يعتبر تأمين حصة مصر من مياه نهر النيل مسألة مصيرية بالنسبة لمصر بل إن هناك من يعتبر أن السياسة الخارجية المصرية تجاه أفريقيا ما هي إلا إنعكاس لمساعي مصر لضمان أمنها المائي. د.أيمن شبانة مدرس العلوم السياسية الأستاذ بمعهد البحوث والدراسات السياسية بجامعة القاهرة يؤكد أن مبادرة حوض النيل قوبلت بقدر كبير من التفاؤل خاصة أنها ضمت للمرة الأولي دول حوض النيل ماعدا أريتريا التي ظلت عضواً مراقباً كما استندت المبادرة إلي مبادئ الاستخدام العادل لموارد نهر النيل المائية والطبيعية. قال إنه تم الاتفاق علي أن تكون الاستفادة من أي مشروع في إطارها من نصيب دولتين علي الأقل من دول الحوض ولم تقتصر المبادرة أيضا علي مجرد إقامة مشروعات مائية متناثرة هنا وهناك وإنما عبرت عن رؤية استراتيجية تستهدف ربط مصالح دول حوض النيل ببعضها البعض من خلال مجموعة من المشروعات التنموية ذات المنفعة الأكثر للدول في قطاعات عديدة أخري أهمها الطاقة والري والزراعة والثروة السمكية والملاحة النهرية وبناء القدرات والتدريب. أوضح أن البعض نظر إلي المبادرة باعتبارها خطوة مهمة في طريق تحويل العلاقات المائية بين دول الحوض من الطابع الفني إلي الطابع السياسي ومن ثم حظيت المبادرة بدعم حكومي من جانب دول الحوض. أكد أنه بالرغم من ذلك إن المبادرة باتت مهددة بالانهيار بعد الصدام الذي حدث بين أعضائها بشأن ثلاثة بنود سياسية ضمن إطارها المؤسسي وهي الحقوق التاريخية والمكتسبة ومسألة الإخطار المسبق ونظم التصويت مما دفع خمس دول المنابع إلي التوقيع بشكل منفرد في مايو 2010 علي اتفاق لتنظيم الانتفاع بموارد النهر فيما بينهم عرف ب "اتفاق عنتيبي" وهو ما يعني ضمنا عدم احترام الحقوق التاريخية والمكتسبة لدولتي المصب "مصر والسودان" والتنصل من الاتفاقات القانونية المنظمة للانتفاع بموارد النيل وعلي رأسها اتفاق 1929 واتفاق 1959 وعدم الالتزام بكثير من المبادئ الواردة في مبادرة "حوض النيل". قال إن مصر سعت إلي اشتراك كافة دول حوض النيل في مشروعات المبادرة سواء مشروعات الرؤية المشتركة أو مشروعات الأحواض الفرعية "حوض النيل الشرقي حوض النيل الجنوبي" وبالرغم من حرصها علي إثبات حسن نواياها وطمأة دول المنابع بشأن المنافع المشتركة التي سوف تدرها المبادرة. أضاف: في تصوري أن المبادرة تعثرت نتيجة لمجموعة من العوامل منها غياب الرؤية الاستراتيجية المصرية إزاء إقليم حوض النيل والتدخلات الأجنبية في الحوض وعدم الاستقرار السياسي والأمني ونقص التمويل المتاح لتنفيذ المشروعات. أكد د.شبانة أنه بالنسبة للرؤية السياسية أصبحت السياسة المصرية تجاه أفريقيا بوجه عام وحوض النيل بوجه خاص تفتقر إلي خطاب سياسي في واضح الاطر والمعالم فبعد أن كانت تصفية الاستعمار ومناهضة العنصرية هما الهدفان الأساسيان للسياسة المصرية إزاء القارة خلال العهد الناصري وبعد أن كانت أفريقيا هي الدائرة الثانية للسياسة الخارجية المصرية أصبح من العسير معرفة أهداف السياسة المصرية في القارة أو تحديد ترتيب الدائرة بين دوائر حركة السياسة الخارجية المصرية. أكد د.أيمن أن السياسة المصرية إزاء دول الحوض أصبحت انعكاسا لرؤية استراتيجية محددة بقدر ما هي ردود أفعال لسياسات الأفارقة أو الأحداث التي تمر بها القارة حتي أن العلاقات الدبلوماسية لمصر مع جميع دول الحوض وتقديم المساعدات والخبراء ولاستضافة القاهرة لمركز التدريب الإقليمي التابع لمبادرة دول حوض النيل لم يشفع لمصر لدي شركائها في المبادرة خاصة في ظل عدم وجود أي مبادرات مصرية حقيقية لتسوية الصراعات وإدارة الأزمات وتوضح أرقام التبادل التجاري بين مصر ودول الحوض بل وعدم الاكثراث بحضور كثير من الفاعليات الأفريقية. التدخلات الأجنبية قال د.شبانة إنه بالنسبة للتدخلات الأجنبية فإنها تمثلت في اتجاه العديد من الدول الكبري إلي استئجار الأراضي في دول الحوض لأغراض الزراعة بما يعقبه ذلك من الطلب علي المياه التي ربما تكون خصماً من الحصص المقررة لدولة المصب بالإضافة إلي سياسات التحريض الدءوبة التي تمارسها إسرائيل لتأليب دول المنبع ضد دولة المصب بوجه عام وضد مصر بصفة خاصة حيث ترمي إسرائيل إلي إحياء مشروعاتها القديمة في الحصول علي حصة أولية من مياه النيل تقدر بمليار متر مكعب وذلك عبر سياسة "المحاصرة" وشد الأطراف طالما أن سياسة "المحاصصة" لم تؤت ثمارها وهو أمر بات حتما بالنسبة لإسرائيل التي تستهلل كامل إيراداتها من المياه منذ عام 1985 وقد انعكست هذه التدخلات علي سياسة دول الحوض التي باتت تتخذ مواقف متشددة خلال جولات التفاوض بشأن إقرار الإطار المؤسسي للمبادرة بما لا يتسق مع تفاؤل اعتمادها الفعلي علي مياه النيل وذلك بالدخول في مزايدات سياسية لاستثمار ملف المياه لافتعال أزمات خارجية تغطي علي المشكلات السياسية والاقتصادية الداخلية.