حين أعلن ناشر أستاذنا نجيب محفوظ ان كتب عميد الرواية العربية لم تعد تحقق الرواج الذي كان لها. وأنه أوقف طباعة الكتب الأدبية. كنت أتوقع ان تقوم الدنيا ولا تقعد. لجملة أسباب. في مقدمتها ان توقف دار نشر في حجم مكتبة مصر. بعد أكثر من سبعين عاماً في نشر الابداعات المصرية والعربية لكبار الكتاب: الحكيم ومحفوظ والسحار وإدريس وذهني والبدوي والسباعي وغراب وعبدالحليم عبدالله وباكثير وغيرهم.. هذا التوقف له دلالته التي يجب التوقف أمامها. ومناقشتها. قد يصادف الناشر- أي ناشر- هبوطاً في أرقام مبيعات كاتب ما. مقابلاً لرواج مؤلفات كاتب آخر. وقد تتأثر حركة التوزيع سلباً بما يسهل تلافيه وتعويضه فيما بعد. لكن التوقف عن نشر الابداع الأدبي تماماً. والاقتصار علي التقاويم والأجندات والملخصات المدرسية. نتيجة خطيرة يجب ان ندرس أسبابها. وهي- بالتأكيد- ليست أسباباً خاصة. لكنها تتصل بأزمة الكتاب الأدبي. والأزمة التي تعانيها حركة النشر في بلادنا. اذا كانت القاهرة تنظم معرضا للكتاب في مطلع كل عام. فان القضية الأهم التي يجب ان يخصص لها المعرض ندواته في الدورة القادمة. هي قضية الكتاب نفسه. كيف ننقذه من حالة الاحتضار التي يعانيها. ونعيد اليه عافيته. بعيداً عن أسلوب الاتهامات المتبادلة. وما اذا كان الناشر فاشلاً. أو انه يبحث عن الربح المضمون. فلعلنا نتفق علي النهاية القاسية التي تترصد للكتاب الأدبي في نهاية الأفق القريب. المثل الأوضح تقاضي معظم الناشرين مقابلاً لعملية النشر من الأديب. وليس العكس. أي ان المبدع يكتب. وينشر كتابه علي نفقته. ثم لا يحصل الا علي بضع نسخ. ويحصل الناشر علي بقية النسخ. وعلي الربح مقدماً نتيجة تقاضيه أضعاف التكاليف الفعلية لطباعة الكتاب. أي ان الأديب ينفق علي لقمة عيشه. وعلي حرفة الأدب التي أدركته! المشكلة ليست وقفاً علي أدباء دون غيرهم. لكنها تشمل كل الأدباء. كبارهم وصغارهم. من بلغ مكانة متفوقة. ومن يعاني خفوت الصوت! وأضاف إلي سلبيات المشكلة تفشي ظاهرة الأدباء بفلوسهم- أشبه بظاهرة أثرياء الحرب- هؤلاء الذين يدفعون تكاليف طباعة أعمالهم. ويروجون لها. بحيث يختلط- في واقعنا الثقافي- الحابل بالنابل.. الأصالة بالرداءة! إنقاذ المريض ممكن مادامت أنفاسه تتردد. وأنه لم يمت إكلينيكياً. وإنقاذ الكتاب مسئولية هيئاتنا الثقافية ومثقفينا.. فلتدرس البواعث. وهل هي الإنترنت. أو الظروف الاقتصادية. أو ارتفاع أسعار الورق والخامات. أو تفشي الأمية الثقافية؟ ويبقي الأمل في حلول جادة وموضوعية وحاسمة. تعيد للكتاب المصري مكانته القديمة!