عاش عشاق فن الأوبرا حوالي ساعتين ونصف مع نجوم المتروبوليتان وفي جو هذا المسرح العالمي من خلال شاشة سينمائية علي المسرح الصغير وذلك في افتتاح الموسم الثالث للبث الحصري لعروض المتروبوليتان والتي بدأت بعرض الأوبرا الشهيرة "أكسير الحب" للمؤلف جيتانو دونيزتي "1797-1848" الذي هو أحد العظماء الثلاثة إلي جانب بلليني وروسيتي من المؤلفين الايطاليين الذين ارتبطت أسماؤهم بأسلوب الغناء الجميل "بل كانتو" والذي ظهر في النصف الثاني من القرن التاسع عشر ويتسم بتكوين العمل من فقرات غنائية براقة منفصلة يتم خلالها استعراض للقدرات الصوتية الفائقة للمغني أو المغنية..وأكسير الحب ليست غريبة علي الجمهور المصري فهي من الرصيد الفني لفرقة أوبرا القاهرة وهي مينو دراما غنائية من فصلين كتب نصها الايطالي "ليبرتو" فليتشي روماني عن قصة "الفيلتر" للكاتبة أوجيني سكرايب وتعد من أشهر الأوبرات الايطالية وأكثر أعمال دونيزتي عرضا حيث مزج فيها بين الكوميديا والاسلوب الغنائي الاستعراضي من خلال حكاية درامية تدور بين "أدينا" البطلة الجميلة الثرية التي يقع في حبها الشاب نيمورينو والتي لا تهتم به بينما يطلبها للزواج الضابط بلكوري فتطلب منه مهلة للتفكير ثم يظهر في القرية محتال يدعي انه طبيب معه أدوية لجميع الأوجاع ويطلب منه نيمورينو دواء ساحر للحب فيعطيه زجاجة نبيذ ويحصل منه علي المال ثم تتوالي الاحداث ويعلم بنات القرية بوفاة عمه الذي يرث عنه ثروة طائلة فيقبلون عليه ويظن ان هذا تأثير أكسير الحب وتشعر ادينا بالغيرة عندما تري تهافت البنات عليه وفي لحظة غضب توافق علي الزواج من الضابط الذي يقنع نيمورينو بالتطوع للجيش وعندما تعلم ادينا بذلك ترفض الضابط وتعود لتصارح نيمورينو بحبها وتستعد للزواج منه وسط فرح وسعادة أهل القرية الايطالية الصغيرة التي تدور فيها الأحداث. الموسيقي والغناء والعمل يستهل بمقدمة سريعة قائمة علي لحن وتنويعاته ولكنه لا يسمع خلال الأوبرا علي نمط افتتاحيات الأوبرات في عصر الباروك وقد قدمها المايسترو مايوريزويو بينيني بشكل جيد كذلك كان الاداء الموسيقي عامة متواكباً مع طبيعة هذه الأوبرا ومفسرا لها وبارزا ألحانها الراقصة التي تميزها كما استطاع هذا القائد ان يحافظ علي مصاحبة جيدة للمغنين اتضح فيها التوازن المطلوب بين الصوت البشري والأوركسترا كما كان هناك تألق في الغناء الجماعي وصل إلي حد الابهار نظرا للكثرة العددية التي تعمدها المخرج والثنائيات كما في الحوار بين البطل والطبيب المحتال في الفصل الأول وبين البطلة والبطل في الفصل الثاني. بطلة العمل كانت السيرانو الروسية الشهيرة "أنا نيتربكو" والتي سبق وشاهدناها في أكثر من عمل من خلال عرض المتروبوليتان والتي ليس جديدا عليها هذا الدور حيث سبق ان لعبته وهي تتميز بحلاوة صوت وجمال في الشكل العام ولكن الأهم أيضاً قدرة تمثيلية وتعبيرية وخفة حركة مذهلة أما التينور الشهير ماثيو بولينزاني فكان موفقا في التمثيل والغناء ولكن ظهرت مهارته وتحديه الحقيقي في أدائه للأربة الشهيرة "الدمعة المتوارية" التي يغنيها في ختام الفصل الثاني بعد ان اكتشف ان أدينا تحبه معتقداً ان الأكسير السحري الذي اشتراه وراء هذا الحب وهذه الأغنية من أصعب أغاني التينور لانها تحتاج إلي مهارة عالية حيث يصل فيها المغني إلي نوتة عالية مع تعبيرية تستلزم الخفوت مع مقاطع طويلة تحتاج لتحكم كبير في الصوت والنفس وقد أداها بجمال ودقة استحق التصفيق الكبير الذي حصل عليه.. أما الباريتون البولندي ماريوسيز كويسين والذي لعب دور الضابط بلكوري الذي يعتمد علي التمثيل والغناء في آن واحد وكان مقنعا في الحالتين وخاصة في مشهد اعتذار ادينا عن قبول الزواج منه وكيف تقبل الموقف ببساطة.. الشخصية المحورية في هذا العمل والتي يقع عليها العبء الكوميدي هو بائع أكسير الحب المحتال والذي لعبه "امبريجو مايستري الذي أدي الدور بحس مسرحي من الجانب التمثيلي وساعده علي ذلك شكله وجسمه الضخم كما كان موفقاً في الغناء حيث انه يمتلك طبقة صوتية تؤدي النوت المنخفضة الا ان هذا الصوت ذو طبيعة براقة. اخراج تقليدي هذا العمل كان متعة غنائية وموسيقية ولكن الاخراج لم يحمل رؤية جديدة حيث كان كلاسيكيا تقليديا! تغلب عليه الألوان البنية الباهتة وكأننا نشاهد مأساة وليس عمل كوميدي وأري ان المخرج بارتليت شير ومصمم الديكور مايكل بيارجان ومصمم الاضاءة جنيفر نيبتون لم يوفقا في هذا العمل ولم يقدما رؤية جديدة الديكور اعتمد علي المجسمات التي جعلت المتفرجين يعيشون في ظلام دامس انتظارا لتغيير المشهد كما أنه لم يكن مقنعا فلم يكن واضحا هل مثلاً حفل الزفاف كأنه في كوخ وليس في حديقة قصر وفي الفصل الثاني كانت هناك خلفية من الاحراش غير مبررة في مسرح كبير لديه امكانيات هائلة والاضاءة خافتة وباهتة اما الملابس التي صممتها جينفر تيبتون فجاءت مناسبة للزمان الذي دارت فيه الأحداث في النصف الأول من القرن التاسع عشر ولكن من حيث المكان لم تكن مناسبة فهي قرية ايطالية صغيرة ولكن نساءها يرتدون ملابس فخمة وأنيقة كأهل المدن كما ان البطلة التي من المفترض انها ثرية لم تتميز ملابسها .. لكن رغم كل هذا نجد الاخراج اهتم بالمجاميع التي كانت كثيرة العدد ومتنوعة وأعطت ثراء للمسرح كما جاءت حركتهم مدروسة ومعبرة كما في حركة اليدين في مشهد التلويح بالدواء حين تتوحد الايادي في اتجاه واحد. وأخيرا اذا كان هناك بعض السلبيات نراها في الرؤية المسرحية ولكن التنفيذ الجيد للموسيقي والغناء والعناية باختبار هؤلاء الأبطال بأصواتهم الرائعة جعل الليلة ساحرة أثارت المسرح الصغير وجعلتنا نترقب بقية العروض بلهفة.