مع غروب آخر شمس في عام 2015 فقدت مصر علما من أعلامها السامقة هو الأستاذ الدكتور محمد حماسة عبداللطيف العالم الجليل.. اللغوي والشاعر والناقد والأديب.. الأستاذ بكلية دار العلوم ونائب رئيس مجمع اللغة العربية "مجمع الخالدين".. ومما يؤسف له أن هذا العلامة.. عالي القيمة والقامة.. لم يحصل علي ما يستحق من التكريم والتبجيل في حياته أو بعد مماته لسبب معروف.. أنه لم يكن من مثقفي الحظيرة.. الذين يجيدون تسويق أنفسهم مع تواضع بضاعتهم.. فنبغوا في البيع والشراء بأكثر مما نبغوا في العطاء الفكري والثقافي والعلمي.. وصاروا ينافسون نجوم الفن والرياضة في الشهرة ومؤتمرات الترويج. ولم يشأ عالمنا الجليل أن يغادر دنياه ودنيانا قبل أن ينعي ذاته المقهورة.. حيث كتب علي صفحته ب "فيس بوك" قبيل صبيحة يوم الوداع: "لم أفعل العرف لا خوفا ولا طمعا.. لكنه الله والأخلاق والدار.. ما كنت أبغي سوي حسن الوداد به.. وقد جزيت كما يجزي سنمار.. يكفي جزائي أني قد سعدت بما.. أتيت من عمل والله اختار". ترجل الفارس الشاعر الذي ملأ الدنيا علما وأدبا وخلقا رفيعا.. الذي أحب اللغة العربية حباً جما.. وأخلص لهما كل الإخلاص.. وكان أحد سدنتها الكبار.. فوهبته أسرارها.. وأهدته مفاتيح مغاليقها.. وجعلت له مدرسة واسعة الانتشار.. يتباري فيها التلاميذ والمحبون والمريدون. ولد الدكتور محمد حماسة في قرية كفر صراوة مركز أشمون بمحافظة المنوفية عام ..1941 حفظ القرآن الكريم وأحسن تجويده علي يد والده وشيخه الفقيه عبداللطيف الرفاعي في كتاب القرية.. ثم خرج إلي سلك الأزهر الشريف فالتحق بمعهد القاهرة الديني.. ولما أنهي مرحلة التعليم الثانوي بتفوق ظاهر التحقق بدار العلوم ليحصل علي الليسانس في اللغة العربية والعلوم الاسلامية بتقدير ممتاز مع مرتبة الشرف الأولي عام 1967 وعين معيدا بقسم النحو والصرف والعروض.. وفي عام 1972 نال درجة الماجستير بدرجة ممتاز.. وفي 1976 نال درجة الدكتوراه بمرتبة الشرف الأولي. وعلاوة علي ذلك فقد قام بتدريس فنون اللغة العربية بالعديد في جامعات العالم العربي والإسلامي.. من باكستان إلي الكويت إلي الإمارات إلي الجامعة الأمريكية. كما كان محاضرا في معهد الإذاعة والتليفزيون حتي من قبل أن يحصل علي الأستاذية.. وأختير عضوا بمجمع اللغة العربية عام 1993 ثم انتخب نائبا لرئيس المجمع.. وله في كل هذه المواقع تلاميذ نجباء أبحروا وراءه في عالم اللغة.. وهؤلاء هم الذين ينعونه اليوم بكل الحسرة والالتياع لأنه يمثل لهم الأب الروحي والقدوة والنموذج. وللدكتور حماسة نشاط ملحوظ في الجمعيات العلمية والثقافية.. وأشرف علي عشرات من رسائل الماجستير والدكتوراه.. وشارك في لجان ترقية الأساتذة إلي جانب إنتاجه العلمي الخصيب.. فقد أصدر 15 كتابا في النحو والصرف وثلاثة كتب في مجال التعليم العام وتعليم اللغة العربية للأجانب.. وله العديد من الأبحاث العلمية المنشورة في المجلات المتخصصة إلي جانب مراجعات كتب التراث اللغوي و4 دواوين شعرية. ومن مأثوراته المعروفة قوله: "اللغات تعز بعزة أهلها وتذل بذل أهلها.. فاللغة العزيزة أهلها أعزاء". قال عنه الشاعر فاروق شوشة أمين عام مجمع اللغة العربية في حفل استقباله عضوا بالمجمع: "نحن أمام عالم لغوي من طراز جديد مختلف.. له مدرسة في النقد اللغوي وهي مدرسة تعيد علم اللغة العربية النحو إلي سابق دائرته الكبري ومفهومه الأوسع وعلاقاته الحية بالإبداع الأدبي شعرا ونثراً.. نحن أمام عالم لغوي يتابع ما بدأه عبدالقاهر الجرجاني في ربط المعاني النحوية بمدلول النص الأدبي.. وأرجع كل مزية في التعبير إلي المعاني النحوية لا غير". رحم الله عالمنا الجليل الذي أثري المكتبة العربية بالعديد من الدرر التي يزدان بها جيد اللغة العربية العصماء.. لغة القرآن الكريم.