رائعة فيردي "تريفاتوري" التي يتم عرضها حالياً علي المسرح الكبير من الأحداث الفنية الهامة التي تحسب لدار الأوبرا ليس لأنها عمل ذو قيمة فنية ولا لأنه من عيون التراث العالمي ولكن لأن فرقتنا القومية بهذا العرض أضافت لرصيدها الفني عرضاً قائماً معظمه علي أكتاف الكوادر المصرية.. أوبرا تريفاتوري من الأوبرات الخالدة وعرضت لأول مرة عام 1853 علي مسرح أبوللو في روما وقد سبق تقديمها علي خشبة مسرح دار الأوبرا المصرية عام 1988 ضمن مجموعة من العروض البلغارية ولكن هي المرة الأولي التي تقدمها فرقتنا القومية من خلال هذا الانتاج المتميز.. وقصة الأوبرا مأساوية وتقدم من خلال أربعة فصول وتضم الكثير من المشاعر الرومانسية رغم ان المحور الرئيسي في الأحداث يعتمد علي فكرة الحب والانتقام. العرض المصري تم تقديمه بمصاحبة أوركسترا أوبرا القاهرة بقيادة المايسترو الإيطالي ديفيد كريشنزي الذي كان متميزاً في القيادة واستطاع أن يقدم لنا تفسيراً واعياً لفكر فيردي الموسيقي وحرفيته حيث قدم كل خصائص العمل ومميزاته بدقة بداية من الافتتاحية الموسيقية التمهيدية التي تبدأ بدوران ناعم من الطبول ينبيء بالحرب ثم يقابلها لحن رومانسي ناعم من آلات الكورنو يعطي ملمحاً عن الرومانسية التي تتضمنها القصة ورغم انه أحياناً كان صوت الأوركسترا يعلو عن صوت المغنيين علي المسرح ولكن نجده استطاع أن يسيطر علي العازفين في الحفرة وعلي المغنيين فوق خشبة المسرح حيث نجد في هذه الأوبرا أنواعاً مختلفة من الغناء حيث هناك الغناء الفردي والثنائي والثلاثي كما ان هناك دواً بارزاً للكورال الذي يغني من داخل المسرح وخارجه وقد كان مشاهده من أجمل أجزاء العمل ويعود الفضل الأكبر فيه بدون شك لقائده ألدو مانياتو الذي قام بتدريبه كما كان فرصة جيدة للمخرج الشاب هشام الطلي ليستثمر مشاهد الكورال بأسلوب يعطي ثراءً للمسرح من حيث العدد أو الحركة السياحية الجماعية التي تجلت واضحة ف مشهد الغجر الذين يغنون بالمطارق أغنية "أنظر كيف يختفي السحاب" في بداية الفصل الثاني وأيضا في مشهد الراهبات في ختام نفس الفصل بالإضافة لغنائهم في المشهد الافتتاحي "ساعدنا لكي تنام عيوننا". وكعادة دار الأوبرا المصرية يتم تقديم العمل من خلال طاقمين للأدوار الرئيسية وقد لعبت دور ليونورا السبرانو الدرامي إيمان مصطفي والتي تعد نجمة الأوبرا الوحيدة التي تملك رصيداً فنياً كبيراً من الأدوار الطويلة والصعبة ولهذا يعد هذا العمل إضافة لريبرتوارها وقد قدمته بمهارة واتقان واقناع. وهذا أيضا كان واضحاًً مع المغنية الصربية الزائرة التي لعبت الدور بالتبادل معها وتمتاز بصوت براق وكان أداؤها جيد جداً خاصة في مشاهد الفصل الرابع.. أما دور مانريكو فقد أداه التينور الإيطالي الزائر أنطونيو كوريانو والذي سبق أن تعرفنا عليه في أوبرا توسكا وهو من الأصوات الجيدة ولكن من الأمور الإيجابية اسناد هذ الدور للنجم المصري الواعد رجاء الدين أحمد مما يعني مولد نجم جديد في طبقة التينور التي تعد نادرة عندنا وكان أداؤه جيدا ويعد من الأصوات التي اكتشفها المايسترو نادر عباسي ولكن لم تتح رؤيته لنا في مصر إلا من خلال ريستالات غنائية وقد أدي الجانب الغنائي بتفوق. ومن الأدوار الهامة دور الساحرة زوتشينا والتي تعد البطلة الثانية في العمل وشخصيتها الدرامية المركبة ثرية وقد تفوقت تماماً في أدائه كل من الميتزو سبرانو هالة الشابوري وجولي فيظي سواء في الأداء التمثيلي أو الغنائي أما نجوم العمل الهامين والذين تفوقوا تماماً واتضحت خبرتهم كان الباص رضا الوكيل الذي أدي دور فرينادو "تابع الكونت وراوي الأحداث" ونظيره الأجنبي فرانو لوف والباريتون مصطفي محمد الذي لعب دور الكونت دي لونا حيث تألق كل منهم في التمثيل واستيعاب الشخصية والأغاني الفردية وهناك شخصية أثارت انتباهي رغم قصر دورها هو التينور مصطفي مدحت الذي لعب دور رويز أحد الفرسان المنضمين لإنريكو حيث انه صوت جميل وواضح ولديه فهم لشخصية الفارس المتحمس التي قام بها ويمتلك حضوراً مسرحياً وحركة ولهذا أتمني أن يلقي رعاية من الفرقة.. مخرج العرض هشام الطلي الذي تعد هذه التجربة الأولي له في اخراج الأوبرات الطويلة تفوق كما سبق أن ذكرت في تحريك الكورال واستثماره علي المسرح ولكن جاءت الحركة المسرحية الفردية أقل من المستوي المطلوب وتشابهت في مشاهد كثيرة مع حفلات الريستال التي تقدم من خلال رؤية اخراجية حيث يقف المغني في مواجهة الجمهور يؤدي أغنيته كما ان هناك بعض المواقف الدرامية افتقدت للتمثيل منها مشهد انتريكو وأمه في الفصل الثاني حيث شك من كلامها انها ليست أمه ولم يتحرك من مكانه وخاطبها من بعيد كأنه بمفرده علي المسرح.. هذا لا يمنع انها بداية جيدة واجتهاد من المخرج الشاب. الأوبرا ديكور محمد عبدالرازق وإضاءة ياسر شعلان جاءت تقليدية ولكنها حملت شيئاً من الابهار والرمزية.