نشأت مدينة الإسماعيلية مع افتتاح قناة السويس في 16 نوفمبر 1869م. في عهد الخديو إسماعيل الذي أخذت أسمه. وماتزال بعض أحيائها وشوارعها بطرازها الأوروبي وعلي النسق الفرنسي بشكل خاص في هندسة تصميم المدن والتخطيط العمراني تعكس إلي اليوم. ملامح من مشروعه الطموح بتحديث مصر وبدأ حفر القناة القديمة في إبريل 1859 والافتتاح في1869 أي بعد 10 سنوات. من حيث التكوين الاجتماعي أو التركيبة السكانيه. فإن الإسماعيلية تكونت من خليط شكلته ثلاث موجات أو تكتلات أو هجرات رئيسية . تدفقت في وقت واحد متزامنة مع افتتاح قناة السويس. وظهور المدينة الجديدة علي شاطيء بحيرة التمساح التي كانت بحاجة إلي سكان يصنعون مقومات الحياة اليومية. أولي هذه الموجات كانت قد جاءت مع بداية أعمال حفر قناة السويس من الجنوب والمدن في صعيد مصر. وهؤلاء الذين شاركوا في حفر القناة وسرعان ما وجدوا أنفسهم عقب انتهاء أعمال الحفر. وافتتاح قناة السويس للملاحة الدولية. أمام خيار البقاء في المدينة الجديدة منخرطين في أعمال وحرف تتطلبها حاجات الحياة والمعاش اليومي للمدينة. مفضلين ذلك علي العودة إلي منابع هجرتهم في صعيد مصر. الهجرة الثانية جاءت من شمال الدلتا وتكونت من الصيادين في المناطق التي تطل علي بحيرة المنزلة. والذين وجدوا في المجري المائي للقناة الجديدة. مورداً جديداً للرزق. فنزحوا بعائلاتهم إلي الإسماعيلية ليكونوا مجتمعاً يقوم علي صيد الأسماك والتجارة فيها.. وجاءت الهجرة الثالثة من وسط الدلتا. ومن مدينة الزقازيق تحديداً. حيث كانت منذ بداية أعمال حفر القناة المركز الرئيسي الذي يستقبل الفلاحين الراغبين بالعمل في حفر القناة. والمحطة الرئيسية التي يتجمع فيها العمال القادمون من مختلف أنحاء الصعيد. قبل أن يتوجهوا إلي منطقة الحفر. وبحكم الجغرافيا. التي جعلت الإسماعيلية أقرب مدن القناة إلي مدينة الزقازيق والقري حولها. فقد ظلت الزقازيق وإلي اليوم تشكل المصدر الرئيسي لكافة الهجرات القادمة إلي الإسماعيلية. حيث جاءت منها موجات هجرات متتالية. خصوصاً في أعقاب حروب 1948. و1956. و1973. إذ كانت الإسماعيلية - ولاتزال - المدينة الجاذبة للكثيرين من سكان محافظة الشرقية بما تتيحه من فرص العمل والوظائف. الإسماعيلية مدينة حديثة النشأة عمرها 146 عاماً. إلا أنها مدينة لها تاريخ . صنعته الجغرافيا التي فرضت علي الإسماعيلية دوراً نضالياً متميزاً في التاريخ المصري الحديث والمعاصر. وعلي الرغم من أنها كانت بحكم نشأتها وبحكم التركيبة السكانية مدينة مفتوحة . ومنفتحة إجتماعياً وثقافياً - وبالمعني الحضاري الواسع - إذ كانت نقطة تلاق بين المصريين وعديد من الجنسيات الأجنبية. حيث عاش فيها عشرات اليونانين وأصبحوا من أبنائها. إلا أنها كانت تتوجه بمشاعر العداء ضد قوات الاحتلال الإنجليزي. وكان الجندي البريطاني يمثل لأبناء الإسماعيلية "الآخر" المحتل والمعتدي والظالم. عاش الأجانب وبخاصة اليونانيون والفرنسيون والبريطانيون في الإسماعيلية كأنهم من أبنائها. وكان الكثير من المتاجر ومحلات البقالة وبعض المطاعم يمتلكها أجانب يتكلمون العربية كأنهم مصريون. ولم يكن أبناء الإسماعيلية يعاملونهم باعتبارهم أغراباً أو أجانب. بل اعتبروهم دائماً جزءاً أو بعضاً منهم. الأمر بالنسبة للإنجليز كان مختلفاً. لأنهم مثلوا دائماً رمزاً للظلم والطغيان والاحتلال الذي كانت معسكراته وثكناته تنتشر علي أطراف المدينة من جهاتها الأربع. بل وتجثم علي صدور سكان