ولدت دولة جنوب السودان من رحم السودان الموحد الذي كان قد استقل عن مصر في أوائل الخمسينيات بعد جلاء القوات الانجليزية عنه. ورغم الاحتفالات والفرحة التي شاركت فيها مصر. فإن انفصال أي جزء من أي دولة عربية أو إسلامية يعتبر في رأيي كارثة. فالدول تقوي بوحدتها لا بتفككها. والمثل العربي يقول: إنما يأكل الذئب من الغنم القاصية. وانفصال جنوب السودان عن شماله إنما جاء نتيجة لسياسات خاطئة ارتكبها حكام الشمال منذ الخمسينيات.. فقد أهملوا هذا الجزء المهم ذا الموقع الاستراتيجي واعتبروه كماً مهملاً حتي ان سكان الجنوب عاشوا وكأنهم يتسولون الحياة.. فقر في كل شيء.. في التعليم.. في الصحة.. في الغذاء والملبس.. في العيشة الآدمية.. ولذلك كانت هذه النهاية المحتومة. نحمد الله أن مصر أدركت هذا الواقع وأن انفصال الجنوب لا رجعة فيه فوجهت اهتماماً خاصاً في الفترة الأخيرة به.. وبدأت تتواجد بقوة لاثبات حُسن النية والعزم علي التعاون مع هذا البلد الوليد علي أساس المصالح المشتركة.. وبدأت في تقديم المساعدات المادية والفنية للأخذ بيد هذه الدولة الفتية. درس جنوب السودان يجب أن تعيه كل الدول العربية والإسلامية حتي لا يتكرر هنا أو هناك.. يجب ألا يتعالي سكان الحواضر المتقدمة علي سكان المناطق الفقيرة.. وأن تأخذ الدولة بيد الفئات المهمشة في أي بقعة من بقاعها فهذه هي العدالة.. وإلا فالتجاهل والتعالي والإهمال عواقبها وخيمة. وأول من يجب أن يتنبه هو السودان نفسه.. فهناك دارفور. ومناطق أخري تلعب فيها أيد خارجية.. والخوف أن يلحق بعضها بالجنوب وتتلاشي دولة السودان نفسها. مصر في حاجة إلي إعادة رسم سياساتها في أفريقيا.. وفي حاجة للدخول بقوة إلي كل دول القارة وبالأخص في دول حوض النيل.. ويجب أن نأخذ هذا الموضوع بكل الجدية.. فلا مجال الآن للهزل أو التغافل. فهناك من يتربص بمصر داخلياً وخارجياً. ومهما عقدت الاتفاقيات وأبرمت المعاهدات فسوف يبقي العدو عدواً وأطماعه ليست خافية.. وهذا العدو يركز الآن علي افريقيا للسيطرة وعزل مصر. وإذا كان التاريخ سيدمغ نظام الرئيس السابق حسني مبارك للجريمة التي ارتكبها في حق مصر بتجاهله لأفريقيا.. فإن التاريخ سوف يكون أقسي مع جيل ثورة 25 يناير إذا لم يتنبه لمخاطر ما تدبره لنا إسرائيل.