* لست خبيراً في الماليات. كان جدول الضرب مشكلتي الوحيدة في الدراسة. والحمد للَّه لم أحلها حتي الآن. ولا تسألني كيف حصلت علي شهادة عالية. فالبلد كلها تزوير. لكني سمعت من خبراء هذا الجدول أن قانون الخدمة المدنية الجديد سيكون في صالح الموظف المجتهد. أما الموظف البلطجي فعليه العوض. يشرب بقي نتيجة بلطجته. إذا كان القانون كذلك. وسيوفر علي الدولة فعلاً 15 مليار جنيه كل سنة. فأهلاً به. ولكن ما آليات تطبيقه. ومَن يضمن لنا أن تكون هناك عدالة في التطبيق. ومَن يضمن لنا عدم استثناء أي فئة. سواء كانوا قُضاة. أو ضُباطاً. أو وزراء. أو أي حاجة؟!.. عندما تكون هناك عدالة. فلا أحد سيعترض علي أي إجراء من شأنه الحفاظ علي أموال الدولة.. ولاحظ أن العدالة غائبة حتي الآن.. لماذا يحصل القاضي مثلاً علي بدل عدوي. أو بدل علاج الشيء الفلاني.. بينما لا يحصل عليه المدرس؟!.. لماذا يتقاضي ضابط حديث التخرج أضعاف ما يتقاضاه موظف تخرج قبله بعشرين عاماً. ويؤدي عملاً لا يقل أهمية عما يؤديه؟!.. لماذا هذه التفاوتات الرهيبة في الرواتب من وزارة إلي أخري. أو من مؤسسة إلي أخري؟!.. أعرف موظفين في الكهرباء أو البريد أو البترول أو الاتصالات يتقاضون أضعاف أضعاف ما يتقاضاه أمثالهم في التربية والتعليم. أو الثقافة أو الصحة؟!.. لابد من عدالة. بشرط الالتزام بأداء العمل علي خير وجه. يقولون إن لدينا 5.6 مليون موظف. وهو رقم مخيف ومرعب لا مثيل له في أي دولة بالعالم. رُبع هذا العدد يكفي ويزيد. وحتي هذا الربع يحتاج إلي إعادة صياغة. وتدريب وتثقيف. حتي يكون مؤمناً بقيمة العمل الذي يؤديه. ومدركاً أنه مادام يتقاضي أجراً عادلاً عن عمل مكلف به. فلابد أن يؤدي هذا العمل علي خير وجه. وينسي حكاية "علي أد فلوسهم" التي يرددها كل موظفي الدولة. المرشحون لانتخابات مجلس الشعب والباحثون عن الزعامة والنجومية يطلقون دائماً مقولات سيريالية من عينة: "إننا أعظم شعوب الدنيا".. وأنا أسألهم: بأمارة إيه؟!.. هل هناك شعب عظيم يعمل موظفوه 15 دقيقية في اليوم؟!.. هل هناك شعب عظيم يتفنن موظفوه في التزويغ من أعمالهم. أو كروتتها مثلما يفعل شعبنا. صاحب الأمجاد والتاريخ العريق؟!.. هل هناك شعب عظيم تستعين بأحد أبنائه لإصلاح سيارة. أو حتي حنفية مياه. ويتقاضي عشرة أضعاف ما يجب أن يتقاضاه. ثم تفاجأ في اليوم التالي. وأحياناً في نفس اليوم. بعودة نفس العطل من جديد؟!.. هل هناك شعب عظيم يقود سياراته وميكروباصاته وتكاتكه بهذا العنف وهذه الدموية. مثلما نقود نحن مما جعلنا نحتل المرتبة الأولي في حوادث الطرق علي مستوي الدنيا كلها؟!! نحن نضحك علي أنفسنا. نحن شعب غير منتج أساساً. نحن شعب فهلوي. ونعتبر الطلصقة في الشغل. أو التزويغ منه نَصَاحة. والغريب أننا نفاخر بذلك. فلماذا لا نواجه أنفسنا بالحقيقة المُرَّة. ونقول إننا أكثر شعوب العالم تشوهاً في أخلاقنا وضمائرنا. نعم مَن حكمونا من الفاسدين والمشوهين والمرضي. هم من أوصلونا إلي هذه الدرجة من التشوه. لكن الارتكان إلي ذلك معناه عدم رغبتنا في إصلاح أنفسنا. نكتفي بالشعور بالمظلومية. نحن فرحون بالعيش في دور الضحية. ونُصبر أنفسنا بلعن من أفسدونا وشوهونا. ملعون أبوهم مائة مرة.. طب وبعدين.. هل سنكتفي باللعنات. وكلما قلت إننا فاسدون ومشوهون يا ناس. قالول لك: منهم للَّه اللي كانوا السبب!!! لي صديق يعمل مسئولاً في وزارة الثقافة. كلما تغيب موظف لديه يومين أو ثلاثة. سأله لماذا تغيبت. يقسم صديقي باللَّه أن الإجابة تأتي دائماً واحدة "كان عندي شغل" باعتبار أن الوظيفة التي يتقاضي عنها راتبه وحوافزه وبدلاته ليست شغلاً. وأن الشغل بالنسبة له هو العمل الإضافي الذي لا ينكره أحد عليه. بشرط أن يؤدي عمله الأساسي أولاً. ولكن أن يهمل وظيفته تماماً لصالح العمل الإضافي. فهذه هي البلطجة وقلة الضمير واللصوصية.. ستقول: ولماذا لا تتحدث عن اللصوص الكبار الذين ينهبون بالملايين؟!.. وأقول لحضرتك: نتحدث.. ولكن ذلك لا يعني أن نصبح جميعاً لصوصاً. ونقول: اشمعني الكبار؟!.. وقد لخص أحد المثقفين للأسف يعني فكرة المصريين عن الوظيفة. عندما لاحظ أحدهم أنه لا يذهب إلي عمله الحكومي إطلاقاً. لانشغاله في عمل خاص. وقضائه أوقات الفراغ في النضال علي الفيس بوك. والحديث عن الشرف والنزاهة والعدالة والحرية. فسأله: كيف تدَّعي أنك مناضل ونزيه. وشريف وباحث عن العدالة والحرية. ثم تتقاضي راتباً من مؤسسة لا تذهب إليها أصلاً؟!.. فأجابه بنطاعة يُحسَد عليها: "أنت بتبص لي أنا. بُص للكبار.. وبعدين يا أخي اعتبرها إعانة بطالة!!!... فعلاً احنا شعب ما حصلش. ومش ح يحصل.. قوموا إلي الصلاة!!!!