سوف يكون علي الطيران العسكري الروسي في سوريا أن يركز أكثر خلال الأيام القادمة علي بعض الأهداف التي تخص تنظيم داعش حتي تهدأ الضجة الدولية التي صاحبت الضربة الجوية الأولي بعد أن اتضح أن هذه الضربة تجاهلت أهداف داعش ومواقعها واستهدفت مواقع تعتبرها الأطراف الإقليمية والدولية معارضة مشروعة ضد نظام بشار الأسد. هذه الأطراف الإقليمية "العربية" والدولية اعتبرت أن الضربة الروسية الأولي كانت رسالة واضحة للدور الذي جاءت من أجله الطائرات الروسية المقاتلة إلي سوريا.. فهي لم تأت لمحاربة داعش ولا لمحاربة الإرهاب وإنما لمحاربة الفصائل المسلحة المعارضة التي تحظي بتأييد ودعم وتدريب عربي وأمريكي. الطائرات الروسية جاءت لدعم بشار الأسد ولضمان بقائه لأطول فترة ممكنة.. وبشار الأسد ليس مهموماً بحرب داعش.. ولم تدخل الوحدات الموالية له في مواجهة مع هذا التنظيم الذي يسيطر علي مساحة شاسعة من الشمال والشمال الشرقي السوري.. وإنما تخوض الحرب ضد الفصائل المعارضة في حمص وحماة وحلب وريف دمشق.. وهي المناطق ذاتها التي استهدفتها الضربة الروسية الأولي. وقد كان من توابع هذه الضربة سقوط 60 مدنياً وتدمير بعض المنشآت المدنية رغم النفي الروسي الرسمي.. كما كان من توابعها صدور العديد من البيانات التي تهاجم روسيا وتدعوها إلي وقف عملياتها العسكرية واتهامها بالكذب.. وهو ما حمله صراحة البيان السعودي.. بينما حذرت فرنسا الرئيس بوتين من تضامن سني ضد بلاده.. وقال مصدر فرنسي مسئول إن قناعة المسئولين العرب إن الضربات الروسية ستؤدي إلي "تضامن أكبر من جميع السنة ضد المقاتلين الروس والإيرانيين وهذا سيزيد الحرب خطورة ويبعد أي حل في ظل تفاقم الصراع السني الشيعي". ولكن روسيا لن تتراجع.. بل لعل العكس هو الصحيح.. فقد تواترت الأخبار خلال اليومين الماضيين حول وصول الأسطول الروسي إلي شواطئ سوريا حاملاً المزيد من القطع البحرية المقاتلة والصواريخ لدعم قدرات القاعدة العسكرية الروسية في "الحميميم" قرب اللاذقية. وهناك أخبار أخري عن وصول آلاف من المقاتلين الإيرانيين إلي الأراضي السورية لتشكيل قوة برية ضاربة مع الميليشيات الإيرانية الموجودة من قبل وميليشيات حزب الله في إطار استراتيجية جديدة تقوم علي مساعدة نظام بشار علي استرداد الأراضي التي فقدها خلال الشهور الماضية في الشمال والشمال الشرقي.. ثم بعد ذلك تأتي مرحلة الحرب علي داعش. بالطبع.. لن تقف أمريكا وحلفاؤها مكتوفة الأيدي أمام هذه التطورات المتلاحقة.. ولقد رأينا كيف فشلت القمة بين أوباما وبوتين في نيويورك بسبب تباين موقف البلدين إزاء الوضع في سوريا.. وهناك مخاوف حقيقية من أن يؤدي الخلاف بين البلدين المعسكرين إلي إطالة أمد الأزمة السورية.. وإلي تدمير ما بقي في هذا البلد المنكوب من عمران وتهجير المزيد من أهله. هل يمكن بعد كل ما جري أن تتحقق المعجزة وينجح التدخل الروسي في الإبقاء علي بشار الأسد؟! معظم التحليلات السياسية تتفق علي استحالة هذا النجاح.. إذ لا يقبل العقل أبداً أن يستمر رئيس في منصبه بعد أن قتل أكثر من 350 ألفاً من شعبه وتسبب في تهجير الملايين.. والمصير الوحيد الذي ينتظره بعد الدعم الروسي اللامحدود إما الخروج الآمن إلي دولة تقبله مع ضمان مصالح روسيا.. أو إقامة دويلة طائفية له في منطقة اللاذقية التي تضم أكبر قاعدة روسية في الشرق الأوسط تحظي بحماية روسية كاملة. لكن.. هل المستقبل يحتمل ذلك أم يفاجئنا كالعادة بما ليس في الحسبان؟!