د. آمنة نصير عميدة كلية الدراسات الإسلامية والعربية للبنات بجامعة الأزهر سابقا وعضو مجلس النواب المصري ورئيس لجنة التعليم والبحث العلمي بالمجلس.. أول امرأة داعية في مجتمعنا العربي كرست حياتها لمناصرة حقوق المرأة بما يتفق مع شرع الله. وقد خاضت العديد من المعارك الدينية لكونها صاحبة آراء واجتهادات موضوعية ومعتدلة. وذات نظرة مستقبلية ثاقبة في معظم القضايا والمشكلات التي تمس المجتمع العربي والإسلامي. وقد لاقت شهرة ونجاحا في جميع الفضائيات العربية بآرائها الميسرة وحجتها المعتدلة غير المتشددة نظرا لرؤيتها المتميزة تجاه عديد من القضايا الإسلامية. التقينا د. آمنة وناقشناها فيما تعتزم عرضه في مجلس النواب من مشاريع قوانين تحافظ علي حقوق المرأة في ضوء ما منحها الإسلام في الوقت التي ظلمتها فيها التقاليد الشرقية وسألناها: * بعد فوزك برئاسة لجنة التعليم والبحث العلمي بمجلس النواب .. ما البرنامج الذي تعد له د. آمنة لتحسين جودة التعليم؟. ** لدينا رؤية أنا وزملائي في اللجنة لإصلاح التعليم الجامعي وقبل الجامعي واقترحنا أن نقنن من عملية مجانية التعليم وليس إلغاؤها كما يدعي البعض .. فما المانع أن يتحمل ولي الأمر جنيهات قليلة في التعليم المجاني بحيث مثلا إذا كان يدفع 80 جنيها في العام أن يدفع 120 جنيها فالأربعون جنيها الزيادة ستدر دخلا كبيرا علي الدولة يمكن تخصيص جزء منها للمدرس وتطوير المناهج وترميم المدارس وتجويد الكتاب العلمي شكلا ومادة وتأهيلا لأن هناك فرقا بين التعليم التأهيلي والآخر التلقيني الذي يعتمد علي الحفظ وبذلك يمكن القضاء علي الدروس الخصوصية تدريجيا لأن دخول المدرس منازل الطلاب يقلل من هيبته كمعلم للأجيال لأنه يحصل علي راتبه من التلميذ فإذا خصصنا جزءا له نستطيع أن نحاسبه قانونا علي إعطائه الدروس الخصوصية سواء في المنازل أو السناتر أو في أي مكان آخر. فإصلاح التعليم بداية إصلاح باقي أجهزة الدولة .. لذلك سأحرص من خلال اللجنة علي إصدار تشريعات جديدة تصحح المسيرة التعليمية بكافة مفرداتها التلميذ والمناهج والمعلم مهما كلفني ذلك فلابد من عودة المدرسة والمدرسين لدورهم التربوي الفعال في تأهيل الطالب علميا وأخلاقيا .. وعلي الحكومة ورجال الأعمال التوسع في بناء المدارس كما يجب أن نعمل علي إصدار التشريعات التي تحد من ظاهرة الدروس الخصوصية التي استشرت بصورة فادحة وحولت التعليم لتجارة خربت المفاهيم التعليمية وهذا يتطلب بالتبعية إعادة صياغة المواد العلمية بحيث لا تعتمد علي التلقين والحشو بل يجب أن تساهم في رفع مستوي التفكير لدي الطلاب خاصة في ظل توافر الانترنت الذي يتيح لهم سهولة الحصول علي المعلومة ولكنهم يحتاجون لمن يرشدهم إلي الطريق الصحيح .. هذا بالنسبة للتعليم ما قبل الجامعي أما المرحلة الجامعية فأنا أعلم بأوجاعها ومطالبها وسأسعي لتوفير كل الحلول الناجعة لمشكلاتها. * وماذا عن المرأة؟ ** أتابع قضايا المرأة من أكثر من 35 عاما ووضعت أبحاثا عديدة لمواجهة الانتهاكات التي تتعرض لها المرأة المصرية وسأحرص علي أن تنال حقوقها التي منحها لها الإسلام وسلبتها العادات والتقاليد التي تجذرت في المجتمع. * هل لديك أجندة خاصة عن إصلاح الخطاب الديني؟. ** عملية الإصلاح التي تحدث عنها الرئيس عبد الفتاح السيسي يجب أن تبدأ من المعاهد الأزهرية .. فلابد من عمل مراجعة شاملة للمناهج الأزهرية وتنقيتها وتحسين جودة المادة العلمية التي يتلقاها الطالب .. وسأحرص خلال الأيام القادمة علي التواصل مع المتخصصين لتطوير المناهج بما يتماشي مع ظروف العصر. * هل تعتبرين دخولك للبرلمان إقرارا من المجتمع بحق المرأة في الحصول علي حقوقها السياسية التي أقرتها الشريعة؟. ** الشريعة الإسلامية ساوت بين المرأة والرجل في الحقوق والواجبات الدينية والدنيوية سواء كانت اقتصادية أو سياسية أو اجتماعية وقد أوصي بها رسول الله صلي الله عليه وسلم في خطبة الوداع وأكد علي مساواتها للرجل ومعاملتها المعاملة الحسنة .. والسياسة ليست جديدة علي المرأة المسلمة حيث مارستها منذ العهد النبوي يجسد ذلك بيعة النساء لرسول الله صلي الله عليه وسلم بعد فتح مكة ومشاركتها في بيعة العقبة الثانية .. وعندما بايعت المرأة مارست دورها فعليا وساهمت في البناء السياسي للدولة الإسلامية. الإسلام دين الوسطية * ما رأيك فيما يرتكبه المتشددون من انتهاكات