الفتوي التي أصدرها الدكتور علي جمعة عضو هيئة كبار العلماء ومفتي الديار المصرية السابق بمناسبة عيد الحب منذ أيام والخاصة بقوله إن حب الرجل للمرأة درجات حتي يصل إلي مرحلة العشق. وأن الله عز وجل لم يُحَرِّم العشق علي ابن آدم بشرط ألا يقع في المحرمات.. مضيفا أن ¢النبي- صلي الله عليه وسلم- قال: من عشق وكتم وعف ومات فهو من الشهداء¢ وأن هذا الحديث ليس ضعيفا أثارت جدلا واسعا في الأوساط الاجتماعية.. خاصة أنه أشار إلي أن الاحتفال بعيد الحب ليس حراما ولا يجب أن يؤخذ بإطار شرعي لأنه ثقافة سائدة مأخوذة عن مجتمع ما.. مطالبا الشعب المصري في الوقت ذاته بالاعتزاز بثقافتنا وحضارتنا وعدم التوغل في ثقافة الغرب. السؤال الذي يفرض نفسه.. ما هي حدود العاطفة في الإسلام وهل هناك آداب معينة يجب أن يلتزم بها الحبيبان؟ يقول د. أحمد كريمة أستاذ الشريعة الإسلامية بجامعة الأزهر إن الحب في الإسلام لا يحصر ولا يقصر في الأمور الحسية الدنيوية كالزوجة والولد إلخ.. ولكن تتسع الدائرة لتشمل حب الله وسيدنا رسوله الله صلي الله عليه وسلم والصالحين كآل البيت والصحابة وأولياء الله الصالحين والعلماء والعاملين والشهداء والمرابطين.. فهؤلاء حبهم من واجبات السلوكيات والأخلاقيات قال النبي صلي الله عليه وسلم ¢ثلاث من كن فيه وجد حلاوة الإيمان أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما وأن يحب المرء لا يحبه إلا لله وأن يكره أن يعود إلي الكفر كما يكره أن يقذف في النار¢. وكذلك حب الوطن فالنبي صلي الله عليه وسلم قال لمكة ¢والله إنك أحب البلاد إلي الله وأحب البلاد إلي ولولا أن أهلك أخرجوني ما خرجت¢.. وحب الطاعات والقربات بما فيها من عبادات بدنية ومالية وغير ذلك.. فالدائرة متسعة منفسحة وإذا تعارف الناس علي مناسبة اجتماعية تؤصل الحب لشيء معين فالعادات تبني علي الجواز والحل والإباحة ولا مانع من ذلك.. والقاعدة الفقهية تقرر ما سكت عنه الشرع فهو عفو ففي الحديث الشريف ¢إن الله فرض فرائض فلا تضيعوها وحد حدودا فلا تعتدوها وحرم أشياء فلا تنتهكوها وسكت عن أشياء رحمة بكم غير نسيان فلا تبحثوا عنها¢.. فهيا إلي الحب المعنوي والحسي في حدود الآداب الشرعية. ضوابط شرعية يقول الدكتور عبد الغفار هلال الأستاذ بجامعة الأزهر إن العلاقات العاطفية في الإسلام مرتبطة بضوابط شرعية يجب ألا يخرج عنها الإنسان أول هذه الضوابط أن يراعي الزوج أو الزوجة الله في كل تصرفاتهما ولا يخرجا عما أمر به الله سبحانه وتعالي . فالإسلام لم يحرم العاطفة بل يحث عليها بشرط أن تكون هذه العاطفة في الحلال. أضاف أن الله رؤوف بعباده لذلك فما يخرج من الأفكار لا يحاسبنا عليها.. فإذا فكر الزوج في سيدة أخري غير زوجته والعكس صحيح لن يؤاخذهما الله علي ذلك طالما أنه لم يخرج لحيز التنفيذ ولكن يجب أن يعلم كل مسلم ومسلمة أن طهارة الباطن أفضل من طهارة الظاهر لأنها تحتاج لإيمان وقلب خاشع يخاف الله ويحرص علي رضائه خاصة أننا في لحظة نفارق الحياة. حذر من أن تفكير الإنسان في فتاة أو سيدة يكون مقدمة للوقوع في المحظور لذلك يجب علي كل منا ألا يسمح لنفسه بالتفكير في شيء حرام نهانا الله عنه حتي ينأي بنفسه عن شر الوقوع في الحرام فالإسلام حرم كل ما يثير الشهوة والغريزة وأمر بالمحافظة عليها وادخارها لوقتها ولمن يستحقها ويقدرها ويحافظ عليها كما حدد عددا من الأمور كي يمنع بها ممهدات العلاقات المحرمة بين الجنسين حتي يحافظ علي المشاعر الإنسانية خاصة لدي الفتاة من أهمها تحريم التبرج وغض البصر وحفظ الفرج والبعد عن الأسباب التي توقع في الفحشاء وتحريم الخلوة بين غير المحارم والنهي عن الخضوع بالقول وألوان الميوعة في اللفظ والحركة.. بالإضافة إلي أنه أوصي أيضا بمعايير اختيار الزوج والزوجة وجعل ذلك علي أساس الدين والخلق والجمال الطاهر العفيف وفي الوقت نفسه حذر من الجمال الرخيص الذي يتلاعب به أهل السوء. أكد أن أي علاقة بين الجنسين يجب أن تكون محكومة في إطار محدد لا يخرج عنه. فإذا كانت العلاقة في مكان عمل فلا يجوز أن تتعدي إطار العمل وهكذا في أماكن تلقي العلم. وذلك حتي لا تتفشي ظاهرة العلاقات المحرمة وتصبح أمرا عاديا في مجتمعنا محذرا مما ينتشر هذه الأيام تحت مسمي المعرفة قبل الزواج علي اعتبار أن