المدينة وفي قلبها. من هنا. لم يكن غريباً أن تنتفض الإسماعيلية في 8 أكتوبر 1951. تأييداً للزعيم مصطفي النحاس رئيس وزراء مصر آنذاك. عندما أعلن إلغاء معاهدة 1936 التي ربطت مصر بزواج كاثوليكي مع بريطانيا. كما أعلن إلغاء الامتيازات الأجنبية. فأنطلقت من الإسماعيلية أول إشارة للتأييد الشعبي الواسع الذي أيد قرار الزعيم المصري الكبير. إذ تحركت أول مظاهرة شعبية تأييداً للقرار. من مدرسة الإسماعيلية الثانوية في اليوم التالي التاسع من أكتوبر 1951 تضم طلابها وطلاب عدد من المدارس الإعدادية المحيطة بها في أحد الأحياء العربية بالمدينة. وهو حي "عرايشية مصر". والتقي بالمظاهرة جموع من العمال والموظفين عند ميدان السكة الحديد الآن ميدان عرابي حيث وقعت مصادمات بين قوات الاحتلال الإنجليزي والمتظاهرين. وسقط فيها عدد من الضحايا وأسفرت عن أصابات لحقت ببعض أبناء المدينة وطلابها. لم تسكت المدينة. بل نظمت مظاهرة أخري في السادس عشر من أكتوبر 1951. وفي ميدان السكة الحديد وقعت مصادمات واسعة عندما تصدي العساكر الإنجليز للمظاهرة. واتسعت الاحتجاجات التي أتجهت صوب ثكنة "النافي" أحد مراكز قيادة الجنود الإنجليز في المنطقة. وراح المتظاهرون يرفعون العلم المصري فوقها. وواجهها الإنجليز بالبنادق والرصاص. حيث قتلوا عدداً من الطلاب والمواطنين الذين شاركوا في المظاهرة. ولجأ الإنجليز إلي تقسيم المدينة. خوفا من اتساع المظاهرات وانضمام أبناء الأحياء العربية. وفرضوا طوقاً أمنياً حول حي المحطة الجديدة. حيث صنعوا عازلاً في شارع الثلاثيني "الجمهورية الآن" بين الحي العربي. وحي الافرنجي الذي وقعت به المصادمات منعاً لاتساع المظاهرات. الكفاح المسلح 16 أكتوبر 1951 هو اليوم الذي انطلقت فيه حركة الكفاح المسلح ضد الاحتلال الإنجليزي. بعد أن تأكد للجميع أن طريق المفاوضات وانتهاج السبل السلمية في الحوار مع البريطانيين من أجل الاستقلال "ما استطعنا إلي ذلك سبيلاً" حسب التعبير الذي أطلقه الزعيم سعد زغلول واستمر إلي ذلك الوقت.. لم يعد مجدياً ومنذ ذلك اليوم. تدفقت علي الإسماعيلية وبقية مدن القناة. كتائب الكفاح المسلح التي ضمت فدائيي من كافة الأطياف السياسية في مصر. وشهدت مدن وقري كالمحسمة وأبو صوير والقصاصين والتل الكبير معارك "استنزاف" لقوي الاحتلال البريطاني ومعسكراته. وساهم أبناء الإسماعيلية في هذه المعارك. وقدموا أمثلة عديدة لقدرتهم علي التضحية والاستبسال في سبيل حرية مصر واستقلالها. ويزخر سجل التاريخ الوطني لأبناء الإسماعيلية بمعارك الشرف والكرامة. ولعل من أبرز الكتب التي سجلتها كتاب المؤرخ المصري الراحل عبد الرحمن الرافعي مقدمات ثورة 23 يوليو وأيام الإسماعيلية الوطنية والتاريخية عديدة. وإذ كان 16 أكتوبر 1951 بداية لحركة الكفاح المسلح ضد الاحتلال الإنجليزي. فإن يوم 25 يناير 1952 كان ذروة ما وصل إليه هذا الكفاح. حيث قامت معركة غير متكافئة بين قوات الاحتلال الإنجليزي وقوات الشرطة في مبني محافظة الإسماعيلية. عندما طلبت قوات الاحتلال من رجال الشرطة إلقاء بنادقهم وتسليم مبني المحافظة. ورفض رجال الشرطة الإذعان للمطلب الإنجليزي وأيدهم في موقفهم وزير الداخلية في ذلك الوقت فؤاد سراج الدين واستمر حصار القوات البريطانية لمبني المحافظة يوماً كاملاً. حيث أصر الجنود المصريون ببنادقهم القديمة علي أن يدافعوا عن المبني. ورفضوا تسليمه. وأسفر القتال غير المتكافيء عن سقوط عدد كبير من شهداء رجال الشرطة.