لم تكتف مصانع إنتاج الشيبسي والمقرمشات بأرباحها من المبيعات في مصر والتي وصلت إلي سبعة مليارات جنيه العام الماضي فقط. بل وصل الأمر بها إلي أن تتلاعب بصحة وحياة أطفالنا وشبابنا وتبيع مخلفات "كناسة" إنتاج الشيبسي للتجار الذين يعيدون بيعها بأسعار أغلي أمام المدارس وفي الأسواق الشعبية ولمطاعم الفول والطعمية.. يحدث ذلك بعيدا عن أعين الضرائب والأجهزة الرقابية وفي النهاية تكون النتيجة شركات تحدث لها تخمة من الأرباح وشعب يزداد مرضا. بدأت القصة عندما تكرر ذهاب ابن بواب العمارة التي أقيم بها إلي الطبيب بسبب حالة من الإعياء الشديد وللأسف لم يتوصل أحد لسبب تلك الحالة وفي احدي المرات سألت أم الطفل يجب عليكي تغذية ابنك جيدا؟ فقالت: انه لا يستغني عن أكل الشيبسي يوميا عند ذهابه للمدرسة وبعد خروجه منها من عند "أم محمود" بائعة الشيبسي أمام باب المدرسة فاعتقدت في أول الأمر ان هذا الشيبسي الذي تحكي عنه مغلف ولكن زوجة البواب قالت انها في مرة اشترت كيلو شيبسي منها وأكله ابنها كله بمفرده وأن أم محمود هذه تحقق مكاسب كبيرة من بيع الشيبسي حتي انها زوجت ابنتها من عائد هذه التجارة التي بدأ يمارسها كل التجار مثل أم محمود. صحفية بالجريدة ارتدت ملابس بائعة .. وزميلها قام بدور شقيقها لتصوير المغامرة مصنع شهير ب "6 أكتوبر" يبيع المخلفات لتاجر كبير بشبرامنت تجار التجزئة يشترونها بالكيلو .. ويبيعونها لتلاميذ المدارس ومطاعم الفول الكيلو ب 6 جنيهات وصحفيا "المساء" حققا 300 جنيه مكسباً في يوم واحد فيلا "أبو محمد" تحولت إلي مخزن لكل أنواع الشيبسي الفاسد كميات كبيرة "مفروشة" علي الأرض تأكل منها الكلاب وتتبول عليها هنا أدركت ان الشيبسي ليس الشيبسي الذي خطر علي بالي من أول مرة فذهبت مع زوجة البواب لرؤية أم محمود هذه بائعة الشيبسي أمام المدرسة لأري بعيني وكانت الكارثة الكبري وجدت بائعة تجلس علي الأرض وأمامها جوال كبير من الشيبسي ورائحة نفاذة تخرج منه والذباب يكاد يسكنه لولا انها تقوم بهشه وتجلس أمام المدرسة منذ الصباح الباكر حتي خروج التلاميذ لتبيع لهم الشيبسي والمتبقي تبيعه لمطاعم الفول والطعمية. رأيت الأطفال يشترون منها الشيبسي لسد جوعهم بدلا من السندويتشات المنزلية وهنا تأكدت من سبب مرض ابن البواب الذي احتار فيه الأطباء. اقتربت من البائعة لأعرف منها قصة هذا الشيبسي.. في البداية رفضت "أم محمود" التحدث معي معتقدة انني مفتشة من الوزارة وبعد أن طمأنتها زوجة الباب بدأت أم محمود تتكلم.. قالت: المفروض ان هذا الشيبسي من مخلفات مصانع الشيبسي والمقرمشات نشتريها يوميا من تاجر كبير يشتريها بدوره من المصانع ليبيعها لنا بالكيلو ونقف يوميا أمام منزله في انتظار السيارات النقل المحملة بأجولة مخلفات الشيبسي ونشتريها منه بالكيلو ثم نجلس بها أمام المدارس والأسواق الشعبية بأبو النمرس والبساتين والمنيب لبيعها للتلاميذ ثم نبيع المتبقي لأسواق أخري ولمطاعم الفول والطعمية ويبدأ سعر الكيلو من 6 جنيهات بسعر الجملة ويصل إلي 10 جنيهات من التاجر الذي يشتريه من المصانع وبعدما نشتريه نضعه في أكياس بلاستيك صغيرة ونبيعه للتلاميذ بالمدارس بسعر يبدأ من 50 قرشا أقل سعر حسب رغبة التلميذ وامكانياته أو بالكيلو لمطاعم الفول والطعمية والربح يصل إلي 20 جنيها في الكيلو الواحد. قرار الاقتحام هنا قررنا اقتحام عالم تجارة مخلفات "كناسة" الشيبسي والمقرمشات بداية من كيفية الحصول علي هذه المخلفات وبيعه للتجار وتسويقها أمام المدارس والأسواق ومطاعم الفول والطعمية وكيف تخرج من المصنع حتي تصل ليد هؤلاء التجار