقهورة - زوجة وأما - داخل مؤسسة الاسرة والمظلومة - حبيبة وعشيقة - خارجها. ملاحظات أولي: تقلص دور الحوار في النص إجمالا. ولعل ذلك نتيجة اعتماد تقنية الرسائل و المونولوج الداخلي بشكل أساسي. ثانية: جاء المكان باهتا في مختلف الأحداث فلم يتجسد "النجع" "ولم تتمثل" القاهرة "ولا " باريس. ولا حتي معالم الشقة التي تسكنها الزوجة. ولعل ذلك نتيجة اعتماد "النفس" كمسرح أنسب لاعتمال أحداث الحزن والغضب والدهشة والحيرة والشوق وغيرها من مشاعر قام عليها النص في المقام الأول. ثالثة: جاء الفصل المعنون ب "المحظيات التعيسات" أجمل فصول الرواية. وأكثرها ثراء وهو الرسالة المطولة التي تحكي فيه " "هدية" قصتها وقصة جداتها. والتي اهتدت فيه إلي تسمية العشيقة محظية , والتي اعتبرت فيه نفسها "آخر المحظيات" واهبة النص عنوانه الجميل. كان من الممكن التوسع والبناء علي ما ورد في هذا الفصل من استجلاب الجواري زمن المماليك ثم قصص الزواج السري وصولا إلي قصة هدية نفسها آخر سلالة المحظيات. قبضت سعاد سليمان علي لحظات بالغة الرهافة. وبلورت أحاسيس مختلفة تعتمل في نفس المرأة في احوال شتي فطاوعتها لغتها وساعدها تمرسها في القصة القصيرة علي بناء روايتها القصيرة من منمنمات متجاورات في دقة وتناسق وإحكام.