فجأة انتبه اتحاد الناشرين المصريين لقضية على قدر كبير من الأهمية، وهى قضية تزوير الكتب، ومن أجل ذلك أعد الاتحاد قائمة سوداء بأسماء المطابع المتورطة فى تزوير الكتب واجتمع مع غرفة صناعات الطباعة باتحاد الصناعات وحدد عناوين وأسماء الكتب التى تمت طباعتها خارج إطار التعاقد القانونى، وحذر محمد رشاد صاحب الدار المصرية اللبنانية، ورئيس اتحاد الناشرين المصريين، من أن صناعة الكتب ستنقرض إذا ما استمرت عملية تزوير الكتب، لأنها ستؤدى إلى إفلاس الناشرين، لأن المزورين يتعمدون طباعة الكتب "الأكثر مبيعًا" دون الرجوع إلى دار النشر الأصلية التى تتكفل بالتعاقد مع الكتاب وتمنحهم أموالا مقابل الحصول على حق النشر والتوزيع، كما أن المزورين يطبعون الكتب غالية الثمن، والتى تصدر بحسب تصريحات "رشاد" عن الدار المصرية اللبنانية ودار الشروق، وآخرها كتاب الأستاذ الكبير محمد حسنين هيكل "مبارك من المنصة إلى الميدان" الصادر عن دار الشروق، وكتاب "اللحظات الأخيرة فى نظام مبارك" لعبد اللطيف المناوى الصادر عن الدار المصرية اللبنانية. لا يملك الواحد إزاء هذه الوقائع الشهيرة إلا إدانة عملية تزوير الكتب، لأنها تحمل فى طياتها سرقة علنية لجهود الآخرين، وهو الشىء الذى ظهر مؤخرا مع الازدهار النسبى لعملية النشر فى مصر، وبصرف النظر عن تأخر رد فعل اتحاد الناشرين فإن على المجتمع كله أن يقف ضد هذه الحالة المتفشية من السرقة العلنية، لكن علينا قبل إدانة هذه الوقائع المشبوهة أن نبحث فى أسباب تفشيها، ودعائم رواجها، إذ لا يخفى على أحد أن الناشرين أنفسهم يتسببون فى رواج سوق الكتاب المزور، وذلك بتعمدهم تسعير الكتاب بأسعار عالية، تجبر طالب المعرفة على أن يستسهل شراء الكتاب المزور بنص سعره الرسمى، خاصة أنه يكون على قدر كبير من الإتقان والجودة، بما يوحى بأن سبب غلاء الكتاب "الرسمى" ليس كما يقال بسبب ارتفاع أسعار الورق، وإنما بسبب جشع بعض الناشرين. ما يؤكد نظرية جشع بعض الناشرين هو أنهم ما أن يلحظوا أن كتابا ما بدأ فى الرواج حتى يرفعوا سعره، لتتضاعف الأرباح سريعًا، غير مدركين أنهم كلما رفعوا السعر كان ذلك حافزا للمزورين لطبع الكتب بطريقة غير شرعية، وفى حين أن هناك نظرية فى عالم النشر تقول إنه كلما زادت عدد نسخ الكتاب قلت تكلفة طباعته وبالتالى قلت تكلفة الكتاب الإجمالية رأينا دور نشر كبيرة تضاعف من سعر الكتاب كلما زاد رواجه، فإحدى هذه الدور أنتجت رواية شهيرة، كانت النسخة فى طبعتها الأولى بخمسة عشر جنيهًا، ومع تعدد الطبعات ارتفع السعر حتى وصل إلى ما يقرب من 60 جنيها للنسخة الواحدة. الحل من وجهة نظرى لمشكلة تزوير الكتب هو تقليل هامش الربح من جانب الناشرين، وتثبيت سعر الكتاب حتى مع رواجه وتعدد طبعاته، فكلما قل سعر الكتاب زاد الطلب عليه، وكلما زاد الطلب عليه انخفضت تكلفته، وبذلك يكون المكسب الحقيقى للناشر هو تجويد الأعمال وانتقائها بعناية لتنال الرواج والشهرة اللازمين، ومن ثم تزدهر حركة النشر أكثر، وبالتزامن مع هذا الاتجاه يجب على الناشرين أن ينتجوا طبعات شعبية من الكتب الغالية، وذلك لإتاحتها بتكلفة منخفضة للقراء غير القادرين، كما يجب التوسع فى سياسة إقامة معارض الكتب فى المناطق الشعبية والقرى المصرية مع تحفيز القراء على الشراء بعمل خصم مغر للكتب، وإقامة حلقات نقاشية مع الكتاب، وبذلك نكون قد ضربنا عدة عصافير بحجر واحد، فمن ناحية حاربنا تزوير الكتب ومن ناحية أخرى دعمنا الكتاب ووفرناه لمريديه، والأروع من هذا كله إننا حولنا قضية عابرة ربما تثار فى وقت قصير لتخبو بعدها بأيام إلى حالة تروج للثقافة والكتاب بشكل عام. أعتقد أن هذا الطرح من الممكن أن يساهم فى حل مشكلة تزوير الكتب، والقضاء على انتشارها بما يوفر مصداقية لدور النشر الأصلية وتخفيفًا على القارئ الساعى نحو المعرفة، لكن هناك العديد من المشكلات الأخرى التى يجب أن ينظر لها اتحاد الناشرين وغيره من المؤسسات المعنية بالثقافة بشكل عام وصناعة الكتاب بشكل خاص، من هذه المشكلات مثلا صيانة حقوق المؤلف، وصيانة حقوق العمل الثقافى العام من دور النشر التى لا تتكلف شيئا فى صناعة كتب التراث وتثرى ثراء مهولا من طباعتها وتوزيعها دون ضابط أو رابط ودون أن تعطى الثقافة حقها، وهذا ما سنفرد له حوارا لاحقا.