حين اختلف كل من خالد محيي الدين ويوسف صديق مع قيادات ثورة 23 يوليو. أصدر مجلس قيادة الثورة قراراً بسفره إلي سويسرا.. عاد خالد محيي الدين في ظروف مغايرة. وأخذ موقعه في اليسار المعارض. وتولي رئاسة تحرير "المساء" منذ بدايتها. لكنه ما لبث أن ترك الجريدة. هو وغالبية المحررين. نتيجة لاختلافها في النظر إلي هزيمة ثورة الشواف بالعراق. وواصل خالد حياته نجماً لامعاً في حياتنا السياسية. وانتخب أكثر من مرة عضواً بمجلس الأمة. ثم مجلس الشعب. عن دائرة كفر شكر. أذكر أني سألته عن ذكريات النفي السويسري. قال في بساطة: كان لمراجعة النفس. وإعادة تقييم الأمور.. والقراءة! استطرد بعد صمت: القراءة مهمة للغاية. يوسف صديق رفض البقاء في سويسرا. عاد دون أن يبلغ أحداً. فتحددت إقامته. ثم دفعته الديمقراطية التي أصر علي تطبيقها. إلي السجن.. ورغم تمكن المرض من صدره. فإنه ظل علي متابعته المخلصة لتطورات الأحداث.. وكم سعدت حين رأيته في الصف الأول بالمركز الثقافي السوفييتي بالإسكندرية أثناء مناقشة كتابي "مصر في قصص كتابها المعاصرين". ظلت سويسرا في حياة المصريين أشبه باللغز. فرغم حيادها المعلن. والديمقراطية التي ينعم بها مواطنوها. فإن سرية حسابات مصارفها. جعلتها ملاذاً مهماً لتهريب الأموال. وبخاصة من حكام العالم الثالث الذين صرفهم تكوين الثروات عن تنمية شعوبهم. وعندما أعلن حسني مبارك أنه لا يملك دولاراً واحداً خارج مصر. فقد كان مطمئناً بالقطع إلي سرية الحسابات السويسرية. لكن رئيسة سويسرا خذلته بكشف الأموال المودعة باسمه في مصارف سويسرا. وهو ما فعلته بالنسبة للرئيس التونسي السابق زين العابدين بن علي.. زادت الرئيسة السويسرية فطالبت الحكومتين المصرية والتونسية أن تسرعا بتقديم البيانات اللازمة لمساعدة القضاء السويسري كي يصدر حكماً بأحقية الشعبين التونسي والمصري في استعادة أموالهما المنهوبة. تظل سويسرا دولة لغزاً بحرصها علي الحياد والديمقراطية والعدالة الاجتماعية بين مواطنيها. وسرية حسابات مصارفها. وهو ما أفاد منه للأسف حكام تصوروا في ذلك البلد الأوروبي البالغ الجمال مكاناً مخفياً ثروات شعوبهم.. فإن أزيح السر. واجهت الثورات عقبات قانونية تطيل أمد التقاضي. حتي يهمل أصحاب الدعاوي كما حدث في العشرات من قضايا الوقف الأهلي في بلادنا: تراكمت الدوسيهات والملفات وحقوق الإثبات. وتبينت المحاكم عبثية القضايا. فأرجأت نظرها إلي آجال غير مسماة. أو شطبتها. ظني أنه علي الحكومة المصرية أن تخوض الماراثون إلي نهايته. والتحسب للمفاجآت التي ربما تبين في ثنايا قوانين المصارف السويسرية.