مع العلم بأنه من المفترض ان يتم إعدام هذه المخلفات أو تحولها إلي علف حيواني واتفقنا مع البائعة علي أن توصلنا للتاجر الذي تشتري منه ولكنها رفضت في بداية الأمر ولم توافق إلا بعد أن طمأنتها زوجة البواب وتعهدت بأنها لن تضار في أي شيء. في اليوم التالي ذهبت ومعي زميلي الذي سيتولي تصوير المغامرة وتنكرت في زي بائعة مستجدة بالسوق وقام زميلي بدور أخي الصغير الذي أنفق عليه والمستهتر في حياته والذي يساعدني في العمل وارتديت عباءة سوداء وشبشب بينما ارتدي هو تي شيرت وبنطلونا متهالكين ليعبرا عن حالة شقيق بائعة في سوق. خرجنا بسيارة من الجريدة صباحا وتركناها عند أول طريق أبوالنمرس بالجيزة بعد الاتفاق مع سائق توك توك علي كل شيء وإعطائه العنوان وسار بنا التوك توك وسط الزراعات في مناطق بعيدة عن العمار ويطلق عليه طريق الجبل لعدم وجود منازل به كان الخوف يملؤنا لوحشة المكان وعدم وجود مارة بالطريق.. مررنا علي مجموعة من الفيلات ذات الطراز القديم جدا وسط الزراعات حتي وصلنا إلي العنوان المقصود بمنطقة "شبرامنت".. مدق ضيق يؤدي إلي فيلا كبيرة ذات مساحة شاسعة جدا بها مجموعة من السيدات والرجال يرتدون جلابيب ورفضوا دخولنا لأننا غرباء عنهم وممنوع الدخول إلا للذين يشترون منهم البضاعة فقط ولكن البائعة التي كانت ترافقنا أعطت لهم الأمان وأخبرتهم بأنها تعرفني في السوق وأنني جديدة وأريد أن أسترزق لأنني أعول أسرة وأخي الذي كان معي فكان ذلك جواز مرورنا لعالم مخلفات الشيبسي. مع صاحب الفيلا بمجرد دخولنا وجدنا كميات كبيرة من أجولة الشيبسي ملقاه علي الأرض وكميات من الشيبسي تم فردها في الشمس للتخلص من الرائحة الكريهة تأكل منها وتتبول عليها الكلاب.. وتوجد كميات كبيرة أخري في المخازن وفي حجرات خلفية للفيلا وميزان كبير لوزن الأجولة وقابلت الحاج "أبو محمد" صاحب الفيلا وتاجر الشيبسي وعرفت انه بني تلك الفيلا من أرباح الشيبسي ويمتلك أيضا الأراضي المحيطة بها.. سألني أبو محمد عدة أسئلة مثل أين أسكن؟ ولماذا اخترت تجارة الشيبسي؟ ومن الذي برفقتي؟ وأسئلة أخري كثيرة شعرت منها وكأنني أمام وكيل نيابة وفي استجواب رسمي فقلت له: من الآخر أنا عايزه استرزق لأني أعول أسرتي وأخي الذي يرافقني والذي لا يفارق تليفونه المحمول والمستهتر في حياته ونريد التجارة في الشيبسي لنعيش منها. نادي أبو محمد علي ابنه الأوسط ليصطحبنا للمخزن ونختار الجوال الذي نريده لوزنه وشرائه وقلت له أريد شراء كل الأنواع من الشيبسي حتي أستطيع دخول كل المخازن وأثناء ذلك اتفقت مع زميلي علي أن يجهز المحمول علي وضع التصوير وكأنه يلعب فيه أي لعبة وإذا لاحظ أحد أنه يصور نفتعل مشاجرة أنا وزميلي "أخي الأصغر" للخروج من هذا المأزق. جولة في المخازن بالفعل تجولت في كل مخازن الفيلا التي تقع في الدور الارضي كلها. كميات لا حصر لها من اجولة الشيبسي كل نوع له سعره حسب وزنه وجودته وهناك شيبسي ومقرمشات سليمة وهي الاعلي سعراً ونوع آخر ""نصف كسر" اقل سعراً يليه نوع كله كسر وسعره أقل من النصف كسر ثم الشيبسي الناعم وهو أرخص الأنواع ويلجأ التجار لخلطة مع الشيبسي الرخيص لزيادة وزنه. تجولت في كل المخازن بدعوي انني لم أجد النوع الذي أريده وقام زميلي بتصوير المخازن علي انه يلعب العاباً بالموبايل دون ان يدري أحد وعندما دخل ابن التاجر علينا المخزن افتعلت مع زميلي الشجار بأنه لايساعدني في حمل الجوال واشتكيته للتاجر "أبو محمد" الذي اختار بنفسه جوالاً صغيراً لاننا مستجدون بالسوق ولنعود له مرة أخري وطلب من "ابنه أن يزن الجوال والذي وصل إلي 10 كيلو جرامات