في الحلقة السابقة من هذه المغامرة لكشف العالم الخفي لتجارة كناسة "مخلفات" شيبسي المصانع استطعنا التخفي وتقمص شخصيتي بائعة متجولة وشقيقها المستهتر الذي يساعدها للاسترزاق. وبعد معاناة ومشوار طويل من المتاعب الاندماج مع البائعين وسائقي التوك توك وإتقان دور البائعين تمكنا من الوصول إلي التاجر الكبير الذي يتولي جلب كناسة الشيبسي من مصانع الشيبسي الشهيرة في زكائب كبيرة وتخزينها في فيلا شاسعة بمنطقة شبرامنت بأبوالنمرس بمحافظة الجيزة ثم بيعها لتجار التجزئة بالكيلو الذين يقومون بدورهم ببيع هذا الشيبسي الفاسد لتلاميذ مدارس البدرشين وأبوالنمرس وما حولهما. وإذا تبقي شيء يبيعونه لمطاعم الفول والطعمية.. يشترون الكيلو من التاجر الكبير بأسعار تتراوح بين ستة وعشرة جنيهات للكيلو حسب نوع المخلفات "سليم" أو "كسر" أو "ناعم" ثم يبيعونه لتلاميذ المدارس في أكياس بلاستيك عادية بأسعار تبدأ من نصف جنيه. ويحققون أرباحا تصل إلي عشرين جنيها في الكيلو الواحد. ويكون إجمالي الأرباح في نهاية اليوم لكل بائع متجول لا يقل عن ثلاثمائة جنيه. وصلنا للتاجر الكبير واستطعنا اختراق السياج الأمني الموجود حول فيلته. دخلناها ورصدنا بالصورة والكلمة كل ما يوجد بداخلها ووصلنا في نهاية الحلقة السابقة لاستكمال رحلتنا في كشف أبعاد هذا العالم الذي ينقل أمراض السرطان والكبد والكلي والقلب لأبنائنا تلاميذ المدارس ولكل من يتعامل مع مطاعم الفول والطعمية دون أن يدروا حقيقة البطاطس التي يتناولونها في شكل سندويتشات شيبسي. بعد أن اكتشفنا من خلال سائق السيارة نصف النقل التي تنقل زكائب الشيبسي الفاسد "مخلفات المصانع" أنهم يحضرون هذه الزكائب من مدينة السادس من أكتوبر قررنا خوض التجربة للنهاية والذهاب إلي مصانع الشيبسي في هذه المدينة. وبعد عدة محاولات مع عدة مصانع وصلنا إلي أحد المصانع الشهيرة. وكانت الصعوبة في معرفة مواعيد حضور التجار لهذا المصنع لتحميل مخلفات الشيبسي "الكناسة" فطلبنا من بعض الأصدقاء من ساكني المنطقة مساعدتنا في الدخول لهذا المصنع لكن محاولاتهم باءت بالفشل. تنكر للمرة الثانية تنكرت للمرة الثانية في ملابس تاجرة ومعي زميلي الذي سيتولي تصوير ما يحدث متنكرا في ملابس تاجر مخلفات شيبسي. وضعنا خطتين لهذه المهمة.. الخطة الأولي سميناها "الخطة A" وهي انتحال صفة التاجرة ومحاولة دخول المصنع بدعوي شراء كمية من الشيبسي للإتجار فيه خاصة أن إحدي الشركات الكبري بالمنطقة الصناعية الرابعة بمدينة السادس من أكتوبر رفضت زيارتنا للمصنع بشكل رسمي للاطلاع علي مراحل الإنتاج بالداخل علي الرغم من أنني كنت قد زرت هذه الشركة منذ عام بدعوة منها للاحتفال بإطلاقها منتجا جديدا لها.. أما الخطة الثانية فهي "الخطة B" وتتمثل في محاولة التخفي ودخول المصنع أو تصوير السيارات وهي تحمل الزكائب التي وجدناها في فيلا التاجر الكبير. بمجرد أن وصلنا إلي بوابة المصنع كان رجال أمن المصنع في استقبالنا وأكدوا لنا أنهم لا يبيعون مخلفات وقالوا لي: "روحي شوفي مصنع تاني يبيع لك" وهذا طبعا لأنني وجه غير مألوف لديهم. ورفضوا دخولنا للمصنع. وحتي بعد أن ذكرت لهم أنني من طرف الحاج أبومحمد من أبوالنمرس وشبرامنت لكنهم أصروا علي الرفض حتي كاد الأمر يصل إلي التعدي علينا بالضرب. الخطة نجحت هنا قررنا اللجوء للخطة "B" وحضرنا في اليوم التالي بدون تنكر. تقمصت أنا دور المخبر وأخذنا سيارة الجريدة ونفذنا دورانا حول المصنع وخلال هذه الجولة وجدنا أعدادا كبيرة من سيارات النقل الثقيل المحملة بأجولة كثيرة من البطاطس من عدة محافظات لتوريدها