كانت الانتخابات البرلمانية التركية. التي جرت أمس الأول. بمثابة استفتاء علي تزايد واستفحال سلطات الرئيس التركي رجب طيب اردوغان. حيث كان يسعي لإعادة صياغة الدستور لتعزيز سلطاته الرئاسية. بعد أن يفوز حزب العدالة والتنمية الذي يرأسه بالأغلبية. لكن أحلام وطموحات أردوغان تبخرت. وكما يقولون. تأتي الرياح بما لا تشتهي السفن. فقد ذهبت أحلام وطموحات أردوغان أدراج الرياح. ولقي حزبه هزيمة كبيرة بعد أن فقد الأغلبية التي كان يتمتع بها في البرلمان التركي قبل اجراء الانتخابات. وفي ظل هذا الوضع الجديد سيصبح من الصعب إن لم يكن من المستحيل علي أردوغان أن يحقق ما كان يطمح إليه من تكريس لسلطاته والاستبداد بالحكم وتغيير النظام من برلماني إلي نظام رئاسي. ودون الدخول في الأرقام والمقاعد التي حصلت عليها الأحزاب التركية. فقد جاءت النتيجة لتنزع عن أردوغان أحلام السلاطين وتجرده من جنون العظمة الذي كان يسيطر عليه ويذهب به إلي حد السعي للانفراد بالحكم وليصبح الرجل الأوحد. حيث كان يريد إحكام قبضته علي البلاد دون منازع. لم تأت أحلام وطموحات اردوغان للانفراد بالسلطة من فراغ. فقد ظل الرجل يشغل منصب رئيس الوزراء لثلاث دورات متتالية وهو حالياً رئيس للدولة. وبالتالي احتل الواجهة والمركز من الانتخابات البرلمانية. وجاءت خسارة حزبه الأغلبية البرلمانية بمثابة هزيمة ساحقة له وسقوط ذريع لأحلامه..و بهذه النتيجة سيصبح مصير البلاد في أيدي حكومة ائتلافية. وستبدأ سلطات اردوغان في التآكل. والأرجح أن تباطؤ دوران عجلة الاقتصاد والجور علي الحقوق المدنية وتعثر عملية السلام مع الأكراد وتزايد المخاوف من استئثار اردوغان بمزيد من الصلاحيات. التي قد تحوله إلي ديكتاتور. كانت من أسباب الهزيمة التي مني بها هو شخصياً. قبل أن يمني بها حزبه. كان اردوغان يمتلك سلطة الأمر الواقع. مدفوعاً بما كان يبدو عليه من قوة الشخصية. لكن شخصيته لم تكفل له الاحتفاظ بسلطاته لوقت أطول. ومعني ذلك. حسبما يقول المراقبون. أن البلاد ستقع فريسة لصراع علي السلطة بينه وبين البرلمان ورئيس الوزراء. ولعل ما أدلي به من تصريحات. بعد ظهور نتيجة الانتخابات البرلمانية. يجسد هذه الحقيقة. فقد ذكر أن البلاد تدخل الآن مرحلة غير مطمئنة تحت حكومة ائتلافية. وحسبما ذكرت "الجارديان" فإن هذا التصريح يأتي بعد 13 عاماً من الأغلبية الصلدة التي تمتع بها حزب العدالة والتنمية برئاسة اردوغان. ووصفت النتيجة بأنها صفعة قوية من الناخبين لحكمه الديكتاتوري المتسلط. وقال اردوعان أيضاً إن "رأي الشعب فوق كل شيء". لكن هذه اللهجة التصالحية تأتي مغايرة تماماً للهجته أثناء الحملة الانتخابية وقبلها. حيث كانت لهجته استقطابية وتثير الانقسام. ووجه اتهاماته يميناً ويساراً لتطال المعارضين والناشطين السياسيين والإعلاميين وغير المسلمين والأقليات في تركيا. ووصف حزب الشعب الجمهوري. أكبر أحزاب المعارضة بأنه حزب الكفرة والشواذ. ولم يعلق بكلمة واحدة علي الهجمات التي تعرض لها الحزب ومرشحوه خلال الحملة الانتخابية. والحقيقة أنه ستجري مفاوضات لتشكيل ائتلاف حاكم خلال الفترة المقبلة. بعد أن أحبط الناخبون خطط الرئيس لتغيير الدستور وتحويل البلاد من النظام البرلماني للنظام الرئاسي. وبعد أن تقلص حجم ونفوذ اردوغان علي المستويين الداخلي والخارجي. وليس واضحاً ما هو الحزب الذي سيدخل في تحالف مع حزب العدالة والتنمية. بعد أن استبعد حزب الحركة القومية اليميني إمكان التحالف مع العدالة والتنمية لتشكيل الحكومة. حسبما ذكرت وكالة أنباء الأناضول الرسمية. وقال رئيس الحزب ديفليت باهسيلي إن حزبه مستعد ليكون أحد أحزاب المعارضة الرئيسية لتحالف يقوده حزب العدالة والتنمية. وأكد أنه لا يمكن لأحد جر تركيا لاحتوائها داخل أقلية حزب العدالة والتنمية وبعض الدوائر الأخري. وأن إجراء انتخابات مبكرة يمكن أن يحدث في أي وقت. من هنا يتضح أن تركيا ربما تكون مقبلة علي مرحلة من الصراع الداخلي والنزاع علي السلطة. في ظل حكومة ائتلافية قابلة للانهيار في أية لحظة إذا انسحب الحزب الذي سيتحالف مع حزب اردوغان من الحكومة في حالة تشكيلها. أما لو تعثرت مفاوضات تشكيل الائتلاف الحكومي فلا أحد يعرف ما ستنتهي إليه الأمور. وتبقي هناك عدة قضايا عالقة بانتظار الحكومة الائتلافية المنتظر تشكيلها ويأتي في مقدمتها وضع الأكراد بعد دخولهم البرلمان. ممثلين في حزب الشعب الديمقراطي. حيث حصلوا علي 10% من أصوات الناخبين. وكذلك موقف تركيا من الانضمام للاتحاد الأوروبي. ومدي ما يمكن أن يتحقق من استقرار داخلي أو عدمه. في ظل حكم الائتلاف المنتظر. وأيضاً تحسين الأوضاع الاقتصادية. وفي النهاية يظل وضع قيادات الإخوان المسلمين الفارين من مصر موضع تساؤل بعد الهزة الكبيرة التي تعرض لها نصيرهم اردوغان وحزبهم. وبعد أن قويت شوكة الأحزاب العلمانية علي الساحة السياسية في تركيا.