قليلة هي الروايات التي تعمدنا في الوجع وتضعنا في مواجهة قصص الآخرين المتألمة، حيث تختلط ملامح "سعاد سليمان" بمشاعر "زينة" الزوجة المخدوعة التي لا تكتشف خيانة زوجها إلا بعد وفاته فتتقن التعبير بلغة غاضبة عبر روايتها "آخر المحظيات"، وتتحول السنوات التي ذرفتها "زينة" في العيش مع زوجها إلى سيناريو مؤلم، وعندما تفيق على الخديعة يكون قد سرقتها السكين وزوجها راقد في قبره فلا تستطيع أن تتعاطف مع الموت وهى تلعنه وتظل تلهث بمشاعر الغضب التي تمزق صدرها: "لماذا مت وكيف تموت من دون أن أشفي غليلي منك؟ لماذا الآن؟ كيف أسترد حقي منك؟"، ولكن سرعان ما تتبدل مشاعر الزوجة "زينة" حين تتطلع على رسائل عشيقته الفنانة التشكيلية التي عشقها زوجها بجنون ولكنه لم يستطع أن يتزوجها خوفًا من العائلة ومن التقاليد التي كانت تخيفه من الارتباط بفنانة تشكيلية متحررة. تتحول صفحات الرواية إلى سلسلة من اللهاث من قبل البطلة حول العشيقة التي يحبها زوجها وعبر رسائل كثيرة تطلع عليها بعد وفاته تقف في مواجهة رجل لا تعرفه، وكأنما تهمس "سليمان" في أذننا جميعًا أن أوجع الاكتشافات هي التي نراها بعد الموت. "زينة" هي المرأة المجروحة في أنوثتها من زوجها "رامي" وتقف في مواجهتها العاشقة بكل ما تحمله الكلمة من إدانة من قبل المجتمع، تعشق بجنون وتلهث وراء "رامي" بشهوة غير عادية منذ أن تطلقت من زوجها لتعيش حياة شديدة البرودة في باريس، وتشعر بوحدة قاتلة فتجد في "رامي" حلم الحب ولكن لأن قدر المحظيات يطاردها منذ رفض أبيها الاعتراف بها من أمها التي كانت أيضًا سليلة لجدات محظيات، تقف العاشقة في مواجهة قدر صعب ومعه تقف الزوجة في مرحلة تأمل وبين قدري المرأتين التعيستين تكتب لنا "سعاد سليمان" قصتنا جميعها، القصة التي تبدو في مظهرها غير جديدة لأن قصص الخيانة تعج بها الروايات، ولكن الكاتبة تملك أدوات التلصص على الخيال وهى تسرد بمشاعر تختلط فيها الدهشة بالألم بالصدمة لنعيش تعاطفًا نادرًا ينقسم بين مصير الزوجة ومصير العاشقة، وكأن "سليمان" تعيد لنا قصة شهريار القاتل في روايتها، ولكن "شهريار" الذي كانت منه ملامح من رامي زوجها لم يكن قويًا قادرًا على الحسم والقضاء على ضحاياه بسكين حاد بل كان خائفًا مرتعبًا وليس قادرًا على اتخاذ مصير واحد فكان دائم الهروب، أحب بصدق العاشقة ولكن تقاليد عائلته أخافته من الارتباط بها ليرتمي في أحضان زينة ابنة عمه ليس لشيء ولكن لكونها فقط "ابنة عائلته". ومع صفحات الرواية تقفز الكاتبة بفنية مميزة بين الحكي وهى تتأمل الرسائل التي تقرأها من العاشقة وهى المفارقة التي تعيد اكتشاف "رامى" من جديد، تتقاطع تفاصيل الرواية بسرد محكم وبرسائل غاية في الرومانسية استطاعت عبرها الكاتبة أن تجعلنا نشعر بمدى العشق الذي كان بين رامي وحبيبته، عندما تحاول أن تتخلص من كل الهواجس التي تؤرقها وهى تستدعى رسائلهما على الموبايل، تدور في الفراغ حول نفسها، وكلما تحاول الخروج من الخديعة تجد أنها لا تستطيع الهروب من الألم وصدرها يختنق شيئًا فشيئًا. تصبح البطلات داخل الرواية هي مجموعة من نساء المحظيات أرق مصيرهن الكاتبة واجتمعن جميعًا على ميراث قاسي، وهو ما جعل العاشقة أو الفنانة التشكيلية تؤكد ل"رامى": لست غاضبة منك، لأنك رفضت أن تمنحني طفلًا يهبني أمومة هي حلم كل نساء الأرض، فأنت بذلك وضعت النهاية لتاريخ المحظيات التعيسات، فكنتُ آخرهن"، وقبل أن تهيل "زينة" التراب على جسد زوجها تحرق كل الرسائل المتبادلة بينها وبين زوجها وهى تحاول أن تحيل التراب عليه، ولكنها تتخيل أن زوجها يحتضن عاشقته من ظهرها ويبتسم ابتسامة الرضا، وتظل تدور في الفراغ ولا تحاول الخروج من هذا المأزق والمصير التعيس فتغلق الرواية بسطور موجعة: "تلاشت معالم الطريق من أقدامي، وحيدة ضائعة، أحاول أن أصلب طولي، وأتلمس طريقًا للخروج".