يبدو أننا لا نتعلم ابداً من التاريخ ودروسه الأليمة. وسيناء خير مثال علي ما أقول فأرض الفيروز التي اختلطت رمالها بدماء الشهداء تعيش حالة من الاهمال واللامبالاة وغياب الرؤية منذ عودتها إلي حضن الوطن قبل ما يقرب من ثلاثين عاما بفضل سياسات النظام السابق الذي حول بوابة مصر الشرقية إلي عمق استرتيجي للكيان الصهيوني بعد أن ظلت علي مدي تاريخها مقبرة للغزاة. تلك القطعة العزيزة علي كل مصري باعتبارها رمز كرامة وكبرياء الوطن فضلاً عن احتضانها لرفات الآباء والاجداد تم اختزالها في أغان تلهب الحماس علي طريقة "سينا رجعت كامله لينا ومصر اليوم في عيد" وتحول الأمر إلي سبوبة لأهل الفن والغناء ونسينا أو تجاهلنا المشروع القومي لتنمية تلك البقعة الفريدة ذات الأهمية الخاصة اقتصاديا وامنيا لاننا انشغلنا بمشروع آخر احتل قمة أولوياتنا خلال السنوات الأخيرة وهو كيفية نقل السلطة إلي وريث عائلة مبارك حتي لو تم ذلك علي حساب أمننا القومي ومستقبل الوطن!! المشروع القومي الذي تم وضعه في عهد الرئيس الراحل أنور السادات وسقط من الذاكرة طوال العقود الثلاثة الماضية تضمن حلولاً سحرية لكل مشاكلنا. فالمرحلة الأولي كانت تقتضي نقل ثلاثة ملايين مواطن لتعمير سيناء بمحافظاتيها عبر التوسع في الزراعة وانشاء سلسلة من المصانع والمشروعات السياحية والتعدينية للاستفادة من موقعها الجغرافي ومساحتها الشاسعة. تضمن المشروع خطة واضحة لمواجهة البطالة والزحام وانحسار الرقعة الزراعية وكان بمثابة استشراف لواقعنا الحالي المليء بالمشاكل والأزمات لكن تم تجميده طوال فترة حكم الرئيس السابق دون مبرر. مما يطرح سؤالا في غاية الخطورة والأهمية: هل كان ذلك مصادفة أم فصلاً من فصول خطة دولية تتطلب عدم تغيير الواقع علي الأرض قبل اتخاذ القرار الأصعب باعادة تقسيم سيناء؟! الخطة أو "المؤامرة" تناولها الشاعر الكبير فاروق جويدة في كتابه الرائع "اغتصاب وطن" حيث أشار إلي ان المركز الاسرائيلي "بيجين- السادات" أوصي في تقرير له باقتطاع جزء من سيناء لاقامة الدولة الفلسطينية ضمن صفقة دولية بدعوي أن الارض المحتلة لم تعد كافية لدولتي اسرائيل وفلسطين بسبب الزيادة المضطردة في عدد السكان. مدللا علي ان القضية تجاوزت مرحلة التخطيط ودخلت حيز التنفيذ باكتشاف حالة تحايل علي القانون- الذي لا يجيز للاجانب التملك بسيناء- بقيام احدي الشركات ببيع ألف وحدة سكنية لعدد من الاجانب في شرم الشيخ بمستندات مزورة. وأضم صوتي إلي صوت الشاعر الكبير في تساؤله عن مغزي شراء أجانب لوحدات سكنية في صحراء سيناء. بل ومخالفة القانون المصري بصورة فجة لتحقيق هذا الهدف.. الأمر يدعو إلي الشك والريبة. فبمثل هذه الطريقة الصهيونية ضاعت فلسطين ولا يجب ان نقف مكتوفي الايدي حتي يتم الانتهاء من مخطط بيع سيناء بنفس الاسلوب !! ملف سيناء شائك وبحاجة إلي المراجعة الجيدة والقراءة المتأنية اليوم قبل غد. فالخطر وشيك واسرائيل عودتنا أن احترام العهود والمواثيق لم يكن يوماً ضمن مفردات قاموسها المليء بالخيانة والمؤامرات والدماء.