إلي متي يظل الصعيد مبتليا بكل هذا الظلم من الحكومات المتعاقبة وإلي متي ستظل محافظاته تصنف علي أنها الأفقر في مصر. وإلي متي يستمر هذا النزوح اللانهائي من الصعيد إلي المحافظة المحظوظة القاهرة؟ اسئلة لم يستطع أي رئيس حكومة الإجابة عنها أو حل ألغازها فاستمر الصعيد مهملا واستمر النزوح إلي العاصمة التي لم تعد مرافقها تحتمل ولا شوارعها تستوعب المزيد من الحركة واستمر الفقر والتخلف في الصعيد واستمرت المشكلة تبحث عن حل لا يأتي. لقد اختزلت الحكومات المتعاقبة مصر جغرافيا في القاهرة وأصبح هذا الوطن الكبير عبارة عن مدينة واحدة هي القاهرة التي أصبحت تعادل في حجمها ومشاكلها وزحامها دولا من حولنا بعد أن تضاعف عدد سكانها بصورة مضطردة بل ومخيفة حتي كادت شوارعها تتحول إلي جراجات دائمة بل أن معارك كبري تنشأ بسبب أحقية المرور أو ركن السيارة وأدي هذا الزحام اللامنطقي إلي سيادة أخلاق الزحام وسلوكياته التي لا تخضع إلي أية قيم أو قواعد سادت منذ فجر التاريخ في أمة هي أقدم الأمم علي ظهر الأرض قاطبة بل كنا نعلم العالم من حولنا فحولنا الزحام إلي أمة ترفض أن تتطور أو أن تتقدم أو أن تواكب عصرها والأنكي إننا أصبحنا أمة تعود للخلف بسرعة مذهلة. هل هذه هي مصر التي أبهر قدماؤها العالم بحضاراتهم وعلمهم وفنهم وأخلاقياتهم. لقد حولنا الزحام والهجرة الداخلية إلي أمة "سمك لبن تمر هندي" بلا أية مقاييس ثابتة فكل شيء في الحياة متروك أما للصدفة أو القوة الجسدية أو للوساطة والمحسوبية أو القبلية ولنا في سوق العبور أسوة سيئة. في ظل هذا العبث خرجت مدن وقري في صعيد مصر وحتي في الدلتا من التاريخ وقد تخرج من الجغرافيا بعد أن اختصرنا مصر في دولة أصغر أسمها القاهرة. مساحة مصر تزيد علي مليون كيلو متر مربع ولكننا تركنا المليون كيلو متر واخترنا أن نعيش علي ما يزيد علي المليون وهو في أحسن الأحوال لا يتعدي مساحة 50 ألف كيلو متر مربع فهل هذا يعقل وهل هذه أمة تنوي أن تتقدم أو تنهض؟ لا أذيع سرا إذا قلت إن مشاكل مصر كلها تأتي من الصعيد وحل مشاكل مصر كلها يأتي من الصعيد أيضا وإذا أراد أي رئيس حكومة في مصر أن يخلد اسمه عليه أن يتجه للصعيد ويخطط لثرواته البشرية وهي بالمناسبة كنز لم نقدر قيمته حتي الآن ويستغل ثرواته المعدنية والزراعية والمائية والعقول الذكية بالفطرة في قري ومراكز الصعيد التي أنجبت علماء وأدباء وجراحين وفلاسفة وعباقرة في التفسير والتجويد والتلحين والبلاغة. يا أيتها الحكومة الرشيدة أرجوك اهتمي بالصعيد الذي هرب أبناؤه منه وهجروا الزراعة والصناعة والتنقيب وركنوا إلي حياة الدعة والراحة في جمهورية "القاهرة" وتحولوا إلي بوابين وموظفي أمن وبائعي روبابيكيا في أحسن الأحوال أو باعة خضار وفاكهة جاءت من أراض لم يزرعوها ولم يرووها. التحدي الأعظم أمام الحكومة الحالية والحكومة القادمة هو قهر البطالة في الصعيد وإنشاء مصانع ومجتمعات جديدة وإقامة نهضة حقيقية في هذه المساحة الغالية من الوطن والأهم إيقاف تدفق العمالة غير الماهرة من الصعيد إلي الدول العربية أو دول الخليج التي سبقتنا بأعوام طويلة حتي أصبحت أمنية كثير من الشباب النزوح إليها والعمل بها تحت أي ظرف باعتبارها دولا أكثر تحضرا من مصر وياللعجب!!!