الفيلم الأمريكي "ملوك مصر" "2016" المعروض حالياً في القاهرة يعود صناعه مثل عشرات الأفلام الأمريكية التي شاهدناها إلي الحضارة المصرية القديمة بهدف استلهام حكايات غريبة خيالية من كتب الاساطير المصرية.. حكايات تقع أحداثها في أزمنة سحيقة قبل التاريخ. حيث يصول الخيال ويجول في فضاء لا نهائي. ويرسم الصراعات بين الآلهة والتي لا تعرف حدوداً لشطحات الخيال أو للسباحة في عوالم الميثولوجيا عندما يصطدم البشر والفانون والآلهة المخلدون. وحيث تتضاءل قدرة الإنسان أمام أقداره وقوي الآلهة الخارقة التي تحكم الشمس والهواء والصحاري والبحار والظلام والنور. والشر والخير. إلخ. للفيلم عنوان آخر هو "آلهة مصر" وهم إله الظلام شديد القسوة. وإله الهواء وإله الحكمة والمعرفة وربة الجمال و.. إلخ. هؤلاء الآلهة أو "الملوك" هم الأبطال الذين يدور حولهم الصراع.. الإله "ست" تستبد به الغيرة عندما يعرف أن شقيقه الإله "أوزيريس" يستعد لحفل تنصيب ولده "حورس" إله الهواء ملكاً علي مصر. "ست" يهرول ومعه جيشه الجرار لاغتصاب الملك من ابن شقيقه بعد أن يقوم بقتله وبالفعل يستولي علي الحكم ويقوم بخلع عيون "حورس" باعتبارها مصدر قوته. وأمام توسل الآلهة "حاتور" "إلهة الحب" التي تعشق "حورس". يوافق "ست" علي إخلاء سبيل ابن شقيقه بعد أن صار كفيفاً وفاقداً لقوته بشرط أن تصبح هي زوجته. وهناك أيضا "ثوت" إله المعرفة. وهناك المهندس الفرعوني الفذ "أورشو". أما "البشر" الفانون فهم "بك" الشاب العاشق للفتاة الجميلة "زايا" التي تتوه في خضم الفوضي والصراع للوصول إلي الحكم. وتقع أسيرة للمهندس "أورشو" مصمم المسلات والقلاع وذلك قبل أن تنتهي من الرحلة المضنية إلي العالم الآخر. حكايات لا يمكن التعامل معها بجدية.. لأنها محض خيال ويخوض العاشق الجسور "بك" مغامرة مستحيلة لانقاذ حبيبته قبل أن تصل إلي الباب الأخير في رحلتها ولكنه يدرك أن نجاحه يتوقف علي مساعدة الإله "حورس" الذي اقتلع عمه "ست" عينيه ومصدر قوته الخارقة.. ومن ثم يتعاون الآلهة والبشر من أجل انقاذ الحبيبة وتخليص "مصر" من حاكمها الشرير. ويقوم "زايا" بسرقة خرائط مكتبة "ست" التي تضم عينا "حورس" لإيمانها بأن حبيبها لن يتمكن من إنقاذها إلا بعد أن تعود للإله عيناه. وبالفعل ينجح "بك" في سرقة واحدة من عيني "حورس" وإعادتها إليه. التفاصيل والحكايات كثيرة ويمتليء بها "العالم" الموازي الذي رسمه صناع الفيلم عن مصر القديمة بأساطيرها المرتبطة بالملوك والآلهة وذلمك العالم اللامتناهي من الممالك الخيالية بصحاريها وجبالها وتضاريسها الجغرافية والميتافزيقية ومن يسكنوتها من البشر. ويختلف بالضرورة موقف المتفرج من مثل هذه الأفلام حسب قناعاته أو ما يعرفه عن الحضارة الفرعونية وعن مصر القديمة في الأزمنة السحيقة وما تثيره من خيال ساهمت في صنعه بالتأكيد السينما الأمريكية. وما يلفت النظر بالنسبة لي شخصياً أن الفيلم يحتفي بهذه الحضارة لو حكمنا علي حجم الإثارة عبر الترجمة البصرية التي لعبته فيها امكانيات التكنولوجيا دوراً مبهراً. فنحن أمام عالم فاتن يكشف عن حضارة متقدمة جداً تمثل فجر التاريخ فعلاً وقد احتلت مكانة فريدة في التطور الإنساني يعترف بها العالم. فالفيلم من الأعمال القليلة الأمريكية التي لم تشوه التاريخ الفرعوني ويستحضر الجانب الحضاري عبر ما تجسده العمارة والإبتكارات اللافتة في تصميمات المباني والأعمدة الفرعونية. وفي ملابس وحلي الشخصيات وفي المعاني التي يمكن استخلاصها في الصراع بين الخير والشر و الضوء والظلام من أجل السلطة وفي ميدان الحب وأيضا في مظاهرالتفوق "شكلياً" عن الحضارات الإنسانية الأخري.. فالصراع البشري موجود منذ بداية الخليقة. وصراع "الآلهة" تعرفه جميع الحضارات القديمة. ولكن الحكمة والفلسفة وقيم الإبداع في مجالات التصميم المعماري. والحلي والملابس. وفي الأثاث. وكلها تفاصيل مبهرة في الفيلم وتتجسد عند تصوير شخصيات حكيمة مثل الإله "رع" والد الإلهة "ست" الذي يؤمن أن خلود الإنسان يضمنه أفعاله.. أيضا مظاهر الجمال في قوة "أوزيريس" و"أيزيس" وباقي الشخصيات التي لم يتعمد الفيلم تشويهها. ما يميز هذا الفيلم بصفة خاصة أنه من بين الأعمال القليلة التي لا تتعامل مع الحضارة الفرعونية باعتبارها "ملعونة" أو مصدراً للشرور.. والأمثلة علي ذلك كثيرة ومنها سلسلة أفلام "المومياء" وأفلام الفراعنة أنها حضارة جديرة بالاحترام حيث كتب أحدهم: "إغراق في شحنات ليست مقنعة من المؤثرات الخاصة والتأليف الغبي. ناهيك عن أن جميع الأدوار الرئيسية قام بها ممثلون ببشرة بيضاء" وقد منحته الناقدة حوسلين نوفيك في صحيفة شيكاجوصن تايمز تصف نجمة فقط بينما وصفه ناقد آخر بأنه عمل طويل جداً وممل "107 دقائق". ومن المؤكد أن ثقافة النقاد وانتماءاته تلعب دوراً في تقييمه.. فقد اختلف ناقد صحيفة "الجارديان" جوردان هموفمان ولم يضع الفيلم في المرتبة الدنيا تماما من التقييم واعتبر أن الفيلم يوفر لدافع التذكرة كثيراً من التسلية "!!". أما المخرج نفسه فقد هاجم الناقد السينمائيين في حسابه علي الفيسبوك ووصفهم بأنهم نسور جارحة مريضة تغرس منقارها في جثث الموتي وتسعي إلي النقر في التوافق الجمعي للجمهور وأنه يحيي المتفرج ويثمن رأيه وينصحه بالإبتعاد عما تقوله العقليات المتضخمة سواء بالسلب أو الإيجاب.