للمصنع. فحمدنا الله لأن وجود هذه السيارات سوف يساعدنا علي القيام بما نريده نظرا لانشغال العاملين في المصنع بتفريغ هذه السيارات وإدخالها ثم إخراجها. توقفنا بعيدا عن البوابة الرئيسية للمصنع بعدة أمتار حتي لا يلحظنا رجال أمن المصنع الذين كانوا مشغولين في تمرير السيارات المحملة بالبطاطس. راقبت الموقف من داخل السيارة بينما نزل زميلي ومعه سائق سيارة الجريدة بحجة تناول وجبة الإفطار من علي عربة الفول الموجودة بجوار بوابة المصنع وهي العربة التي يتناول الإفطار عليها العمال والسائقون والتباعون بالمصنع. جولة حول المصنع تجول زميلي حول المصنع لمحاولة تصوير أي لقطة تفيد الموضوع.. وكان هدفها الوصول إلي سيارة نصف نقل أو حتي تروسيكل يقوم بتحميل زكائب وأجولة الشيبسي من مخلفات المصنع. وبعد جولتين حول المصنع لاحظت وأنا جالسة في السيارة زميلي يتهلل فرحا ويشير بيديه بعلامة النصر من بعيد وكأنه عثر علي ما نريد. ما هي إلا دقائق حتي عاد لي زميلي حاملا الدليل علي نجاح المهمة.. فأثناء تناول زميلي الإفطار علي عربة الفول كان يتناول الإفطار بجواره اثنان من العتالين الذين يعملون بالمصنع ويقتصر دورهما علي تحميل أجولة بيضاء من داخل المصنع علي سيارة تقف بالداخل بجوار البوابة الجانبية. وأخبراه بأنهما سيقومان بعد تناول الإفطار بتحميل سيارة نصف نقل بمخلفات الشيبسي. ظللنا لساعات منتظرين خروج السيارة التي بالداخل. وفجأة ظهرت سيارة نصف نقل "نقل جيزة" وثالثة "نقل الشرقية" وكان يقف علي إحداهما أحد العتالين اللذين تناولا الإفطار مع زميلي. خرجت السيارتان محملتين بالأجولة البيضاء التي تشبه الأجولة التي وجدناها في فيلا "أبومحمد" تاجر شبرامنت ولكنها مغطاة بالمشمع خوفا من سقوط الأمطار عليها. وما هي إلا دقائق حتي دخلت سيارتان أخريان ووقفتا في نفس المكان الذي كانت تقف فيه السيارتان اللتان خرجتا للتو محملتين بمخلفات الشيبسي. وصعدا فوقهما نفس العتالين وبدآ في تحميل زكائب وأجولة "كناسة الشيبسي". استطاع زميلي عن طريق الموبايل تصوير السيارات الداخلة "الفارغة" والخارجة وهي محملة بأجولة الشيبسي الفاسد وكذلك أثناء تحميل هذه الأجولة من داخل المصنع. جولة أخيرة اعتقدنا أن مهمتنا انتهت بالوصول لمصدر الشيبسي الملوث المنتشر بالأسواق وأمام المدارس الابتدائية في المناطق النائية التي تبعد عن أعين الأجهزة الرقابية. ولكن قررنا القيام بجولة أخيرة حول المصنع. ومن خلف الأشجار لمح العمال يقومون بحمل أجولة كبيرة علي سيارات حمراء وبيضاء تشبه تماما أجولة "أبومحمد" تاجر شبرامنت بالإضافة إلي تحميل بقايا البطاطس والبطاطس متناهية الصغر التي يتم تحميل بعضها وإلقاء البعض الآخر علي الأرض بجوار سور المصنع. المفاجأة كانت عندما وجدنا كاونترات كبيرة عليها أجولة ضخمة محملة بمخلفات الشيبسي وتزن بالأطنان في الجهة الخلفية للمصنع بجوار مكان تخزين المواد المضافة للشيبسي مثل مكسبات الطعم وتحركت إلي جهة غير معلومة بالإضافة إلي سيارات أخري تحمل أجولة مكتوب عليها "Scib" ومعبأة بطريقة غير صحية. وفجأة ظهر لنا أحد أفراد الأمن وسألنا: لماذا تقفون هنا؟.. قلنا: السيارة عطلانة والسائق ذهب لإحضار من يساعده. وفي هذه الأثناء عاد السائق فأخبر فرد الأمن أن السيارة كانت ساخنة وتحتاج للتبريد حتي تهدأ.. وهي الآن قد هدأت ويمكننا التحرك.. فانطلقنا عائدين إلي الجريدة بعد أن أمسكنا بأول خيوط المأساة.. بعد أن كشفنا آخر الخيط في حلقة الأمس. هذا دورنا أديناه. ويتبقي علي الأجهزة الأمنية والرقابية والصحية القيام بدورها فهل يفعلون؟.. نتمني ذلك.