أعلنت مساء الأربعاء الماضي جائزة الملتقي السادس للرواية العربية، الذي ينظمه المجلس الأعلي للثقافة.. وفاز بالجائزة الروائي بهاء طاهر، وتكونت لجنة التحكيم من: واسيني الأعرج »رئيسا« وعضوية صبحي حديدي، يحيي يخلف، خيري دومة، حسين حمودة،إبراهيم فتحي ، بطرس الحلاق،سعيد يقطين،نجوي بركات،ووائل حسين أميناً للجنة. حسم الأمر. بهاء طاهر يفوز بجائزة ملتقي القاهرة للإبداع الروائي في دورته السادسة. لم تكن مفاجأة في الحقيقة، الخبر معروف منذ الإعلان عن الملتقي. لكنه رغم ذلك يظل خبرا مبهجا. بعد أن أصدر مجموعته القصصية الأخيرة «لم أعلم أن الطواويس تطير» أجرينا معه هنا في أخبار الأدب حوارا سألناه إن كان يري أنه حصل علي حقه؟ وأجاب: أخذت حقي تماما» متذكرا مقوله يحي حقي التي يقول فيها «بلدي عملت واجبها ناحيتي، أنا لا بد أن أعمل واجبي ناحيتها». والحقيقة أنه أدي واجبه بنبل وإخلاص والمهمة لم تكن سهلة ميسره. ملحق أدبي بصحيفة المساء يشرف عليه الأديب عبد الفتاح الجمل، ومجلة يرئسها الكاتب الكبير يحيي حقي بعنوان «المجلة»، وبرنامج إذاعي. وحدها تلك المنابر الثلاث كانت متاحة في مطلع الستينات للإبداع الجديد، كانت عظيمة القدر، لكنها محدودة التأثير لأنها بعيدة أو مبعدة عن الجمهور الواسع..يضاف لهذا اضطرابات سياسية معقدة وأزمة اقتصادية طاحنة..تلك هي الظروف التي شهدت الظهور الأول لبهاء طاهر. نشر أول قصصه بالتحديد سنة 1964 في مجلة الكاتب حين كان يرأس تحريرها أحمد عباس صالح، ثم نشر بعد ذلك قصصا في المساء ومجلة المجلة وفي صباح الخير عندما كان المسئول عن الجانب الثقافي فيها لويس جريس، لكنه لم يذع أيا من قصصه في البرنامج الثاني الذي كان يعمل فيه، إذ جال بخاطره أن ذلك يعتبر نوعا من استغلال النفوذ! في ذلك الوقت مطلع الستينيات كانت تتشكل في تلك المنابر ملامح الأدب الجديد. كانت فترة التحولات الثورية الكبيرة في تاريخ الوطن، المعركة ضد النظام القديم وضد الاحتلال والاستعمار والإقطاع والاستغلال، وقد ساهم الأدب الواقعي بالتحديد- في تمهيد الأرض الفكرية لهذه التحولات الثورية، لكن فترة التغيرات الثورية الكبيرة انتهت وتحولت الثورة إلي نظام شديد الوطأة كما حكي بهاء طاهر للكتابة سوزان شاندال فبعد فترة من عمله في الإذاعة وتقديمه برنامجا ثقافيا تعرف من خلاله علي أهم الكتاب في ذلك الوقت كنجيب محفوظ ويوسف إدريس، وبعد أن نشر قصصه خسر أيضا وظيفته بل ومنع من الكتابة، واتهم بانه شيوعي يقول:»هذه التهمة كانت معتادة عندما يريد النظام التخلص من شخص ما، وفجأة صرت شخصا غير مرغوب فيه، الأمر الذي أدي إلي رفض كل الجرائد لمقالاتي، وكان واضحا في عهد عبد الناصر أنه كان يرسل خصومه للسجن، لكن السادات كان يجعلهم يتضورون جوعا». وفي شهادة كتبها قبل رواية «خالتي صفية والدير» يفصل الأمر أكثر فبينما كانت الانتصارات الوطنية تتوالي كانت الهزائم تتراكم علي جبهة الحريات الفردية وحقوق الإنسان. وتعرض الكتاب والمواطنون في جملتهم لأنواع من الحيرة والتمزق، كانوا يؤيدون السياسة الوطنية العامة لنظام عبد الناصر ولكنهم يعترضون تماما علي الطابع الشمولي لهذا النظام ويقاسون منه». ليصل من ذلك إلي أن الأدب الجديد الذي يتشكل علي هامش المؤسسة الثقافية كان هو المعبر الحقيقي عن التغيير الذي حدث. وبشكل عام كان حس الهزيمة الداخلية هو السمة الأبرز للواقع الجديد في الستينيات حيث حظرت كل محاولة للتعبير الحر عن الذات والتحرك الفعال. كانت هذه سمات عامة مشتركة في الأدب الذي كان يتشكل بعيدا عن المؤسسة، ورغم ذلك فقد كان لكل كاتب من الكتاب الجدد حينها صوته المميز ورؤيته التي لا يشاركه فيها أحد، وهي الفكرة التي يؤكد عليها الناقد صبري حافظ حين كتب عن بهاء طاهر مؤكدا إنه منذ نشر قصصه الأولي في مطلع الستينيات لفت أنظار الواقع الثقافي إلي عالمه القصصي الجديد والغريب والأليف معا، وإلي لغته الصافية الفريدة في مذاقها وإيقاعها وقدرتها علي النفاذ والتعبير، وإلي بنائه المحكم المتماسك بقدرته الفائقة علي إثراء القص بمستويات متعددة ومتراكبة من المعاني والدلالات. الإحساس بالغربة أيضا سمة أساسية عند بهاء طاهر خاصة وأنه قضي سنوات طويلة يعمل في مترجما بالأمم المتحدة في جنيف، لكنه لم يكن أبدا بعيدا عنها يقول في الشهادة نفسها التي اشرنا إليها أنه حاول منذ خرج من مصر ألا يكون ابتعاده عنها اغترابا عنها «ولا أعرف إن كنت قد نجحت في ذلك أم لا. غير أن كل ما كتبته في الغربة كان يقصد به علي وجه التحديد مصر وما يدور فيها. ضمن مجموعة «بالأمس حلمت بك» بعض القصص التي كتبتها في الستينات والسبعينات، ولكن قصة العنوان وهي أول قصة أتحدث فيها عن تجربة الغربة كانت يدا ممدودة إلي مصر، كما تلمح فقرتها الأخيرة، أما مجموعة «أنا الملك جئت» ورواية «قالت ضحي» فقد كتبتا بالكامل في جنيف، وهما عودة إلي مصر، عودة إلي تاريخها القديم وواقعها المعاصر معا للبحث عن جوهرها النقي». وهكذا أعمال بهاء طاهر كلها قد تخدع في بساطتها لكنها دائما ما تفيض بالرؤي والدلالات. عندما بدأت الشرارة الأولي لثورة يناير انحاز بهاء طاهر لصوت الجماهير، منعته ظروفه الصحية من المشاركة في الميدان لكنه لم يبخل بقلمة ورؤيته حتي لو تعارضت في بعض الأحيان مع شريحه من الثوار، بل ووقف ولايزال ضد تشويههم. حصل بهاء طاهر علي مجموعة كبيرة من الجوائز منها جائزة الدولة التقديرية في الأدب 1998. وجائزة جوزيبي اكيربي الإيطالية عام 2000 عن خالتي صفية والدير. وجائزة آلزياتور الإيطالية عن الحب في المنفي عام 2008. والجائزة العالمية للرواية العربية «البوكر» عن رواية «واحة الغروب».