أراد الله من خلقه الصلاح والإصلاح وذلك لخير أنفسهم فهو لا يحتاج إلي أحد والخلق كله في حاجة دائمة إليه سبحانه وقد قام كون الله تعالي الفسيح علي قوانين وقواعد ثابتة لا تتخلف فليس بمقدور أحد من البشر أن يغير هذا النظام الكوني الذي حكم الله به. ولله تعالي سنن أمضاها وأبقاها في كونه تجري علي خلقه وهي السنن الربانية وهي كثيرة منها علي سبيل المثال: سنة إخراج الكافرين للأنبياء من ديارهم قال تعالي: "وإن كادوا ليستفزونك من الأرض ليخرجوك منها وإذا لا يلبثون خلافك إلا قليلا سنة من قد أرسلنا قبلك من رسلنا ولا تجد لسنتنا تحويلا" "الإسراء: 76. 77". وفي الحديث الشريف عندما ذهب النبي صلي الله عليه وسلم إلي ورقة يخبره بما رأه فقال له ورقة: هذا الناموس الذي نزل علي موسي يا ليتني فيها جذعا -أي شابا قويا- يا ليتني أكون حيا حين يخرجك قومك قال رسول الله صلي الله عليه وسلم "أومخرجي هم" قال نعم لم يأت رجل بمثل ما جئت به قط إلا عودي وإن يدركني يومك أنصرك نصرا مؤزرا" متفق عليه. وهناك سنة الابتلاء والفتنة وهي سنة عامة لا تقتصر علي الظالمين والمفسدين وإنما تشمل الصالحين والأبرار فالدنيا في أصلها دار ابتلاء وعمل قال تعالي: "الذي خلق الموت والحياة ليبلوكم أيكم أحسن عملا وهو العزيز الغفور" "الملك: 2" وقال: "إنا جعلنا ما علي الأرض زينة لها لنبلوهم أيهم أحسن عملا" " الكهف: 7" وقال: "وبلوناهم بالحسنات والسيئات لعلهم يرجعون" "الأعراف: 168". ونري كذلك سنة الصراع الأبدي بين قوة الحق وقوة الباطل وهي جارية علي إقرار الحق وإزهاق الباطل مهما طال الصراع قال تعالي: "ويمح الله الباطل ويحق الحق بكلماته إنه عليم بذات الصدور" "الشوري: 24" وقال: "ويريد الله أن يحق الحق بكلماته ويقطع دابر الكافرين ليحق الحق ويبطل الباطل ولو كره المجرمون" "الأنفال: 7-8". ويترتب علي السنة السابقة سنة أخري وهي سنة انتصار أهل الصلاح والإعمار من المؤمنين علي أهل الإفساد والتدمير من المعاندين المتكبرين الكافرين حتي يندحروا مهزومين "ولو قاتلكم الذين كفروا لولوا الأدبار ثم لا يجدون وليا ولا نصيرا سنة الله التي قد خلت من قبل ولن تجد لسنة الله تبديلا" "الفتح: 22. 23". ويوازي ذلك سنة عقاب المستكبرين والماكرين المفسدين في الأرض فإن الله تعالي لا يدع الظالم يفلت بظلمه ويمر بجرمه آمنا. قال تعالي: "استكبارا في الأرض ومكر السييء ولا يحيق المكر السييء إلا بأهله فهل ينظرون إلا سنة الأولين فلن تجد لسنة الله تبديلا ولن تجد لسنة الله تحويلا" "فاطر: 43". وقد تكون سنة الله في أمره الشرعي كما أمر نبيه بالزواج من طليقة ابنه بالتبني زيد بن حارثة وكان التشريع الجاهلي عند العرب يحرم هذا فأمر الله نبيه وهو رأس قيادة الدين بفعل ذلك حتي يكسر هذا التشريع البائد في قلوب العرب فقال تعالي: "وما كان علي النبي من حرج فيما فرض الله له سنة الله في الذين خلوا من قبل وكان أمر الله قدرا مقدورا" "الأحزاب: 38". وغير ذلك الكثير من تلك السنن التي لا تتخلف ولا تبدل بل هي ماضية بأمر الله وقدره قال تعالي: "سنة الله في الذين خلوا من قبل ولن تجد لسنة الله تبديلا" "الأحزاب: 62" وقال: "استكبارا في الأرض ومكر السييء ولا يحيق المكر السييء إلا بأهله فهل ينظرون إلا سنة الأولين فلن تجد لسنة الله تبديلا ولن تجد لسنة الله تحويلا" "فاطر: 43". وقال: "سنة من قد أرسلنا قبلك من رسلنا ولا تجد لسنتنا تحويلا" " الإسراء: 77" وقال سبحانه: "ما كان علي النبي من حرج فيما فرض الله له سنة الله في الذين خلوا من قبل وكان أمر الله قدرا مقدورا" "الأحزاب: 38". ومن تكرار تلك الآيات وبمشاهدة الحس نجد أن سنن الله سبحانه وتعالي تتسم بالثبات وباطرادها عبر الزمان والمكان فهي لا تتغير ولا تتبدل وتلك السنن الإلهية بثباتها واستقرارها كونت فطرة الله التي فطر الناس عليها وكانت جزءا من مكونات عقل المسلم تساعد في التعامل مع الكون وفهمه وتتضح سنن الله الكونية من مطالعة كتاب الله المسطور "القرآن الكريم" فهو دليل التعامل مع كتاب الله المنظور "الكون" وكتاب الله المنظور هو برهان الإيمان بكتاب الله المسطور فكلا الكتابين لا غني عنه في الوصول إلي رب العالمين وبلوغ سعادة الدارين.