حول مشروعية إضافة شرط التوثيق الرسمي لصحة الطلاق يقول الدكتور سعد الدين هلالي أستاذ الفقه المقارن بجامعة الأزهر في كتابه "فقه المصريين في ابطال الطلاق الشفوي للمتزوجين بالوثائق الرسمية" ان الزواج والطلاق كانا يتمان بالعبارة الشفوية وفقاً لحضارة الناس ومروءتهم في الالتزام بكلمتهم وعدم التنكر لواجباتهم المتعلقة بالزواج والطلاق إلي أن عرفت الحضارة الإنسانية نظام التوثيق الرسمي الذي يقيد الواقعة في سجلات الدولة كطرف ثالث ضامن للمتعاقدين حقوقهما المتبادلة حتي لا ينفرد أحدهما باتخاذ ما يخالف الالتزام التبادلي دون الرجوع إلي الدولة كطرف أساسي ضامن لإثبات آثار العقود ذات القيمة مثل بيع العقارات والسيارات بما لا يقبل العكس إلا بحضور ممثل الدولة. وفي أوائل القرن العشرين الميلادي ظهرت أصوات وطنية مصرية تنادي بشمول نظام التوثيق الرسمي لعقدي الزواج والطلاق لأهميتهما وعدم انتقاص خطرهما المجتمعي عن خطر بيع العقارات والسيارات المشمول بخدمة التوثيق الرسمي فالحكم بالزواج أو بالطلاق يؤثر في أحكام النسب والميراث والنفقة وزوج المرأة بآخر وزواج الرجل من أخت زوجته وغير ذلك من مسائل مالية واجتماعية وتعبدية دينية. وقد ترتب علي ذلك صدور المرسوم بقانون رقم 78 لسنة 1931م والمعدل بالقانون رقم "1" لسنة 2000م بشأن إجراءات التقاضي في الأحوال الشخصية والذي ينص في مادته "99/4" قديم أو مادته "17" جديد علي انه "لا تقبل عند الإنكار الدعاوي الناشئة عن عقد الزواج في الوقائع اللاحقة علي أول أغسطس سنة 1931م ما لم يكن الزواج ثابتاً بوثيقة رسمية". وتضيف المادة "17" جديد انه "ومع ذلك تقبل دعوي التطليق أو الفسخ بحسب الأحوال دون غيرهما إذا كان الزواج ثابتاً بأية كتابة" وكان قد صدر القانون رقم "100" لسنة 1985م المعدل للقانون رقم "25" لسنة 1929م بشأن بعض أحكام الأحوال الشخصية والذي ينص في مادته الخامسة "مكرر" انه "علي المطلق أن يوثق إشهاد طلاقه لدي الموثق المختص خلال ثلاثين يوما من ايقاع الطلاق وتعتبر الزوجة عالمة بالطلاق بحضورها توثيقه فإذا لم تحضره كان علي الموثق إعلان إيقاع الطلاق لشخصها علي يد محضر.. وتترتب آثار الطلاق من تاريخ إيقاعه إلا إذا أخفاه الزوج عن الزوجة فلا تترتب آثاره من حيث الميراث والحقوق المالية الأخري إلا من تاريخ علمها به". ثم صدر القانون رقم "1" لسنة 2000م المعدل للمرسوم بقانون رقم "78" لسنة 1931م بشأن إجراءات التقاضي في مسائل الأحوال الشخصية والذي ينص في مادته "21" علي انه "لا يعتد في اثبات الطلاق عند الإنكار إلا بالإشهاد والتوثيق". ويمكن القول إنه اعتباراً من أول أغسطس سنة 1931م عرف المصريون نوعين من الزواج ونوعين من الطلاق وهما الشفوي والرسمي فيهما ولا إشكالية في الطلاق الرسمي إذا وقع علي المتزوجة رسمياً أو عرفياً أو رسمياً وإنما الاشكالية في الطلاق الشفوي إذا كان لزوجة متزوجة رسمياً هل يحتسب طلاقاً أم لا يحتسب إلا إذا وقع بصفة رسمية كصفة زواجها؟ ثلاثة اتجاهات. آراء الفقهاء المعاصرين * الاتجاه الأول: يري صحة وقوع الطلاق شفوياً للمتزوجة رسمياً مطلقاً ولو بدون أي شهود وهو الاتجاه الشائع في الخطاب الديني حتي تاريخه وما انتهت إليه دار الإفتاء المصرية ومجمع البحوث الإسلامية وأخذت به محكمة النقض المصرية سنة 1982م والمحكمة الدستورية العليا سنة 2006م في حال اثبات هذا الطلاق الشفوي في حال اثبات هذا الطلاق الشفوي بأي صورة من صور الإثبات وحجتهم. ان الألفاظ وضعت للاستدلال علي موضوعها ومن ذلك لفظ الطلاق الذي يدل علي حل رباط الزوجية وقد قال تعالي "أوفوا بالعقود" "المائدة 1". ان تعليق صحة وقوع الطلاق علي التوثيق المدني أو علي شهادة الشهود فيه إهدار لعبارة الزوج التي احتسبها الشرع في عموم قوله تعالي: "الطلاق مرتان فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان" "البقرة 229" وقوله سبحانه "فإن طلقها فلا تحل له من بعد حتي تنكح زوجاً غيره فإن طلقها فلا جناح عليهما أن يتراجعا" "البقرة 230" فهكذا كانت نسبة الزواج والطلاق للزوجين من غير تعليق علي توثيق. ان الأمر بالإشهاد في قوله تعالي "وأشهدوا ذوي عدل منكم" "الطلاق 2" جاء علي سبيل الندب أو الاستحباب كما هو مذهب الأئمة الأربعة المشهورين لأن الإنسان لا يحتاج إلي بينة عند استعمال حقه. كما انه لم يرد عن النبي صلي الله عليه وسلم ولا عن الصحابة ما يدل علي ان الاشهاد علي الطلاق شرط لصحته ويحتمل ان هذا الأمر وجوبي عند بعض المالكية والقديم عند الشافعية ورواية عند الحنابلة واستحبابي عند جمهور الفقهاء. تري المحكمة الدستورية العليا في حكمها الصادر في 15 يناير 2006م أن قصر الاعتداد في إثبات الطلاق عند الإنكار علي الاشهاد والتوثيق دون غيرهما من طرق الإثبات المقررة يخالف مبادئ الشريعة الإسلامية التي نص عليها الدستور علي الاحتكام إليها في التشريع. * الاتجاه الثاني: يري تعليق صحة وقوع الطلاق الشفوي مطلقاً علي حضور شاهدين عدلين ساعة صدوره وهو اختيار الشيخ محمد عبده "ت 1905م" ومقترح الشيخ أحمد محمد شاكر "ت 1958م" الذي سجله في كتابه "نظام الطلاق في الإسلام" مكتبة السنة بالقاهرة الطبعة الثانية 1998م كما انه اختيار الشيخ محمد أبو زهرة "ت 1974" والشيخ محمد الغزالي "ت 1996م" وهو في الأصل مذهب الشافعية في القديم والظاهرية والإمامية وروي عن علي بن أبي طالب وعمران بن حصين وعطاء بن أبي رباح وابن سيرين وابن جريج وغيرهم وحجتهم: عموم الأمر بالإشهاد علي الطلاق في قوله تعالي: "يا أيها النبي إذا طلقتم النساء فطلقوهن لعدتهن وأحصوا العدة واتقوا الله ربكم لا تخرجوهن من بيوتهن ولا يخرجن إلا أن يأتين بفاحشة مبينة وتلك حدود الله ومن يتعد حدود الله فقد ظلم نفسه لا تدري لعل الله يحدث بعد ذلك أمراً. فإذا أبلغن أجلهن فامسكوهن بمعروف أو فارقوهن بمعروف واشهدوا ذوي عدل منكم وأقيموا الشهادة لله" "الطلاق 1-2". * الاتجاه الثالث: يري عدم احتساب الطلاق الشفوي للمتزوجة رسمياً مطلقاً فليس لهذه المتزوجة بصفة الرسمية إلا الطلاق الرسمي وهو الاتجاه الشائع عند عامة المصريين مما جري عليه علمهم دون عنت الخطاب الديني كما انه اتجاه المشرع لقانون الأحوال الشخصية وإجراءات التقاضي به منذ صدور المرسوم بقانون رقم 78 لسنة 1931م والمعدل بالقانون رقم "1" لسنة 2000م بشأن إجراءات التقاضي في الأحوال الشخصية الذي نص في مادته "99/4" قديم أو مادته "17" المعدل علي أنه "لا تقبل عند الإنكار الدعاوي الناشئة عن عقد