التخطيط للمستقبل يجب أن يركز علي مشروعات قومية كبري لتعمير جزء من الصحاري المهملة وإعادة توزيع السكان بعد أن تكدست مصر بصورة رهيبة وأصبح الزحام الشديد وما يتبعه من انفلات مروري وضغوط دائمة علي الناس واقعاً أليماً نعيشه ليل نهار.. من هنا جاءت أهمية حديث د. محمد فتحي البرادعي وزير الاسكان والمرافق والمجتمعات العمرانية الجديدة عن احياء مشروع "منخفض القطارة" بجنوب الساحل الشمالي الغربي ليفتح أبواب الأمل أمام المواطنين الذين ضاق بهم الوادي القديم والمدن الجديدة التي يتم اقامتها علي استحياء هنا وهناك ولا تتناسب بأي حال مع الزيادة المطردة في عدد السكان. د. البرادعي قال كلاما جميلا ومبشرا عن اقامة مشروع قومي بالمنطقة يستوعب عشرين مليون مواطن خلال الأربعين عاما القادمة ليصبح "منخفض القطارة" في مقدمة المناطق الواعدة التي تحتضن التنمية العمرانية في المستقبل القريب والبعيد.. كما توصلت ورشة العمل التي تم تشكيلها لدراسة امكانات المنطقة بمشاركة نخبة من العلماء والمتخصصين في مجالات الجيولوجيا والتنمية الزراعية والسمكية والموارد المائية والكهرباء والطاقة المتجددة إلي نتائج مبهرة منها امكانية اقامة زراعات غير تقليدية وريها بالمياه المالحة لاستخراج الطاقة الحيوية وأعلاف الماشية التي تتيح الفرصة للتوسع في انتاج الثروة الحيوانية.. هذه الزراعات لا تحتاج إلي مياه عذبة مما يجعلنا نواجه أهم معوقات استصلاح الأراضي الصحراوية فضلا عن المساهمة الفعالة في حل مشكلة البطالة من خلال توفير مئات الآلاف من فرص العمل في هذه المشروعات. فكرة المشروع تقوم علي تحويل مجري النيل ليصب في منخفض القطارة لتكوين بحيرة من المياه المهدرة والاستفادة منها في توليد طاقة نظيفة بتكلفة ضئيلة للغاية مقارنة بالمازوت أو المواد الأخري مع زراعة مساحات كبيرة واقامة مزارع سمكية ومناطق سياحية وتعمير مدن كبري بعد أن يتغير المناخ بسبب البخر الناتج عن مياه البحيرة خاصة أن المنطقة قريبة من التجمعات السكنية مما يسهل الانتقال اليها. والحقيقة أن حلم تنمية "منخفض القطارة" ليس وليد اليوم فالمشروع يعود إلي قرن مضي. ففي عام 1916م تحدث عنه البروفيسور هانز بنك أستاذ الجغرافيا بجامعة برلين ولكن لاسباب غير معلومة تم وأد الفكرة في مهدها ثم تجدد الحديث مرة أخري عام 1931م عندما قام البروفيسور جون بول وكيل الجمعية الملكية البريطانية بنشر دراسة عن الأهمية الكبري للمنطقة وتحمس حسين سري باشا وكيل وزارة الاشغال للمشروع وعرضه أمام المجمع العلمي المصري لكن كل شيء توقف مرة أخري بلا مبرر أيضا ليتحول الأمر إلي ما يشبه اللغز وتناثرت الأقاويل عن رفض القوي الدولية للمشروع حتي لا تخرج مصر من أزماتها. المشروع الذي أبهر الرئيسين الراحلين جمال عبدالناصر وأنور السادات وحالت الظروف السياسية مع الغرب آنذاك دون تنفيذه تجمد تماماً في عهد الرئيس السابق حسني مبارك لأن الأولويات اختلفت وانشغل النظام علي مدي ثلاثة عقود بأمور أخري أعادتنا كثيراً إلي الوراء وافقدتنا دورنا الريادي بعد أن اصبح شغلنا الشاغل استيراد غذائنا من كل دول العالم الفقيرة قبل الغنية وأغفلنا ثرواتنا البشرية والطبيعية وما تمتلكه بلادنا من مقومات وموارد وأراض شاسعة يمكننا استيعاب أي مشروعات تنموية. "منخفض القطارة" مثل غيره من المشروعات القومية الكبري كتنمية سيناء وممر التنمية لم يعد مجرد حلم لبناء المستقبل ولكن صار بمثابة طوق نجاة لانقاذ الوطن من الاختناق.