روي لي أستاذنا نجيب محفوظ يوماً أن نشأته في الأحياء الشعبية أتاحت له التعرف بصورة مباشرة إلي حياة الفتوات. وما كانت تزخر به من بطولات وخيانات ومعارك لا تنتهي. انعكس ذلك كله بالطبع في عالم كاتبنا الكبير. الروائي. منذ بداية ونهاية إلي أحلام فترة النقاهة. وبقدر ما كان نجيب محفوظ الطفل يضمر إعجاباً حقيقياً للفتوات. فإنه لم يكن يملك إلا الإشفاق علي هؤلاء الذين تحددت وظيفتهم في تلقي الضربات أثناء المعارك المتوالية. وكانت قوتهم الجسدية هي عنصر امتيازهم الوحيد. ولأن الفتونة ليست قوة جسدية فحسب. إنما هي إرادة وذكاء وقوة شخصية وحسن قيادة للآخرين. فقد كان مساعدو الفتوات تكويناً أساسياً في ذلك العالم المثير. بدونهم تزول سيطرة كل فتوة علي الحي أو مجموعة الأحياء. وتتحول معاركه مع فتوات الأحياء الأخري إلي خناقات فردية. دون أن يجاوز تأثيرها الفتوات أنفسهم. أما المساعدون فبالإضافة إلي أنهم كانوا يتلقون الضربات. فقد كانوا في الوقت نفسه يبلغون الإنذارات. ويتلقون الإتاوات. ويضعون أعينهم علي تحركات الفتوات الآخرين وعلي الشرطة في آن واحد. باختصار فإن مساعدي كل فتوة كانوا هم العامل الأهم في إبرازه. وتقديمه وفرض سطوته. وإن ظلوا علي الهامش دوماً في عالم الفتوات. والحق أن ذلك العالم الأسطوري كما رواه أستاذنا نجيب محفوظ يذكرني إلي حد كبير بواقعنا الأدبي والفني المعاصر.. فما أكثر مساعدي الفتوات في عالم نجيب محفوظ نفسه. بل إن جيل يوسف إدريس بكامله لم يزد دوره عما كان يفعله مساعدو الفتوات في مطالع القرن العشرين. أبدعوا. وعني النقد بكتاباتهم. ودخلوا المعارك الفنية والنقدية. فلما انحسر الدم بدأ يوسف إدريس متفرداً في الساحة! ولعل المشكلة التي تحياها أجيال ما بعد إدريس أن رأياً لم يتكون بصورة حاسمة حول اسم محدد. فالأسماء تظهر في حياتنا الثقافية كالفلاشات التي تضيء جداً. ثم تختفي بالكيفية ذاتها. ظهر الكثير من الابداع. اعتزت بعرضه فاترينات المكتبات في وسط البلد. وأفردت له صفحات الجرائد والمجلات. ومساحات الفضائيات في برامج التوك شو. واستمعنا إلي كلمات مثل العبقري. والفلتة. والكاتب العالمي. وغيرها. أخشي أن نكون قد تحولنا جميعاً والظواهر كثيرة إلي مساعدين وهنا الحسرة! لفتوات الأجيال السابقة. أين فتوات الجيل الحالي؟