الزواج في الوقائع اللاحقة علي أول أغسطس سنة 1931م ما لم يكن الزواج ثابتاً بوثيقة رسمية" وكأن المشرع بهذا النص يضيف الطلاق إلي الزواج في صفة الرسمية لأن الطلاق يدخل ضمن الدعاوي الناشئة عن عقد الزواج وعندما وجد المشرع القانوني الخطاب الديني متجمداً بفتاويه التي تنادي باحتساب الطلاق الشفوي للمتزوجين بوثائق رسمية أصدر قانونه رقم "100" لسنة 1985م المعدل للقانون رقم "25" لسنة 1929م بشأن بعض أحكام الأحوال الشخصية ونص في مادته الخامسة "مكرر" انه "علي المطلق أن يوثق اشهاد طلاقه لدي الموثق المختص خلال ثلاثين يوماً من إيقاع الطلاق" وعندما استمرت الفتاوي المتجمدة في تشددها أصدر المشرع المصري قانونه رقم "1" لسنة 2000م بشأن إجراءات التقاضي في الأحوال الشخصية ونص في مادته "21" علي انه "لا يعتد في اثبات الطلاق عند الإنكار إلا بالإشهاد والتوثيق". وقد كان كثير من الفقهاء المعاصرين ينادي بذلك ومنهم الشيخ علي عبدالرازق "ت 1966م" والشيخ علي الخفيف "ت 1978م" والشيخ أحمد نصر الدين الغندور "ت 2004م" والدكتور أحمد عبدالرحيم السايح "ت 2011م" وهو اتجاه الشيخ جاد الحق علي جاد الحق شيخ الجامع الأزهر "ت 1996م" والذي كان قد تولي مشيخة الأزهر سنة 1982م حتي سنة وفاته. جاء في الموقع الإلكتروني : RE-understanding.blogspot.com ما نصه: "أكد الشيخ سيد العراقي المدير العام السابق لإدارة البحوث والتأليف والنشر بمجمع البحوث الإسلامية بالأزهر ان قضية الإشهاد علي الطلاق وتوثيقه كان أول من أثارها الشيخ جاد الحق علي جاد الحق شيخ الأزهر السابق. لكن اقتراحه قوبل باعتراض شديد من العلماء خاصة من الشيخ محمد خاطر مفتي الديار المصرية في ذلك الوقت "ت 2004م وكان قد تولي الإفتاء سنة 1970 1978م" رغم ان الشيخ جاد الحق رحمه الله عرض الاقتراح بطريقة جيدة وقال: ان بعض الناس يحلفون بالطلاق بصورة روتينية في كل كبيرة وصغيرة وإذا قلنا بوقوع مثل هذا الطلاق فإننا سوف نطلق الكثير من السيدات ويتم تفكيك آلاف الأسر وتشريد الأبناء وربما لا يكون الأزواج يقصدون إيقاع الطلاق وإنما يريدون الحلف فقط لتأكيد كلامهم ونحو ذلك. وأضاف الشيخ العراقي ان شيخ الأزهر السابق "الشيخ جاد الحق" طلب أن يكون الطلاق مثل الزواج لا يتم إلا بحضور شاهدين وبوثيقة رسمية واستند في كلامه إلي الكثير من الأدلة الشرعية وأوضح ان ذهاب الزوجين إلي المأذون لإيقاع الطلاق وإحضار الشهود يؤكد رغبتهما الحقيقية في إيقاع الطلاق. أما أن يحلف الزوج بالطلاق في بيع أو شراء. أو مشاجرة أو جدال فهذا ينبغي ألا نلتفت إليه. لكن إذا رغب الزوجان في إيقاع الطلاق فعليهما الذهاب إلي المأذون ولو قررا التراجع عن الطلاق قبل الوصول إلي المأذون فلهما الحق في ذلك. أشار الشيخ العراقي إلي أن علماء مجمع البحوث الإسلامية رفضوا اقتراح الشيخ جاد الحق وتمسكوا برأيهم وقالوا إن هذا الكلام يخالف الحرية الشخصية للمرأة والرجل ويخالف الاجتهاد وتم حذف هذا الاقتراح من مضبطة المجمع مؤكداً ان هذه القضية تحتاج إلي جرأة وشجاعة من العلماء لتنفيذ هذا الاقتراح وكذلك إقناع العلماء الذين يرون أن قصر وقوع الطلاق علي الإشهاد والتوثيق علي يد المأذون فيه حجر علي حرية الإنسان خاصة المرأة".