بسعر 100 جنيه وحاولت الفصال معه ليتأكد انني تاجرة فرفض بشدة تخفيض جنيه واحدا ولكن نصحني نصيحة بأن اشتري جوال ناعم ارخص من النوع الذي اشتريته وعندما سألته من أين تشتري هذا الشيبسي نظر لي نظرة غضب وكأنني سألته عن سر من أسراره الشخصية لايجوز السؤال عنها ثم قال: "خدي بضاعتك وامشي لو عايزة نتعامل مع بعض تاني بلاش أسئلة كتير". وأثناء مكالمة لأبو محمد علي التليفون اتفقت مع زميلي ان يتحدث مع سائق السيارة النقل ويبدي رغبته في العمل معه تباعاً علي السيارة فوافق السائق واتفقا علي يومية 50 جنيهاً وأن يبدأ العمل الساعة الخامسة صباحاً علي أن يتوقع ان تكون هناك طلعة مفاجئة في أي وقت إلي مدينة 6 اكتوبر فعرفنا ان المصانع التي يتعاملون معها هي تلك الموجودة بالمنطقة الصناعية ب6 اكتوبر ولم يقل السائق أي معلومات عن موعد ذهابه أو من أي المصانع يشتري. خرجنا من الفيلا وركبنا التوك توك وبينما نحن في الطريق اخبرنا سائق التوك توك بأن أحد الصبية سأله عنا ومن أي منطقة ركبنا التوك توك معه فعرفنا اننا خضعنا لكشف هيئة واستعلام وأخبرهم سائق التوك توك بأننا مجرد زبائن ولايعرفنا. أمام المدرسة في اليوم التالي بعد ان أخذنا جوال الشيبسي ذهبت أنا وزميلي إلي احدي المدارس بنفس ملابس الأمس وجلسنا امامها وفجأة وجدنا التلاميذ وأهالي المنطقة حولنا بأعداد كبيرة يريدون الشراء وأسئلة لا تنتهي من بعض السيدات مثل: باين عليكم مش وش بهدلة..ايه اللي جابكم هنا؟ قلت انني أريد أن أعيش بالحلال وهذا أخي مستهتر ولايجد عملاً ويساعدني فنصحونا ببيع الشيبسي لانه مربح فردت احداهن: لا اله الا الله القيامة قامت يا ناس مش باين عليكم بياعين؟ وهنا كاد قلبي ينخلع من بين ضلوعي وقلت "اتكشفنا" ولكن يبدو اني صعبت علي تلك السيدات وبدأت في مساعدتي وعندما بدأ زميلي بالتصوير بالموبايل لمحه أحد شباب المنطقة وبدأ الشجار معه لانه يقوم بتصوير السيدات هنا بدأنا في تنفيذ خطتنا وهي ان نتشاجر معاً في حالة وجود خطر وبدأت اخطف منه الموبايل وانهره أمام الناس وأقول له: "كفاياك لعب بالمخروب ده" وعندما بدأ شباب المنطقة يتشاجرون مع زميلي تدخلت المرأة التي "صعبت عليها" من قبل ووجهت سيلاً من الشتائم لهؤلاء الشباب ودافعت عنا وقالت لهم "يبقي انتم والزمن عليهم حرام عليكم سيبوهم في حالهم". وهنا وجدت طوق النجاة وقلت لزميلي: "كفاية مشاكل اليوم يالا نمشي". في مطعم الفول والطعمية أثناء سيرنا كان يتبعنا بعض الشباب لشكهم في أمرنا ولكننا هربنا منهم وأخذنا باقي الكمية من الشيبسي وذهبنا لمطعم للفول والطعمية بأبو النمرس لبيع باقي الكمية وكانت المفاجأة ان أحد المطاعم أخذ منا كل الكمية دفعة واحدة ولكن بعد ان قام بفصال شديد علي السعر وفي النهاية بعنا كل الكمية وكان المكسب الاجمالي في نهاية اليوم يزيد علي 300 جنيه وعزم علينا صاحب المطعم بساندويتش فول وطعمية لفوزه بهذه الصفقة وطلب منا ان نأتي له يومياً بكميات أكبر وقبل ان أبيع جميع الكمية احتفظت بكمية صغيرة لأقوم بتحليلها في المعامل لمعرفة خطورة هذا الشيبسي. انتهي اليوم الثاني وقررنا ان نكمل المغامرة ونزور مصانع الشيبسي من الداخل وبالاتصال بأشهر مصانع الشيبسي لزيارة المصنع ومعرفة كيف تتم مراحل الانتاج وكيف تتم صناعة الشيبسي والتخلص من المخلفات رفضوا الحديث معنا. قررنا خوض المغامرة حتي النهاية مهما تكلف الامر وبالفعل وصلنا لهذا المصنع وعرضنا العينة التي معنا علي خبراء التحليل والتغذية الذين فجروا مفاجآت من العيار الثقيل ننشرها غداً ان شاء الله في الحلقة الثانية من هذه المغامرة.