ألبست مجموعة من الشباب ملابس الكشافة وصففتهم علي جانبي طريق صحراوي خال . وركبت سيارة مكشوفة . تقدمني راكبو الموتوسيكلات . وقفت في السيارة ورحت ألوح للجماهير الغفيرة التي تزاحمت علي الطريق . وأمرت راكبي الموتوسكيلات بتهدئة سرعتهم لأستطيع تحية الجماهير . همس في أذني أحد مرافقي: ليس هناك جماهير علي الطريق. بغيظ نظرت إليه "حاقد . الكلاب تعوي والقافلة تسير". فور الإعلان عن قرب التغيير الوزاري . جمعت أوراقي الهامة . صورة كارنية الحزب . وصورة كارنية رئاسة لجنة الشباب وصورتي خلف رئيس الحزب وهو يستقبل أحد الوزراء . وعدة أخبار بها اسمي منشورة في بعض المجلات والجرائد . وكتبت موجزاً عن تاريخ حياتي . وبينت فيها أنني أمضيت عشرين عاما هاتفاً ومصفقاً في كل اجتماعات وندوات الحزب. قبعت في المنزل وعيناي وأذناي تراقب التليفون . وضعت أمي أطباق الفول وأقراص الطعمية أمامي . سألتها إن كان رئيس الوزراء أو رئيس الجمهورية أو رئيس الحزب قد اتصلوا بي. نظرت إلي صورتي وأنا طفل بملابس الضباط ويدي قابضة علي البندقية . كان أبي يريدني أن أكون ضابطاً . ورحت أقلب في محطات الإذاعة . وقنوات التليفزيون وأتصفح الجرائد والمجلات . اجتاحني الفرح وأنا أقرأ تصريحاً لرئيس الوزراء: "سأختار معظم وزرائي من السياسيين الشباب ذوي الخبرة السياسية والحزبية". حلمت بحفلة آداء اليمين الدستورية أمام رئيس الجمهورية وسيل التهاني من الأقارب والزملاء والجيران ورنين التليفون الذي لم يتوقف طوال النهار والليل والصورة المنشورة لي مع زملائي الوزراء في كل الصحف والمجلات المصرية والعربية ونشرات أخبار التليفزيون والقنوات الفضائية. عكفت شهوراً علي كتابة قصة حياتي وقد اضطررت أن أعلن عن كتابي علي جدران المنازل في الشوارع والحواري خصوصاً في الحي الذي أسكن فيه وسميت كتابي "حياة زعيم الشباب" وقد فوجئت بأن الكتاب لم يوزع سوي عشر نسخ فقط . يبدو أن أعدائي قد نصحوا القراء بعدم اقتنائه. ألحت أمي علي بالزواج متعللة ببلوغي الأربعين نظفت بدلتي الوحيدة . وأوصيت الكواء بها . ومسحت حذائي وذهبت إلي منزل رئيس الحزب وطلبت يد ابنته. نظر الرجل إلي بدهشة. - ماذا تعمل .؟ ارتفع صوتي كأنني أخطب في اجتماع حزبي ولوحت بيدي - أعمل رئيس لجنة الشباب في حزبكم .. وسأكون يدك اليمني وإن شاء الله بعد مصاهرتكم لن تضن علي بمنصب سكرتير الحزب أو أمينه العام. انتفض الرجل واقفاً كأن ثعباناً لدغه. - ابنتي مخطوبة أوصلني إلي الباب . أشرت إلي اسمي المكتوب في إحدي الصحف ضمن أخبار الحزب . وأريته كفي المصبوغتين بالأحمر من كثرة التصفيق وصوتي المبحوح من الهتاف ونزلت علي الدرج بثقة وأنا أهمس لنفسي : "لقد ضاعت من رئيس الحزب فرصة ذهبية سيندم عليها طوال حياته. مات وزير الصناعة فجأة . ارتديت رباط عنق أسود وهرولت إلي جامع عمر مكرم . ووقفت مع المعزين . ابتسمت لرئيس الوزراء وصافحت مندوب رئيس الجمهورية . أخرجني أحد ضباط الأمن من نشوتي وسألني. - من أنت؟ أخبرت زملائي وزميلاتي وأصدقائي أنني سأقيم ندوة أسبوعية . رحت أتكلم فيها عن تاريخ حياتي وشرحت نظريتي الجديدة لتصحيح مسار السياسة المحلية والعالمية . واقترحت عليهم تأليف حزب جديد ودعوتهم للانضمام إليه . بعد أن أكلوا الحلوي وشربوا المرطبات . صفقوا كثيراً وهتفوا بحياتي.!!!