بعد حملة استمرت طوال الأيام الأخيرة لتهيئة الرأي العام لتخفيض قيمة الجنيه. شارك فيها بعض سماسرة سوق المال وما يطلق عليهم خبراء اقتصاد. أصدر البنك المركزي المصري قراره بتخفيض قيمة الجنيه المصري بنحو 120 قرشاً دفعة واحدة وبنسبة انخفاض 15%. والغريب ان ذلك يأتي بعد شهور قليلة من قيام البنك المركزي ذاته برفع قيمة الجنيه أمام الدولار بنحو 20 قرشاً. والأغرب ان القرار يأتي عكس قناعات محافظ البنك المركزي طارق عامر الذي أكد بصريح العبارة أكثر من مرة ومن خلال وسائل إعلام متعددة آخرها تصريحات خاصة ل"المساء" ان الوقت غير مناسب لتعويم الجنيه أو تخفيض قيمته. وانه لابد أن يكون هناك احتياطي مناسب من النقد الأجنبي يمكنه من التدخل في السوق مسانداً الجنيه وقت اللزوم. وقدر المحافظ هذا الاحتياطي بنحو 25 مليار دولار في تصريحات معلنة له. الأكثر من ذلك ان أحد خبراء الاقتصاد المرموقين علي مستوي العالم وهو الدكتور محمد العريان والذي هو في ذات الوقت عضو في المجلس التنسيقي بين البنك المركزي والحكومة قد أكد منذ أيام قليلة من خلال لقاء له بغرفة التجارة الأمريكية بمصر ومن خلال حوار له بفضائية العربية. أن مجتمع الاعمال المصري يتناول موضوع سعر الصرف باعتباره الأداة الوحيدة للإصلاح الاقتصادي مشيراً الي ان تعويم الجنيه المصري ليس هو الحل الأمثل للأزمة الحالية وأنه لا ينبغي التعامل مع الوضع الاقتصادي بمعزل عما يجري في العالم. وأكد ان تعويم سعر الصرف سيقود الي ارتفاع واضح في نسبة التضخم. وقال الخبير الاقتصادي العالمي انه لا يمكن الاعتماد علي حلول ثابتة لحل الأزمات الاقتصادية تصلح في كافة دول العالم. مشيراً الي تغير الحلول من منطقة الي أخري ومن مجتمع لآخر. ولفت الي ان زيادة الانتاجية هي اساس حل المشاكل الاقتصادية. إذن من المسئول عن قرار تخفيض قيمة العملة الوطنية أمام الدولار؟ ظاهرياً البنك المركزي لكني اثق ان وراء إصدار القرار حكومة فاشلة وسياسات أفشل عجزت حتي الآن عن إصلاح أوضاع الاقتصاد أو مواجهة ارتفاعات الأسعار المتتالية أو زيادة حصيلة موارد النقد الأجنبي من خلال تحريك السياحة أو زيادة الصادرات علي الرغم من الدعم الذي يحصل عليه المصدرون من موازنة الدولة سنوياً. بخلاف تخفيض قيمة الجنيه بنحو 40% خلال السنوات الأربع الماضية قبل الخفض الأخير. وعلي عكس المتوقع انخفضت الصادرات بنحو 20% بمبررات لا تنتهي. ورغم هذا الانخفاض إلا أن الحكومة الحالية كافأتها بزيادة الدعم بنحو مليار ونصف المليار في صورة دعم استثنائي لبعض القطاعات التصديرية. هل تستطيع الحكومة التي خفضت الجنيه ان تحمي الأسواق من موجات متوقعة لارتفاع الأسعار؟ الإجابة: لا.. فقد شهدت الأسواق زيادات في أسعار مختلف السلع وفي مقدمتها السلع الغذائية الأساسية.. وأكد ذلك مؤشر التضخم الذي يصدره جهاز حكومي هو التعبئة والإحصاء حيث سجل التضخم ارتفاعاً شهرياً بنسبة 1.1% في فبراير الماضي علي خلفية زيادة أسعار مجموعة الأرز والدواجن والخضراوات وزيوت الطعام والسكر الي جانب زيادة مجموعة شرائح استهلاك المياه والخدمات المتنوعة المتعلقة بالسكن بنسبة 5.20%. ورغم هذه الزيادات إلا أن هذه الحكومة الضعيفة لم تحرك ساكناً في مواجهة التجار واصحاب "البيزنس" الذين نجحوا تماماً في الضغط عليها خلال الفترة الأخيرة وفرضوا سياستهم ومطالبهم وأهمها تخفيض الجنيه. نتوقع خلال الساعات والأيام القادمة ان نسمع من خلال خبراء وسماسرة الفضائيات سيلاً من التبريرات لقرار خفض الجنيه وسوف تظهر فجأة الايجابيات الكبيرة وتختفي السلبيات التي حذر منها البعض. وسوف يبشروننا بالصورة الوردية للاقتصاد خلال الفترة المقبلة. وكأن عودة الاقتصاد للحياة لابد ان يكون ثمنها موت الجنيه. رغم اقتناعي بأن هناك ضغوطاً علي البنك المركزي - رغم استقلاليته - من أجل إصدار قرار تخفيض العملة الوطنية إلا أن دم الجنيه سيظل في رقبة الجميع وأولهم المركزي.