بعد انهيار النظم الديكتاتورية يحق للشعوب التي عانت طويلاً أن تتنفس الصعداء وان تنظر إلي الماضي بقليل من الألم بعد زوال الاشخاص الذين جثموا طويلاً علي الصدور إلا أن الماضي مهما كان لابد من تقليبه بلغة الفلاحين لاستخلاص العبر وبناء مستقبل لا يسمح بأن ينمو علي سطحه طفيليات الطغيان التي تبدأ عادة صغيرة لا تري بالعين المجردة ثم تتحول إلي ديناصورات عملاقة تلتهم الأخضر واليابس وقد بحت أصوات كثيرين من ضرورة الأخذ بالنظام الألماني في التطهير قبل عمليات الاصلاح والبناء. وقد كثر الحديث بعد ثورة 25 يناير حول إعادة الهيكلة. إعادة هيكلة كل شيء علي أرض مصر إعادة هيكلة النظام التعليمي بأسره والنظام الصحي بأكمله والنظام الأمني والشرطي بكل قطاعاته وإن كان القطاع الأمني قد شغل الحيز الأكبر من التفكير وكتابات أهل الفكر والثقافة بسبب انفراط المنظومة الأمنية فجأة بعد نجاح ثورة يناير وبسبب الميراث الثقيل من تعاملات الشرطة مع المواطنين وأعود مرة أخري لأذكر بأهمية النظر إلي التجربة الالمانية في هذا الشأن ثورة 25 يناير ليست ببعيدة تاريخيا وانسانياً عما دار عام 1989 في ألمانياالشرقية وانهيار سور برلين الشهير هذا السور الذي كان يقف وراءه ويحميه جهاز شرطة لا يعرف الرحمة وفجأة انهار السور وانهار النظام واختفي رجال الشرطة بما فيهم الشرطة السرية التي كانت تعرف باسم "ستاش" وبعد توحيد ألمانيا عام 1990 بدأت وزارة جديدة للبحث في ملفات الشرطة السرية والمتعاملين معها والذين أذاقوا شعب ألمانيا في الشطر الشرقي ألوانا مختلفة من العذاب هذه الوزارة أطلقوا عليها "سلطة جوك" علي اسم وزيرها جواشيم جوك وقد قامت الوزارة بتشكيل عدة لجان لتقصي الحقائق حول دور الشرطة السرية وتجسسها علي كل فئات المجتمع خاصة العلماء والصحفيين وغيرهم وقد وضعت اللجنة يدها أول الأمر علي كافة ملفات الشرطة السرية بالرغم من انهم حرقوا وفرموا بعض الملفات كما حدث تماما عندنا في مصر المشكلة ان هذه الوزارة سمحت لكل من طلب من سكان ألمانياالشرقية بالاطلاع علي ملفه داخل الشرطة السرية "أمن الدولة" وتقدم 2.7 مليون نسمة للاطلاع علي ملفاتهم رقم ضخم وكبير واستجابت الوزارة لكل الطلبات وبعدها بدأت عمليات فرز الذين أعدوا هذه الملفات من رجال الشرطة في.. هناك من أبقوا عليه من رجال الشرطة وهناك من اختفي وهناك من اعترف علنا وأعلن ندمه وتوبته واستغرقت العملية عدة سنوات ومن هنا تبدو التجربة الالمانية في هذا الشأن من أهم تجارب العالم الحديث في إعادة هيكلة كافة القطاعات.. وللحديث بقية..