تصوروا.. حتي الآن ليس لدينا ماء.. رغم "ماؤنا وماؤهم" ورغم الرجاءات التي تكررت ورغم المحاولات المضنية عجزنا عن أن نشرب وليت "التيمم" للشراب لسففنا التراب. ولا زلنا صابرين في قرانا المنسية الصابرة. التي أضناها العطش. أقر وأشهد أن الدكتور محمد علي سلطان محافظ البحيرة لم يتردد يوماً في الاستماع إلينا والنزول إلي قرانا وأشهد أنه من أفضل وأنبل من جاؤونا في محافظة البحيرة. لكن "نهر النيل" ليس بيديه والكلام معه وهو رئيس جمهورية البحيرة والوصول إليه أسهل ألف مرة من الوصول إلي رئيس شركة مياة البحيرة. نعلم أن القري زادت عليها قري. ولكن ماذا نفعل للعطش.. ماذا نفعل والأزمة عامة.. في نديبة بقراها وعزبها. وفي دسونس وسنهور وشرنوب وزاوية غزال وافلاقة والأبعادية.. في كل قرية أزمة وإن شرب بيت عطش عشرة. ومواكب "الجراكن" علي الطرقات تتسول الماء. كل الأزمات محتملة إلا اثنتين العطش والصحة والأخيرة وبالرغم من محاولات الدكتور محمد علي سلطان وهو الطبيب فوق أن تحتمل فالناس تموت علي الطرقات وهي في الطريق إلي مستشفي المدينة. بعد أن حلت علينا منذ سنوات طويلة كارثة مستشفيات الأسرة. وتم إلغاء "التكامل" في يوم وليلة. وباتت المستشفيات مأوي للغربان والبوم. تفاءلنا خيراً ما زال يغمرنا التفاؤل بتولي الدكتور أحمد زكي بدر مقاليد التنمية المحلية فالرجل مشهود له ونعلم أنه مهموم بتلك الهموم الثقيلة التي وصلت إليه من محافظيه. وأحسب أن كل مشاكل مصر مشتركة ولكن لا يمكن أن تمضي الأمور بهذا الإيقاع الهادئ فالريف يحتاج إلي نظرة مختلفة عما كان عليه في الماضي. والمنسيون من أهلنا لا يجب أن يظلوا هكذا. والدكتور أحمد زكي بدر وبوصفه في قمة الهرم المحلي. عليه أن يحارب في جبهات عدة لأن الأمور تكاد لا تحتمل. يا دكتور بدر.. شهادة أقولها لله.. لدينا في البحيرة محافظ أحسبه من أفضل من جاؤونا وكتبت من قبل إن أجمل ما فيه أنه غير قابل للفساد. ومنذ أن جاء إلينا وهو يضرب بيد من حديد علي الفساد والمفسدين لكن الأزمة أكبر وأعمق من ذلك والرجل يواجه مشكلات تبدو أحياناً عصية علي الحل. في مقدمتها مشكلة المياه. ثم مشكلة الصحة. ويكفي في الشق الأخير أن نعلم أن المستشفي التعليمي بدمنهور والمفترض أنه واجهتها الصحية. لا توجد به سوي ثمانية أسرة للعناية المركزة للمخ والأعصاب. وربما يهرع إلي المستشفي كل ليلة العشرات يبحثون عن مكان ولا يجدون إلا القبور في انتظارهم. يا دكتور بدر.. هي أمانة حملتها علي كاهلك ومعك محافظوك.. نعلم أنها ثقيلة ولكن تلك طبيعتها.. نعلم أن الإمكانيات محدودة. ونحن مستعدون للصبر. ولكن بشرط أن ندرك لأن لهذا الصبر منتهي.. أما ألا تأتينا مياه الشرب لسنوات. فليس أقل من أن تقطعوا المياه عن بيوتكم. لنكون في الهم سواء.. ليس أقل من أن تذهبوا إلي مستشفياتنا. ساحات الردي وقلة الحيلة والبكاء علي عمر ضاع بلا فرحة يا دكتور بدر: نحن نحب البلد فأحبونا. *** ما قبل الصباح: المنسيون أيضاً لا ينسون.. إنهم الصابرون فلا تركنوا كثيراً إلي صبرهم.