مازال الرئيس الروسي بوتين يمارس هوايته في أن يقدم للعالم بقواه الكبري والصغري دروساً في القيادة المنضبطة. الواضحة الرؤية. المحددة الهدف. الصادقة الوعد. الملتزمة بأصدقائها في أي زمان ومكان. حين قرر التدخل العسكري في سوريا قبل شهور. أعلن ذلك بوضوح. وحدد هدفه بدقة. وهو محاربة الإرهاب هناك. وأن قواته لن تبقي هناك إلي الأبد.. وأن العملية العسكرية الروسية ستنتهي بمجرد قبول أطراف الصراع السوري الجلوس معاً إلي مائدة المفاوضات وبدء عملية سلمية تنتهي بتسوية دائمة. ولم يخف بوتين أنه يدعم الرئيس السوري بشار الأسد في حربه ضد الإرهاب. وأن روسيا لن تسمح باسقاطه.. بل ستساهم في عملية انتقال سياسي سلمي للسلطة هناك. وفق ما تتفق عليه الأطراف السورية ودون إملاءات من أي قوة خارجية. وبدأ بوتين عمليته العسكرية جاداً. فضربت طائراته وقواته معاقل تنظيم "داعش" الرئيسية. وخطوط إمدادها داخل سوريا وعبر حدودها مع تركيا والعراق. كما ضربت مواقع المعارضة المسلحة المتحالفة مع التنظيم. وكشف التدخل العسكري الروسي الجاد عدم جدية ضربات التحالف الدولي الذي تقوده الولاياتالمتحدة ضد تنظيم داعش.. وتواطؤ أمريكاوتركيا وغيرها لاطالة أمد الصراع العسكري. أملاً في الحصول علي أكبر قدر من المكاسب السياسية والإقليمية من ورائه. لقد أسقط التدخل العسكري الروسي الأقنعة عن وجوه وسياسات عربية وإقليمية وعالمية كان هدفها إسقاط الأسد باعتباره العقبة الرئيسية والوحيدة أمام مشروع تقسيم الدولة السورية. وليس بسبب ما قالوا إنه يشن حرباً ضد شعبه. كما غير هذا التدخل موازين القوي علي الأرض. ليس في سوريا فقط. ولكن في المنطقة. وكان هذا التغيير هو الذي وفر المناخ اللازم. والأرضية السياسية المشتركة للقاء أطراف الصراع علي مائدة المفاوضات. حيث أعطي للرئيس السوري القوة اللازمة لقبول الجلوس مع المعارضة. وأعطي للمعارضة الضمانات اللازمة لتحقيق الحد المناسب من مطالبها في انتقال سلمي للسلطة عبر عملية سياسية. وليس بالقوة العسكرية. وعندما وصل الرئيس بوتين إلي هذه المنطقة. فاجأ العالم بقراره بدء سحب القوة العسكرية الرئيسية لبلاده من سوريا. مثلما فاجأ العالم من قبل بقرار تدخله العسكري فيها. لكون بذلك أول من يفي بوعده. ويحقق التزامه. وليبعث برسالة قوية ومقصودة إلي كل الذين عاصروا كيف تتعامل أمريكا مع حلفائها وأصدقائها. حيث تأكلهم لحماً وترميهم عظماً وفق مصالحها الذاتية. رسالة تقول: إن روسيا ليست كذلك. وهي رسالة اطمئنان إلي كل حلفاء وأصدقاء روسيا العرب. وفي بقية انحاء العالم. ستجلب لبوتين مزيداً من الأصدقاء والحلفاء.