في أحد المواقف أبدي أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه رأيه في بعض الأمور التي حدثت. وعندما وقعت أمور مشابهة تغير رأيه. وعندما سئل عن سبب هذا الاختلاف في الرأي؟ قال: هذا علي مانري وذاك علي ما رأيناه بمعني أن الرأي وابداءه ليس قالباً جامداً وإنما يتطور بتطورالوقائع والأحداث ومستجدات الأمور ووفقاً لظروف العصر ومقتضياته وطبيعة الناس في هذا العصر وهكذا تتعدد الأساليب ولغة الخطاب في اطار تلك المبادئ. وهكذا يكون الخطاب الديني متجدداً في أسلوبه مستوعباً ظروف البشر وطبائع عصورهم. ويتضح ذلك جلياً في ذلك الحوار الذي جري بين سيدنا محمد صلي الله عليه وسلم ومعاذ بن جبل حين بعثه والياً علي اليمن ليتولي كل شئون أهلها ودار الحوار علي النحو التالي: رسول الله صلي الله عليه وسلم: بم تقضي بين الناس إذا حدث لك قضاء؟ معاذ: بكتاب الله الرسول: إن لم تجد؟ معاذ: بسنة رسول الله. الرسول: إن لم تجد؟ معاذ: اتجهد رأيي ولا آلو؟ الرسول منشرح الصدر متهللاً وضرب معاذاً في صدره بكل ود ومحبة قائلاً: الحمد لله الذي وفق رسول رسول الله لما يحبه الله ورسوله. وهكذا كان هذا النموذج مثالاً آخر علي أن لغة الخطاب الديني لابد أن تكون جديدة مرتكزة علي قواعد التجديد والتحديث فما يحدث في عصر قد لا يتناسب مع لغة عصر آخر فالأيام تتجدد معها الوقائع والأحداث وقد كانت لغة الأدب من النماذج والأمثلة التي تؤكد هذه الحقيقة فشاعر العصر الجاهلي حين كان يصف المجوهرات علي صدر محبوبته كأن النجوم علي صدرها كالجمر المصطلي لأن النيران والجمر المصطلي هي الصفة واللغة السائدة في ذلك العصر. أما شاعر العصر المتقدم فيقول كأن النجوم علي صدرها قلائد ماس علي غانية. إنها لغة تتطابق مع حال المخاطب وما يحيط به. ويقول ربنا منبهاً لأهل العلم: "ادع إلي سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن" ونخلص من ذلك إلي أن الخطاب الديني لابد أن يتواءم مع مقتضيات العصر. إنها متدرجة وتيسر علي الناس حياتهم بلا تشدد أو تطرف وتتطابق مع مقتضي الحال أنها لغة تتواءم مع ظروف الواقع الذي يعيشونه. الثوابت تظل ثابتة لغة الخطاب هي التي تتغير. حقيقة إن تجديد الخطاب الديني مهمة تتطلب حركة فاعلة وسط كل فئات المجتمع.. وتلك هي مهمة العلماء خاصة من أبناء الأزهر في اطار من الاعتدال والوسطية والابتعاد عن التطرف والتشدد واستخدام لغة سهلة تتناسب مع طبيعة كل فئة كما يتطلب من العلماء النزول إلي مختلف التجمعات والتعرف علي كل ما يدور بينهم من تساؤلات والاجابة عليها في اطار من الفهم الصحيح لآراء الفقهاء وأن يكون التواضع والحكمة والمجادلة بالكلم الطيب هي لغة الحوار. وليكن أمام هؤلاء العلماء ادراك بما يقوله الأدعياء في لقاءاتهم مع مختلف الفئات.