كنت أتعجب عندما أري ذوي الاحتياجات الخاصة يعيشون حياتهم بشكل طبيعي وبتفاؤل وأمل في المستقبل ربما أكثر من الأسوياء وزادت حيرتي في الاحتفالية الكبري التي قام بها نادي حدائق الأهرام وضمت أكبر تجمع ممكن أن تراه من أصحاب الاعاقات المختلفة علي مستوي الجمهورية كلها فوقفت مذهولة أمام مصابي الحرب وهم يلعبون الكورة علي كراسيهم المتحركة بمنتهي النشاط والبهجة وجدت الأطفال المنغولين في كامل أناقتهم والفرحة تكاد تقفز من وجوههم يشاركهم فيها ذووهم. وجدت أفواج مدارس التنمية الفكرية يستمتعون بكل دقيقة فكانت الابتسامة الصادقة علي كل الوجوه في يوم شديد الحرارة لا يشعر أحدهم أنه أقل من الآخر ولا مختلف عن غيره. أخذت أتساءل عن السر هل هو عدل الله الذي يقتضي إذا حرم إنسان من نعمة عوضه عنها بنعم كثيرة أم هي الإرادة تولد بشكل تلقائي مع المحن الشديدة أم هي رغبة اثبات الوجود لمن ينظر لهم بدونية. قرأت كثيراً عن نماذج حولوا ظروفهم الخاصة الي مفجرات لطاقتهم ليس فقط ليثبتوا للآخرين أنهم يستحقون الحياة ولكن ليثبتوا لأنفسهم أنهم مميزون لأنهم يملكون مالا يقدر عليه غيرهم فوجدت من أبهر العالم كله بتحديه لاعاقته ولكن القراءة شيء ومعايشة الواقع شيء آخر.. ففي اليوم العالمي للتأمل قابلت رموزاً حقيقية لهذا التحدي منهم شاب في الخامسة والعشرين فقد قدرته علي الحركة وأصيب بشلل رباعي في حادث أليم في نفس يوم تخرجه في كلية الشرطة فتحول كل ما فيه من طاقات وأحلام وكل ما تعلمه من رياضات داخل وخارج الكلية الي سكون مميت وأصبح يرقد مثل جثة هامدة ولم يعد يجد من يعطيه الأمل حتي كاد يشعر أنه مات حياً هنا دبت فيه قوة الإرادة وبدأ التحدي باختيار ممارسة نوعين من الرياضة لم يقترب منهما معاق من قبل وهما الغوص والفروسية فوضع مقاييس تناسب حالته للأدوات والملابس المستخدمة وأشرف بنفسه علي تصنيعها ثم أبهر الجميع بما حققه من نجاحات ليستعيد حبه للحياة وتتحول نظرات الشفقة له إلي اعجاب وتقدير. النموذج الثاني كان لشاب فقد بصره وهو في العشرين لتتحول حياته فجأة الي ظلام وظل فترة غير قابل علي تحمل هذا الظلام حتي كاد اليأس يقتله ومن شدة اليأس تولد بداخله الأمل فخرج للحياة من جديد وكون أصدقاء وانخرط في العمل الذي يناسبه ولم ينس حقه في الرفاهية فكان يخرج في رحلات صعبة يحرص علي ممارسة رياضة صعود قمم الجبال الكبري مستعيناً بالنور الذي لم ينطفئ بداخله. وشاب ثالث فقد ذراعيه في حادث صعق كهرباء استبدلهما بساقيه ليقوم بهما بكل وأدق المهام حتي لا يصبح عالة علي أحد حتي لو أقرب الناس له هنا عرفت أن السر ليس فقط في الإرادة ولكن في كيفية استخدامها وتوجيهها فكثير منا لديه إرادة التغيير للأفضل ولكن لا يعرف كيف يستغلها علي أرض الواقع ليستفيد منها.