لحقوق المرأة في كثير من البلاد العربية والتي تشوه صورة الإسلام؟.. وكيف نصحح هذه الصورة؟. ** الإسلام دين الوسطية ودعا إلي معاملة المرأة باللطف واللين حتي عندما شرع عقابها بالضرب كان بالسواك .. لكن للأسف حماة الوسطية من علماء ودعاة حقيقيين غابوا عن الساحة فظهرت الجماعات المتطرفة ودعم ذلك القنوات الفضائية التي تطلق العنان لفتاوي شاذة تقيد حرية المرأة مثل تحريم مشاركتها في الانتخابات أو الأنشطة الإدارية والتنموية المختلفة .. كل ذلك رسم في ذهن الغرب صورة خاطئة ومغلوطة عن الإسلام بأنه ظلم المرأة وانتقص من حقوقها. * ولكن ما تفسيرك لاختلاف الواقع الذي تعيشه المرأة في الدول الإسلامية ووضعها في الدول الأجنبية؟. ** هذا نتيجة عدم تطبيق نصوص الشرع كما فرضها الله علي أرض الواقع.. فما زالت العادات والتقاليد وبعض اجتهادات أصحاب الرأي والهوي والموروث الثقافي العقيم هو الذي يتحكم في وضع المرأة في المجتمعات الإسلامية .. فيري في المرأة أنها خلقت من أجل الإنجاب فقط ولا ينظر لما يمكن أن تقدمه من دور فعال في التنمية رغم أن الإسلام منحها الحق في ممارسة حياتها كمستخلفة في الأرض يقول تعالي ¢إني جاعل في الأرض خليفة¢ والمستخلف هنا هو الإنسان رجل كان أو امرأة لبناء الاقتصاد والعلم والمعرفة والتعمير ولعل المساواة بين الرجل والمرأة تبدو في أوضح صورها في قوله سبحانه جل شأنه ¢ياأيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالا كثيرا ونساء واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام إن الله كان عليكم رقيبا¢ ولم يصدر أمر شرعي إلي الرجال دون النساء فلا خلاف بينهما في الواجبات والتكاليف الشرعية فالمرأة أيضا مكلفة بالصوم والصلاة وأداء الزكاة والحج وإنما الخلاف في الاختصاص حيث حدد للرجل وظائف تتناسب مع قدراته كما حدد للمرأة وظائف كالحمل والولادة ورعاية الأطفال .. وبالتالي المجتمع لم ينصف المرأة بما أنصفها الإسلام واتخذ الكثيرون الدين غطاء لتحقيق مطامع شخصية .. أما الغرب فقد منح المرأة كامل حريتها في صناعة الحياة بكافة أشكالها. تطبيق الشريعة * تخرج علينا الدعوات من حين لآخر تطالب بتطبيق الشريعة .. فهل نحن لا نطبقها؟. ** علي العكس نحن نطبق أكثر من 90% من أحكام الشريعة منها الزواج والطلاق والصوم والميراث وغير ذلك .. أما التركيز علي تطبيق الحدود مثل قطع يد السارق ورجم الزاني والزانية والقصاص فهذه الحدود عندما أطالب بتطبيقها لابد ألا أجد فقيرا ولا رجلا يسأل عن عمل ولا رجلا يريد الزواج ولا يملك ويريد السكن ولا يجده.عندما لا توجد مثل هذه الأمور من الممكن تطبيق توقيع هذه الحدود. ففي أحد كتبي تطرقت للجانب الإنساني في الحدود فالخليفة عمر بن الخطاب في عام الرمادة عطل حد السرقة علي الذين يسرقون من أجل سد جوعهم. * ما السبب من وجهة نظرك في التدني الأخلاقي الذي تشهده المجتمعات الإسلامية حاليا؟ ** يرجع ذلك لعدم الاكتراث لقيمة الحياء التي لها قيمة عظيمة. فقد جاء رهط إلي رسول الله صلي الله عليه وسلم وهو يصافحهم لمس يد خشنة فقبلها صلي الله عليه وسلم وقال: هذه يد يحبها الله ورسوله لأنها أخشنت من العمل.. فالإنسان مستخلف في الأرض ومطلوب أن يكدح فيها ويعمرها بالعلم والحكمة والتجارة الناجحة. * يتعرض التراث لهجمة شرسة من التشويه .. فكيف يمكن حمايته وما رأيك فيمن يطالب بتنقيته وتطويره؟. ** التراث الإنساني بلا استثناء به الغث والسمين ونحن في حاجة إلي أن نستدعي من تراث الفقهاء ما يتناسب مع عصرنا لأنهم هم بشر من الممكن أن يخطئوا ويصيبوا وقالوا ذلك بأنفسهم مثل الإمام الشافعي بقوله: رأيي صواب يحتمل الخطأ ورأي غيري خطأ يحتمل الصواب. والإمام مالك قال: كل إنسان يؤخذ منه ويرد عليه إلا المعصوم وأشار إلي قبر الرسول. وقول الإمام أبي حنيفة: هذا رأي ما قدرت عليه أن أتفق مع الكتاب والسنة فخذه. وإن اختلف فدعه واتركه. فالأئمة لم يقدسوا عملهم ووضعوه في إطار البشرية فيه صواب وخطأ. ودائما أقول: إن الحضارة الإسلامية فتحت باب الاجتهاد إذا أصاب المجتهد له أجران. وإذا أخطأ فله أجر واحد. وهذه عظمة تدعو العقول البشرية لتبرز ما يخدم الإنسان. وحديث رسول الله صلي الله عليه وسلم "إن الله يبعث لهذه الأمة علي رأس كل مائة سنة من يجدد لها دينها" فالمطلوب الأخذ من التراث ما يتواءم ويتلاءم مع مقتضيات العصر.