إلي كمال الجويلي. هذا هو الإهداء الذي صدرت به كتابي "مصر في قصص كتابها المعاصرين". تتعدد الأسئلة عن كمال الجويلي "السؤال ليس استنكاريا. إنما هو عدم معرفة" هل الإهداء لأحد أقربائك؟ هل هو صديق؟.. أسئلة كثيرة تدفعني للتقدير الذي أحمله للرجل إلي الحديث عنه طويلا وكثيرا. تعرفت إلي كمال الجويلي في ظروف قاسية. كان عملي بالقطعة في "الجمهورية" محفوفا بالمتاعب. انتقل سعدالدين وهبة إلي وزارة الثقافة. وحل بدلا منه في صفحة "صباح الخير" التي كنت أسهم في تحريرها صحفي آخر. ظني وليس في رأيي محاولة للانتقاص أو ما شابه أنه أتي لموقعه المهم بتوصية من جسده العملاق. وصوته الشوارعي. وزواجه من فنانة لبنانية. عدا ذلك. لم يكن يملك إلا الشخط والنطر وإطلاق العبارات البذيئة. وربما الشتائم. ويدفع بالمواد التي يتسلمها دون قراءة إلي أحمد عباس صالح ويوسف إدريس ونعمان عاشور وسامي داود لقراءتها. وإجازتها بعد المراجعة. لاحظت ذلك كله في اليوم الأول. أزمعت أن أتجنب لقاءه ما أمكن. حرصت أن أقدم بضاعتي إلي واحد من المبدعين الأربعة يعيدها مشفوعة برأيه. أو يدفع بها إلي عبود فودة يعد أن يجري فيها ما يراه من تعديلات. وذات صباح التقط فودة رأيا سلبيا همس لي به نعمان عاشور في بعض ما كتبت. فاجأني الرجل بأنكر الأصوات. مستعيرا قسم فريد شوقي: وشرف أمي. وأضاف أني لن أصلح صحفيا. لم تكن لي قدرة علي التماسك. لعلي رويت لك عن العجز الذي كان يتملكني في مواجهة ما يؤلم. أكتفي بالدموع المنسابة. وأظل صامتا. لا أجد حتي الكلمات التي أدافع بها عن وجهة نظري. زاد ألمي بمؤاخذة الرجل علي حزني الصامت الباكي. فصار الابتعاد ضرورة. سألت عن كمال الجويلي في المساء. دلني صديقي وزميلي فيما بعد شفيق خالد علي مكتبه. لم أكن التقيته من قبل. رويت له كل شيء. حتي التفصيلات الصغيرة ذكرتها. أنصت الجويلي في اهتمام. هزات رأسه. وانفعالات وجهه. حضتني علي المتابعة. حتي قلت كل ما عندي. قال لي الجويلي في نبرته الهادئة. لا يبدلها حتي لو احتدمت المناقشة تشتغل معانا؟ هتفت: يا ريت! لم تكن صفحة "كل الناس" التي يشرف الجويلي تختلف عن صفحة "صباح الخير" التي كان يشرف عليها سعدالدين وهبة. الاختلاف في كلمات الجويلي المشجعة. باعتبار أن الصحافة مدخل إلي الحياة الأدبية. وعهد لي الجويلي ذات يوم أن أحرر صفحة كل الناس الأسبوعية. والأعمدة الثلاثة الثابتة يوميا. أتلقي التحقيقات والحوارات والأخبار. أراجعها. أو أعيد صياغتها. وأعد لها الماكيت "كانت العادة أن يتولي المحرر المسئول عن صفحة ما. إعداد الماكيت بالقلم الرصاص. ويشرف علي التنفيذ في المطبعة". وحين بدأت في جمع بطاقات كتابي "مصر في قصص كتابها المعاصرين". أتاح لي كمال الجويلي ما يشبه التفرغ الذي تقدمه وزارة الثقافة للمبدعين. أعد "كل الناس" في أقل وقت. وأجري إلي البيت. أو إلي المصادر والمراجع في المكتبات العامة. وعلي الرغم من فارق السن بيننا "الجويلي من مواليد 1920" فقد كان الرجل يدعوني في إطار الصداقة إلي مناداته باسمه المجرد "كمال". لكنني حتي الآن أصر أن يكون لقب "الأستاذ" سابقا للاسم. أعزي نفسي في أستاذي كمال الجويلي.