المتأمل لأحوال النشر في بلادنا يستطيع أن يقسم الناشرين إلي ثلاثة أنواع: ناشر يعطي المؤلف مكافأة علي ما يكتبه بضع مئات من الجنيهات روايات الهلال علي سبيل المثال تعطي خمسمائة جنيه ثمناً للرواية وهو ما تدفعه تقريبا سلاسل المؤسسات الصحفية وفيما عدا مكافآت مكتبة الأسرة التي تحصل علي دعم من الجهات المشتركة في المشروع فإن ما تدفعه هيئة الكتاب يدور حول المكافأة نفسها. وأما النوع الثاني من الناشرين فهم الذين يكتفون بتقديم نسخ قليلة للأديب مقابلاً لنشر إبداعه. من قبيل التشجيع أو المجاملة!. وأما النوع الثالث فإنهم يحصلون من المؤلف علي ما يزيد عن تكاليف طباعة كتابة أي أن الأديب يعطي ولا يأخذ كل ما يأخذه بضع آحاد أو عشرات من النسخ!. والحق أن المقابل المتواضع الذي يتلقاه بعض الكتاب والاكتفاء بمجرد النشر لكتاب آخرين واضطرار كتاب لدفع ما يزيد عن التكاليف الفعلية لطباعة كتبهم.. ذلك كله يعكس نظرة دور النشر بعامة إلي مهنة الكتابة. وأن الهدف في كل الأحوال هو مجرد تشجيع الأديب علي توثيق إبداعه. وليس تسويقه..فبعض الكتب لا يدر منها أكثر من مائتي أو ثلاثمائة نسخة وبالذات إصدارات دور النشر التي تقوم بعملية احتيال معلنة حين تحصل علي ما يتراوح بين ألفي جنيه وثلاثة آلاف جنيه مقابلاً لطباعة بضع عشرات من النسخ مجرد توثيق فلا يجد الكتاب سبيله إلي أرفف المكتبات ولا عند باعة الصحف. النظرة إلي قيمة الإبداع يجب أن تتغير ما يكتبه الأديب في معظم بلاد العالم يدر عليه دخلاً يتيح له التفرغ لإبداعه أما النظرة إلي مبدعينا فهي تتحدد في دائرة الهواية. لا أحد يتقوت من كتاباته فهو لابد أن يعمل بوظيفة ما تهبه دخلاً منتظماً اما الأدب فهو مجرد هواية قد تدر عليه بالمصادفة مقابلاً شاحباً أو قد ينفق عليها حتي المقابل الذي ربما تقاضاه لا يصل بالقطع إلي قيمة الكتب التي قرأها ولا الوقت الذي أنفقه ولا أجر الكمبيوتر.. وبالمناسبة فإن دور النشر تشترط الآن أن يسلم الأديب أصول كتابه مطبوعة علي الكمبيوتر!. في بلادنا اتحاد للكتاب يسمي نقابة.. والمعني البسيط للنقابة أنها تضم ابناء مهنة تدر علي اصحابها دخولاً تعينهم علي الحياة.. هذا هو الاطار الذي تتحرك في داخله كل النقابات المهنية. لكن دور النشر تصر علي أن تضع أعضاء اتحاد نقابة الكتاب في دائرة الهواية. وما تدفعه لهم من مكافآت تافهة. أو ما قد يدفعونه لها من مبالغ ينتزعونها من قوتهم.. ذلك كله تعبير عن النظرة السخيفة وغير المسئولة إلي قمية الأديب في بلادنا وإلي قيمة الكلمة. وبصراحة فإن تخلفنا في كل المجالات سيظل حقيقة يصعب إغفالها. ما لم تحصل الكلمة ومبدعها علي المكانة اللائقة والقمية المستحقة.