ضرب الغلاء في السوق ومواجهة زيادة الأسعار يحتاج إلي رؤية شاملة من الحكومة علي المدي القريب والبعيد معاً يتم من خلالها التنسيق بين الوزارات والهيئات المختلفة التي يدخل في نطاقها هذا الأمر.. وفي المقدمة الري والزراعة والصناعة والاستثمار والتجارة الداخلية والتموين. كلها جهات يجب أن تتكاتف وتعمل سوياً ببرنامج ومنظومة محددة بعيداً عن سياسات الجزر المنعزلة التي تعودنا عليها ومازالت منهجاً المفروض أن نتخلص منه وفوراً لزيادة المعروض كماً ونوعاً من السلع الضرورية للمواطنين. يجب أن نزرع وننتج ما نحتاج إليه وبأيدينا.. ولا نعتمد علي سياسة الاستيراد لما يحمله هذا الأمر من مخاطر أبسطها تقلبات الأسعار في السوق العالمية بالإضافة إلي هزات نقص المعروض عن احتياجات الطلب. لا يمكن أن نكتفي وفقط بالإعلان عن تدفق السلع التي يحتاج إليها المواطن البسيط عبر المجمعات الاستهلاكية المنتشرة في أماكن كثيرة بالقاهرة والمحافظات ومن خلال السيارات المتنقلة التابعة للقوات المسلحة في الشوارع والميادين أو القول باستيراد كميات من رءوس الماشية والدواجن المجمدة لتأمين الاحتياجات أو تكثيف المعروض من السلع الغذائية والخضر والفاكهة والبقوليات بكافة منافذ وزارة التموين بأسعار أقل من السوق 25% دون أن نبحث عن كيفية تغطية هذه السلع من السوق المحلي ومضاعفة الإنتاج حتي نسد الفجوة بين العرض والطلب بشكل جذري. القيادة السياسية وعدت بخفض الأسعار وأكدت علي أهمية توفير السلع بجودة عالية وأسعار مناسبة للتخفيف عن المواطنين.. والآن واجب الحكومة أن تضع هذا التوجه نصب عينيها وأن تعمل بجد واجتهاد وبرؤية واضحة لتحقيقه علي أرض الواقع بشكل دائم ومستمر بعيداً عن المسكنات. وزير التموين مثلاً د. خالد حنفي أعلن عن توفير 100 ألف جنيه قروضاً للشباب لفتح منافذ سلعية والاتفاق علي تخفيض أسعار أكثر من 10 سلع بنسبة 15%. وأنبه إلي أننا لا نريد أن نعود إلي تجربة الستينيات التي تعتمد علي توفير السلع بأسعار مخفضة عبر المجمعات الاستهلاكية ومنافذ التوزيع التابعة للدولة فتظهر مجدداً ظاهرة الطوابير والدلالات والوسطاء التي عانينا منها وبسببها كثيراً وكانت طريقاً لظهور أباطرة تجارة السلع المدعمة وأثرياء جدد علي حساب المواطن الغلبان.. فضلاً عن استمرار نزيف الاستيراد لسلع ومنتجات يحتاج إليها السوق ولا نستطيع توفيرها من كدنا وعرقنا. جهد مشكور أن تتولي المجمعات الاستهلاكية وجهاز مشروعات القوات المسلحة توفير السلع خلال هذه المرحلة للحد من الارتفاع الجنوني في الأسعار.. ولكن يبقي الجزء الأهم في المعادلة وهو زيادة الإنتاج المحلي كماً ونوعاً علي المدي البعيد لتغطية المطالب المعيشية اليومية من لحوم ودواجن ومنتجات زراعية "خضر وفاكهة".. الخ الأمر علي هذا النحو يتطلب سياسات لتشجيع الفلاح علي الزراعة وتربية الماشية للذبح وإنتاج الألبان وايضا الاهتمام بالصناعات الريفية والدواجن وتوفير المستلزمات المطلوبة لذلك وتشجيع الاستثمار في هذه المجالات من خلال إجراءات عملية بعيداً عن الروتين والبيروقراطية. بصراحة توجيهات الرئيس عبدالفتاح السيسي بخفض الأسعار والتخفيف عن كاهل المواطنين يحتاج من أجهزة الدولة والمسئولين خطة عمل وبرنامج جاد علي أرض الواقع.. فهل تفعل الحكومة.. وهل يتفاعل معها المواطن في الحقل والمصنع؟! أتمني.