إذا كان هناك أحد عشر روائياً تنافسوا علي جائزة ملتقي الرواية السادس الذي عقده المجلس الأعلي للثقافة وانتهي مؤخراً. فإن كل التوقعات كانت ترشح الروائي الكبير بهاء طاهر للحصول علي هذه الجائزة . وصدقت التوقعات وحصل عليها بهاء بالفعل. جري العرف أن يمنح الملتقي جائزته لكاتب عربي في دورة . وفي الدورة التالية يمنحها لكاتب مصري . وقد شاءت الصدف أن يكون بهاء طاهر ضمن أعضاء اللجنة التي منحت الجائزة للكاتب السعودي عبدالرحمن منيف في الدورة الأولي للملتقي. لم تكن جائزة الملتقي هي الأولي بالنسبة لبهاء طاهر فقد حصل علي جائزة الدولة التقديرية عام 1998. وحصل كذلك عام 2009علي جائزة مبارك في الآداب وكانت وقتها أرفع الجوائز الأدبية في مصر . إلا أنه في عام 2011وعندما اندلعت ثورة يناير العظيمة أعلن تنازله عن هذه الجائزة وقال وقتها إنه لايستطيع أن يحمل جائزة باسم مبارك الذي أراق نظامه دماء المصريين . كما حصل بهاء طاهر علي جائزة جوزيبي الإيطالية عام 200. وكذلك جائزة الرواية العالمية. قدم بهاء طاهر إلي السرد العربي العديد من الروايات المهمة والفارقة . منها علي سبيل المثال : شرق النخيل . وخالتي صفية والدير . والحب في المنفي . ووواحة الغروب. وقالت ضحي. فضلاً عن مجموعاته القصصية : الخطوبة التي استهل بها أعماله عام 1972.وأنا الملك جئت . وذهبت إلي شلال . ولم أكن أعرف أن الطواوييس تطير. كما ترجم رواية ساحر الصحراء للكاتب البرازيلي باولو كوهيلو . وأصدر كتاب أبناء رفاعة . فضلاً عن عدة مسرحيات. وتتميز أعمال بهاء طاهر بالعمق الشديد ولغتها الأدبية الرصينة وبنائها المحكم .وهي من النوع الذي يتطلب قراءة واعية وعميقة . حتي إنها قد تصدم قارئها في المرة الأولي نظراً لتعدد طبقاتها ومستوياتها . الأمر الذي يتطلب إعادة قراءتها أكثر من مرة لمزيد من الفهم والتواصل . هي ليست ملغزة أو صعبة . لكنها ربما لاتمنح نفسها للقارئ غير المدرب من المرة الأولي. ثمة سطور مطبوعة بين السطور . ثمة لغة تحتية أو لغة ثقيلة رغم خفتها الظاهرة وبساطتها الآسرة . ربما لايمكن لقارئ عابر أو متعجل أن يكتشفها. لغة بهاء طاهر مقتصدة وربما يبدو سطحها متقشفاً وإن كان رصيناً وأنيقاً. ربما يبدو هادئاً لكن في أعماقه درراً مكتنزة وألغاماً مبثوثة إن اهتديت إليها تفجرت طيعة بين يديك وكشفت لك عن نفسها. وبهاء طاهر لم يكن . طوال حياته .مجرد كاتب كبير فقط . لكنه علي المستوي الشخصي رجل صاحب مواقف . منحاز دائماً إلي البسطاء من الناس . ولم يكن يوماً ممن ينافقون الحكام أو يدورن في أفلاكهم. انشغل دائماً بغيره وخاصة الشباب الذين يتابع أعمالهم ويتواصل معهم حتي الآن . وما من كاتب شاب يصدر ديواناً أو رواية أو مجموعة قصصية تعجب بهاء طاهر إلا ويبحث عن رقم تليفونه ليهاتفه مهنئاً ومشجعاً. وهي عادة لايفعلها سوي الكتاب الكبار بحق . ولذلك لم يكن مستغرباً أن يقول بهاء طاهر عندما صعد علي المنصة ليتسلم جائزة ملتقي الرواية : أتمني أن يحصل علي هذه الجائزة الرفيعة في المرات القادمة كاتب شاب . أو علي الأقل يتقاسمها مع عجوز مثلي" ولد بهاء طاهر في 13يناير عام 1935لكنه مازال حتي الآن يحمل قلب وروح شاب في العشرينيات وتلك نعمة لاتتوفر سوي للأنقياء من الناس وبهاء أحد أنقياء هذا العصر وأحد نبلائه الكبار دون منافس .. أمد الله في عمر كاتبنا الكبير.