واضح تماماً انه يتعين علي الشعوب العربية الثائرة ضد أنظمة الحكم المستبدة الظالمة الفاسدة ان تدفع ثمناً غالياً من دماء وأرواح أبنائها قبل ان يتحقق حلمها في حكم عادل رشيد يؤمن بكرامة الإنسان ويعترف بحقوقه المشروعة في واقع ملموس. وواضح تماماً أيضاً ان هذه الأنظمة المستبدة الظالمة الفاسدة لن تترك سدة الحكم إلا مجبرة. وهذا ما تؤكده حتي الآن الأحداث في كل من ليبيا واليمن وسوريا والبقية تأتي. صحيح ان الثوار في ليبيا يكسبون كل يوم بل كل ساعة أرضاً جديدة وان التأييد الاقليمي والدولي لهم والاعتراف بهم كممثلين شرعيين للشعب الليبي يزدادان مع مرور الوقت ولكن الصحيح أيضاً ان عدد الشهداء في تصاعد مستمر وخسارة الشعب لممتلكاته تتزايد. بينما القذافي الذي حكم ليبيا 43 سنة لا يزال مصراً علي البقاء وكأنه يقول بلسان الحال فضلاً عن المقال: إما ان أبقي حاكماً بل مالكا لليبيا أرضاً وشعباً وإلا ان يتم تدمير ليبيا أرضاً وشعباً ودولة. فهو - كما يري - ليبيا فإذا سقط سقطت ليبيا لا قدر الله تعالي. نفس الموقف نراه يتكرر في اليمن وفي سوريا حيث يصر كل من علي عبدالله صالح وبشار الأسد علي البقاء وان غطت الدماء الميادين والشوارع والحارات والأزقة بل وإن تم تدمير اليمن وسوريا وقتل الشعب. كل الشعب فيهما وكأنهما - كالقذافي - يحكمان بالحق الإلهي. والمشكلة في هذا الصراع الحتمي ان هؤلاء القادة - كما يصفون أنفسهم - استطاعوا خلال فترات حكمهم الطويلة تكوين شبكة عنكبوتية من المستفيدين من حكمهم علي المستويات المحلية والاقليمية والدولية هي التي تحاول الآن مساعدتهم علي الاستمرار بأي ثمن حفاظاً علي مصالحها. لا علي هؤلاء الحكام. ولذلك تجد بين هذه الشعوب ذاتها من يؤيد ويساعد هؤلاء الطغاة علي الاستمرار ولذلك أيضاً تتفاوت مواقف القوي الاقليمية والدولية منهم ومن الشعوب الثائرة ضدهم. حتي من قبل تلك القوي التي تنصب نفسها حامية لحمي الديمقراطية وحقوق الإنسان كأمريكا وأوروبا. وإذا كان أمر المنتفعين من هذه الأنظمة داخل الشعوب ذاتها مفهوماً. فربما تكون مواقف القوي الاقليمية والدولية من هذه الأنظمة والثورة ضدها في حاجة إلي توضيح وشرح. فبالنسبة لليبيا نجد بعض الدول الاقليمية عربية وغير عربية لا تزال مترددة في دعم الشعب الليبي حتي ولو بالكلام وكأن الخرس قد أصابها وكذلك الأمر علي المستوي الدولي وربما تكون المصالح المتمثلة في البترول الليبي وعائداته هي الفيصل في فهم هذه المواقف. يضاف إليه موقف النظام الحاكم من جانب والثوار من جانب آخر من قضايا أخري كالعلاقة مع إسرائيل والمعسكر الغربي بقيادة الولاياتالمتحدةالأمريكية. وفي اليمن يتكرر الموقف ولكن لأسباب أخري أولها موقف المعسكريين المتصارعين من الاستراتيجيات الاقليمية والدولية في المنطقة حيث تمثل اليمن. مهما كان وضعها. كاملاً مؤثراً في هذه الاستراتيجيات بحكم الموقع الاستراتيجي الذي يجعلها متحكمة في دوائر كثيرة أولها دائرة البحر الأحمر وثانيها القرن الافريقي وثالثها الجزيرة العربية ورابعها بحر العرب ومعروف ان علي عبدالله صالح ظل لسنوات راعياً بامتياز لمصالح القوي الاقليمية والدولية المهتمة بهذه الدوائر ولو علي حساب شعبه. وفي سوريا يتكرر الموقف ولكن لأسباب أخري في مقدمتها أن هذا النظام حافظ لمدة 40 سنة تقريباً علي الحدود لصالح إسرائيل رغم انها تحتل الجولان منذ عام 1967 ولم يطلق رصاصة واحدة في اتجاه إسرائيل منذ عام 1973 ومنها أنه يحدث نوعاً من التوازن مع تركيا وإيران بدرجة أو أخري وكذلك مع العراق وفي بعض الاحيان مع قوي فلسطينية داخل وخارج الأراضي المحتلة. ان هذه النظم الثلاثة لها دور وظيفي مستقر منذ سنوات يتلاءم ويصالح القوي الاقليمية والدولية الفاعلة في عالم اليوم ومن ثم فالتضحية بها في مقابل المجهول أمر محفوف بالمخاطر من وجهة نظر هذه القوي التي تهمها مصالحها وأطماعها ولا يهمها الشعوب بأي درجة من الدرجات. ويلاحظ ان هذه الأنظمة الثلاثة تشترك في شيء آخر هو وقوفها حائط صد ضد قوي المقاومة لهذه الأجندات الاقليمية والدولية وعلي رأسها قوي التيار الإسلامي السياسي المتصاعدة بالمنطقة والتي يعتبرها الغرب بقيادة أمريكا النقيض الموضوعي لمشاريعها في المنطقة. لكل هذه الأسباب ولغيرها يطول عمر هذه النظم لبعض الوقت حيث تحاول القوي المنتفعة من وجودها الابقاء عليها. سواء من قبل الداخل أو الخارج. حتي تتأكد من أن النظم القادمة لن تخرج علي الدور المرسوم لمثل هذه الأنظمة إلا بالقدر الذي لا يهدد الاستراتيجيات الاقليمية والدولية تهديداً كبيراً. ورغم ذلك نؤكد ان مثل هذه النظم التي تستمد قوتها وامكانية بقائها من شبكة المصالح التي ترعاها مصيرها إلي الزوال لأن للشعوب مصالح أخري ستدافع عنها والمعروف ان الشعوب إذا تحركت فلا شيء يوقفها ولكنها مسألة وقت. والمسألة سيجال ولابد من دفع هذه الشعوب لثمن سكوتها علي أمثال هؤلاء كل هذه الفترات الطويلة حتي ظنوا وظن من ينتفع من وجودهم أنهم باقون إلي يوم القيامة.