أعطي الصحافة عمره. فهو أجدر بأن يناقش أحوالها. الصحافة والحكم. أحدث كتب محمد العزبي. كتبه السابقة تتصل بالصحافة كذلك. ولأنه أمضي أعواما في دراسة الطب فقد أجاد الكشف والتشخيص وتحديد العلاج. وربما لجأ إلي المشرط ليبتر ما فسد. فيعيد للجسد عافيته. سباحة ضد التيار هي الصفة التي يختارها محمد العزبي عنوانا لكتاباته الصحفية. قيمة هذه الصفة أنها لا تلجأ إلي الجهارة وإلصاق التهم. سماعة الطبيب تشخص المرض. والمشرط يبتر الأجزاء الفاسدة. في السطور الأولي يتحدث العزبي عن العمر الذي بذله في الجمهورية. عشق مبناها القديم. وحين انتقل إلي مبناها الجديد لم يجد لنفسه مكانا لائقا. وأزمع أن يكتب من منازلهم. وإن ظل علي توثق صلته بالجمهورية. يتلقي أخبارها عن بعد لأنها والتعبير له صورة من مصر. صعودا وهبوطا. قلقا وأملا. تنحاز للبسطاء. ولا تتغير مهما توافد عليها من رؤساء تحرير حتي لو كانوا ليسوا منا. إلي جانب "الخبطات" التي أدانت. وانتصرت لبسطاء المصريين. ثمة الرشاوي والمصاريف السرية وكتابة التقارير والمنع من الكتابة والإبعاد عن المهنة والاعتقال والسجن وغيرها من الظواهر التي شكلت ظلالا في المشهد الصحفي. يستعيد العزبي سني الاعتقال. لا يأخذ سمت المناضل الذي دفع ثمنا يهبه الحق في التفاخر والتعالي علي من جاوزهم ذلك الشرف. هو يروي بصدق وبساطة كأنه يتحدث عن شخصية أخري. ذكرني بحكايات المعتقل التي رواها لي محسن الخياط ورفعت السعيد. الاعتقال والسجن والتعذيب عقوبات يواجهها المناضل. عن طيب خاطر. ينقل عن صبري موسي قوله تعبيرا عن جماعة الصحفيين الآن أفكر في أننا خدعنا جميعا خدعة كبيرة. وإن المتصارعين من أجل السلطة قد استخدمونا لمصالحهم أسوأ استخدام. وأذكر أني كنت في حضرة نجيب محفوظ بكازينو أوبرا. عندما طالعنا نائب مأمور قسم عابدين ببدلته الميري. كانت الشرطة تؤمن طريق موكب عبدالناصر في طريقه إلي جامع الأزهر. ولاحظ الضابط صعود أعضاء الندوة إلي سطح الكازينو. سأل: من أنتم؟ قال ضابط البحرية حسين رشدي أحمد: هذه ندوة أدبية. أردف فؤاد دوارة باعتزاز: إنها ندوة الأستاذ نجيب محفوظ. وطلب نائب المأمور حضور ممثل للشرطة. ولما أخفق المخبر في نقل ما يحدث. وافق محفوظ علي تقديم ملخص لما يدور في الندوة. ثم قرر إنهاء جلساتها. ولعل تنظيم الصحافة. أو تأميمها. أخطر ما واجهته الصحافة المصرية في تاريخها. وهو كما نعلم يبدأ بظهور الوقائع المصرية. يتساءل العزبي. ولعله نقل التساؤل عن آخرين: هل هيكل هو الذي شجع عبدالناصر علي تأميم الصحافة. فماتت بعد تأميمها؟. ويشير إلي اقتراح السادات أن تتحول نقابة الصحفيين إلي ناد. ضايقه تعالي الأصوات المعارضة. فأراد أن يبدل ملامحها. الحكايات كثيرة. زخم من الحقائق والأسرار والمواقف. تضيق بها المساحة. ربما أعود إليها في مقالة مطولة.