لو كان للاستنارة أهل. فأهلها و"عشيرتها" الإسكندرية!! منفذ مصر لاستقبال حضارات الغرب. ومنفذها كذلك لتصدير فكرنا وإبداعنا وفنوننا طوال عقود العصور القديمة والوسطية والحديثة.. فكما استقبلنا ثقافة الإغريق وزعيمهم الإسكندر مؤسس المدينة. أرسلنا إليهم ثقافتنا وفلسفتنا من خلال أفلوطين وهيباتيا وغيرهما كثيرون. وكما استقبلت الإسكندرية أفواج المثقفين والمهاجرين من أوروبا والشام في العصر الحديث طوال القرون الثلاثة الماضية. صدرت كمنفذ لمصر كلها للشرق والغرب أفكاراً وإبداعات ومباديء رسخت قيمة مصر في هذا العالم الحديث. من خلال أعمال موجة التجديد والاستنارة الأولي: الطهطاوي وعلي مبارك. والثانية: البارودي ومحمد عبده وعبدالله النديم. والثالثة: أحمد لطفي السيد ومصطفي كامل ومحمد حسين هيكل. وهم الأساتذة المباشرون لطه حسين الذي تذكرته الإسكندرية وأقامت له ندوة موسعة بمركز شباب الأنفوشي.. قدمها جابر بسيوني. وحضرها نخبة من رموز الثقافة في الإسكندرية. ومنهم: محمد طعيمة ومحمد الفخراني وأحمد مبارك ود. فوزي خضر وعبدالفتاح مرسي ومحمد سالم وناجي عبداللطيف ونبيل أبو السعود ومحمد ياسين الفيل وأشرف دسوقي ورحاب عابدين.. مع أدباء من أجيال شتي مثل: هدي حسن وآلاء نبيل وسهام سامي.. ذكر الأدباء ان العميد طه حسين لم يولد من فراغ ولم يذهب إلي فراغ.. فقد سبقته موجات تنويرية عدة. ولحقت به موجات أخري. بعضها ينتمي له مباشرة كأستاذ جامعي وصحفي ومبدع وناقد. وبعضها ينتمي لمدرستي الأمناء: أي تلاميذ أمين الخولي. ومدرسة عباس العقاد.. وهؤلاء هم قوام العمل الثقافي القومي. والذي رفع شأن مصر عالياً وأكد قوتها المعنوية وسلطتها الناعمة في الوطن العربي قبيل ثورة يوليو وبعدها. قبل أن تتلاشي قوة الثقافة العربية المصرية بالتدريج ابتداء من فترة السبعينيات. ومع بداية التصادم بين المثقفين وأنور السادات عقب توقيعه لاتفاية كامب ديفيد ورفضه رموز المثقفين لها. * قال جابر بسيوني: نحن في حاجة إلي إعادة القراءة لإنتاج طه حسين وأعماله التنويرية في سائر المجالات: الفكر والتعليم والثقافة والسياسة والتربية. بصفته واحداً من أوائل المغامرين بالخروج عن جمود المؤسسة الدينية والمطالبين بتطوير الأزهر. والاغتراف من علوم الغرب. رغم انه كمال قال عنه د. محمد حسن الزيات زوج ابنته لم يغير مؤشر الإذاعة عن القرآن الكريم. وكانت وصيته الدائمة الاعتناء باللغة القومية. * وأشار محمد الفخراني إلي نماذج من عطاءات العميد في نواح شتي.. فحين أراد كما يقول الفخراني أن يترجم عن نفسه كمواطن من عمق الريف وبيئة الفقر كان كتابه "الأيام" وقدم أشكال الحزم والصرامة في "جنة الحيوان" وجدد الخطاب الديني في "علي هامش السيرة" بعد أن أنتج كتابه المثير للجدل والمحرك للفكر "في الشعر الجاهلي".. ويبقي كتاب "علي هامش السيرة" هذا تحفة عالية. وربما قدمه تكفيراً عما رآه البعض خروجاً علي الثوابت في كتابه عن الشعر الجاهلي. * وتوقف د. فوزي خضر عند سيرة رسول الله صلي الله عليه وسلم من وجهة نظر طه حسين. والتقاطه لزوايا لم يتوقف عندها الكثيرون. ومنها مثلاً ما كتب عنه من قصائد في طفولته. أبدعتها أمه آمنة بنت وهب وهو في السادسة من العمر. وكانت الشيماء ترقص أخاها "محمداً" فتقول: ياربنا أبق لنا محمداً حتي أراه يافعاً وأمردا وغير هذا من المواقف الإنسانية في حياة النبي. عرض لها وحللها وأبرزها الدكتور طه حسين. * عبدالفتاح مرسي: التاريخ قمم وقيعان. وليس دائم الصعود أو الهبوط.. ولذا نجد قامات عالية في مصر. في أزمنة متفاوتة: محمد علي. الخديوي إسماعيل. جمال عبدالناصر. عبدالفتاح السيسي.. والصعود دائماً في تاريخها أي مصر يأتي حين يبرز دور المثقفين وتتاح لهم فرص العطاء والمشاركة في قيادة الوطن. * محمد طعيمة قادة التنوير كثيرون. وبعضهم غير مشهور شهرة طه حسين. فإذا تحدثنا عن الطهطاوي مثلاً. فعلينا ألا ننسي أستاذه العطار الذي رشحه للبعثة إلي باريس. وكانت له نصائح جمة وحكيمة حين يوجه تلاميذه إلي ثقافة الناس والعامة أي الثقافة الشعبية ليكون هنالك تنوير حقيقي.. وكان طه حسين في زمنه جماع ثقافات الشرق والغرب. وله وقفات نقدية دقيقة كالالتفات إلي فن "الومضة" أو ما يسمي "الابيحرام". * أشرف دسوقي: التنوير لا يأتي بقرار. بل هو نتيجة ملابسات وظروف طبيعية تهييء له.. وكان جيل طه حسين والعقاد محظوظاً. لأن عدد الأدباء والمثقفين كان قليلاً. وكانت نظرة الدولة لهم عظيمة ومنصفة. * محمد ياسين الفيل: نحتاج إلي إحياء زمن التنويرين الآن ودائماً في مواجهة الجهالة والتطرف. كحاجتنا إلي مواجهة بيئة الفساد والمفسدين في المجتمع للقضاء عليها.