أولي الحقائق التي يتناولها السحار في السيرة النبوية. فهي أن آدم أبا البشر كان علي علم "وعلم آدم الأسماء كلها". وقد انتقل هذا العلم من آدم إلي بنيه. فضلاً عن أن الصلة بين آدم وربه لم تنقطع بهبوط آدم إلي الأرض "فتلقي آدم من ربه كلمات فتاب عليه". لكن توالي الأعوام. فالحقب. غير النفوس والعقول. فأشرك أبناء آدم بالله غيره. ونسجوا الأساطير حول الحقائق المؤكدة. وقضت الإرادة الإلهية إدارة الرحمة والعدل ألا يعذب الناس حتي يبعث فيهم نذيراً ومبشراً. وقام إدريس في منف يدعو الناس إلي عبادة الله الذي له ما في السموات والأرض. وشملت أحاديثه الموت والبعث والحساب والميزان والجنة والنار. وآمن المصريون بالله. وبأن إدريس هو عبدالله ورسوله "واذكر في الكتاب إدريس. إنه كان صديقاً نبياً". وعرف المصريون الله قبل أن يعرفوا العقائد الأخري. مثل آمون وأوزوريس وآتون.. وبالنسبة لأوزوريس تحديداً. فقد ربط الكاتب بين عقيدته وبين النبي إدريس. فكلاهما كان في منف. وتذهب كتب التاريخ إلي أن إدريس هو أول من علم الناس الزراعة. وإن أوزوريس هو أول من علم الناس الزراعة. وتؤكد كتب التاريخ أيضاً أن إدريس هو أول من خط بالقلم. وأن المصريين تعلموا الكتابة علي يدي أوزوريس. أن الله رفع إدريس مكاناً عالياً. في حين أن الأسطورة رفعت أوزوريس إلي السماء. وعموماً فقد آمن المصريون بعد دعوة إدريس بالبعث بعد الموت. وبالحساب والثواب والعقاب.. ثم يعرض الكاتب لأول خلاف بين ما جاء في القرآن وما جاء في التوراة. وهو نسب ابراهيم واسم أبيه. فاسم أبي ابراهيم في القرآن هو آزر. واسمه في التوراة تارح. وقد أخذ الكاتب بما جاء في القرآن. ذلك لأنه الكاتب يؤمن بما يؤمن به اليهود السامريون من صحة الإصحاحات التي نزلت علي موسي. أما ما جاء بعد موسي. فهو لا يعدو محاولات من اليهود لكتابة تاريخهم. كان أول خلاف بين ما جاء في القرآن. وما جاء في التوراة في رأي الكاتب نسب ابراهيم واسم أبيه. فقد جاء في القرآن "وإذ قال ابراهيم لأبيه آزر..". وجاء في التوراة أن ابرهيم بن تارح. وحاول كثير من المفسرين المسلمين أن يقضوا علي ذلك التناقض. فقالوا إن آزر بمعني أعرج. أو أنه اسم صنم. لكن السحار أخذ بما جاء في القرآن دون تلك المحاولات التي بذلت بحسن نية لإيمانه بما يؤمن به اليهود السامريون من صحة الاصحاحات التي نزلت علي موسي. أما ماجاء بعد موسي فهو من قبيل تسجيل اليهود لتاريخهم. يشير إلي ما جاء في القرآن الكريم "إذ قالوا ما أنزل الله علي بشر من شيء. قل من أنزل الكتاب الذي جاء به موسي نوراً وهدي للناس تجعلونه قراطيس تبدونها وتخفون كثيراً وعلمتم ما لم تعلموا أنتم ولا آباؤكم. قل الله. ثم ذرهم في خوضهم يلعبون". كذلك فقد اختلف اليهود والمسلمون في قرابة سارة من ابراهيم. قال اليهود إنها أخت غير شقيقة لإبراهيم من أبيه تارح. بينما أكد "المشنا" أهم المراجع الإسرائيلية بعد التوراة أن سارة هي بنت أخته هاران. وذهب الحافظ ابن كثير إلي أنها ابنة عم لإبراهيم يسمي هاران. وهو ما ذهب إليه ابن اسحاق الثعالبي صاحب "قصص الأنبياء". وقد أخذ الكاتب برواية المفسرين العرب. لأن عادة تزوج الأخت لم تكن منتشرة عند العرب. الذين خرجوا من الجزيرة العربية. وأسسوا مملكة بابل وأشور. واستوطنوا سورية ودلتا النيل. وقد أطلق أحد المؤرخين في القرن الثامن عشر اسم الساميين علي هؤلاء العرب. لأنهم من نسل سام. وهي التسمية التي اعتمدها الجميع. وفي كتاب الأستاذ العقاد عن أبي الأنبياء الخليل ابراهيم تحدث عن أوجه الخلاف بين ما ورد في التوراة. وماجاء في كتب اليهود. علي سبيل المثال. فإنه لا القرآن الكريم. ولا الكتاب المقدس ذكر أن ابراهيم استولي علي دمشق. وإن ورد اسم أليعازر الدمشقي في التوراة. وكان صاحب خزائن بيت ابراهيم. دلالة علي أن هناك علاقة بين ابراهيم الخليل ودمشق. واعتمد الكاتب علي رواية المؤرخ اليهودي يوسيفوس الذي ولد في القرن الأول للميلاد. بأن ابراهيم كان ملكاً علي دمشق. واعتمد كذلك علي يوسيفوس في قوله إن سارة أخذت أسيرة إلي مصر. وأهمل ما ورد في التوراة عن المجاعة التي حدثت في الأرض "فانحدر ابرام إلي مصر. وقال لسارة امرأته وهي علي مقربة من مصر: إن علمت أنك امرأة حسنة المظهر. فإذا رآك المصريون قالوا: هذه امرأة فيقتلونني ويستبقونك. قولي إنك أختي ليكون لك خير بسببك وتحيا نفسي من أجلك.. فلما دخل ابرام مصر رأي المصريون أن المرأة حسنة جداً. ومدحها رؤساء فرعون لديه. فأخذت المرأة إلي بيت فرعون. فصنع إلي ابرام خيراً بسببها. وصار له بقر وغنم وحمير وعبيد وإماء وأتن وجمال. أهمل الكاتب هذه الرواية لأنها لا تتفق مع خلق ابراهيم خليل الرحمن. وهو الذي وقف في وجه الجبارين والطغاة. وحين ألقي في النار ظل ثابت الجنان. كيف يرضي مثل هذا الرجل القوي الذي يعرف أن الله معه والسؤال للسحار أن يبرز مفاتن زوجته. ويدخلها علي فرعون لينال خيراً بسببها؟! للكلام بقية