إقامة علاقة بين الشاب والفتاة قبل الزواج قد تؤدي في الغالب إلي الوصول للأمور المحرمة كالكلام العاطفي الذي يؤدي إلي أفعال شائنة لا يقرها الإسلام وقد يترتب عليها الهجران قبل الزواج والانفصال فيما بعد. يري د. هلال أن الحل يتلخص في الالتزام بما أمر الله به وعدم الانبهار بكل ما هو وافد علينا نحن المسلمين من الغرب وتطبيق تعاليم الإسلام في العلاقة بين الجنسين وحصر علاقة المشاعر في إطار الزوجية التي ينبغي أن تقوم علي أساس من المصارحة بالإضافة إلي أنه يجب علي الأسرة أن تستعيد دورها الحقيقي في تحصين الأبناء من مثل هذه العلاقات التي يرفضها الإسلام بشكل فيه توعية وليس تخويفاً. يري الدكتور محمد أبو ليلة أستاذ الدراسات الإسلامية بكلية اللغات والترجمة جامعة الأزهر أن الله عز وجل لم يخلق العواطف عبثا وإنما قد خلقها لتقوم بدور في العلاقات الاجتماعية ففي المجال الأسري تقوم العاطفة بدور مهم في إنشاء الأسرة كما تقوم بدور أهم في استمرار أداء الأسر بدورها المنوط بها.. مشيرا إلي أن الأساس الذي تقوم عليه الأسرة في أول أمرها إنما هو العاطفة التي هي الملكة الدافعة لكل من الزوجين إلي الإقبال علي الآخر وهي ملكة قد يعينها العقل علي تحقيق غايتها أو لا يعينها. أكد أن الله عز وجل قد حمي الأسرة في أول أمرها بفطرة تحمي العلاقات الزوجية والقرآن الكريم يحتوي علي آيات مهمة في هذه القضية منها قوله تعالي : ¢ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجا لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون¢.. والناظر في هذا النص الكريم يجد أن فيه "سكن" و"مودة" و"رحمة" فالسكن والاستقرار نتيجة.. والرحمة ملكة دافعة ومصرفة للأمور والمودة مخزن الدفء الذي يمد العاطفة بأسباب وجودها والزوجان الحصيفان هما اللذان يحرصان علي خزان الوقود يمدانه بما يحتاج إليه من أسباب الانفعالات ويعينه النبي صلي الله عليه وسلم علي ذلك. أضاف د. أبو ليلة أن هذه هي العاطفة ودورها في الأسرة والتي تعتبر خطوة أولي علي طريق مأمون نواجه به خطوات مشبوهة تثيرها الفضائيات.. لذلك فإن ما يحدث في مسألة العلاقات المحرمة بين الجنسين فوضي جنسية لا يمكن الخروج منها إلا بالعودة إلي التربية الإسلامية للأبناء لأن الإسلام هو الذي يتصدي لخلق العلاقات الصحية بين الجنسين حيث يقصر العلاقة الجنسية علي الزواج دون غيره ولا يقبل أن تكون هناك علاقة بين الرجل والمرأة إلا في إطار الزواج. أما مسميات الصحبة والصداقة والحب. وما شابهها هي طريق للمعصية والفساد الأخلاقي. حيث تحدث العلاقة بين زميلين في العمل. أو بين طالبين يقع بينهما استلطاف ثم استخفاف بالقيم ثم تورط في العلاقات المحرمة التي توصل في النهاية إلي هدف جنسي غير مشروع. ثقافات وافدة يري د. أحمد البحيري أستاذ الأمراض النفسية والعصبية أن هناك أسبابا تؤدي بالشباب والفتيات إلي إقامة علاقات محرمة في إطار المجتمع. من أهمها عدم إنكار المجتمع بشكل عملي لهذه الظاهرة نتيجة لاقتحام الثقافات الوافدة التي تجعل من عملية الاختلاط بين الجنسين أمرا عاديا لمجتمعاتنا. هذا بالإضافة إلي وقوع كثير من الأسر في محاولة تخويف الفتاة منذ بلوغها من الشاب مما يؤدي في النهاية إلي أن تقوم الفتاة بدافع الفضول إلي التعرف علي هذا الخطر. كما أن هناك أسبابا أخري تؤدي إلي العلاقات المحرمة بين الجنسين منها التعليم المختلط. وتزايد تركيز الإعلام علي الجانب العاطفي بين الجنسين. وخاصة أن الأسرة لم تعد كما كانت في الماضي حيث أصبح التلفزيون بشكل خاص مشاركا خطيرا لها. ومن ثم يكون لما يعرضه من أغاني الحب المصورة. والمشاهد الساخنة دور كبير في تحريك الشهوة الجنسية لدي الجنسين بشكل يدفعهم إلي إقامة علاقات تستهدف إشباع الرغبة لكل منهما. أضاف أن علاج انتشار مثل هذه العلاقات بين الشباب والفتيات يتطلب عدة أمور أهمها تعديل منطق أساليب التربية في الأسرة. واستعادة المدرس دوره كمرب وليس معلما فقط. ومحاربة الاختلاط غير المنضبط بين الشباب والفتيات. بالإضافة إلي منع فرض الثقافات الوافدة التي تركز علي الغريزة وإظهار مفاتن المرأة. ومواجهة الفساد الإعلامي الذي يصور المرأة كجسد. وكذلك نشر الثقافة الواعية في العلاقة بين الجنسين. والقائمة علي الأسس الإسلامية.