حسناً فعل الأزهر حين نظم مؤتمراً لمواجهة الإرهاب والفكر التكفيري.. وقد كان من الأهمية بمكان أن هذا المؤتمر جاء في الوقت المناسب حيث اتساع فجوة الاختلافات والانقسامات وتشعب الأفكار بين متطرف ومعتدل.. الأكثر أهمية أن اللقاء جاء بموافقة ومباركة جميع المصريين.. مسلمين وأقباطاً.. نسيج واحد علي مدي التاريخ.. لا تعصب. حياة مشتركة.. تميز منفرد بين سائر المجتمعات. المسلم أخو المسيحي ولكل اتباع الديانات السماوية الأخري. جميل جداً أن نري كلمات لفضيلة الإمام الدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر وقداسة البابا تواضروس الثاني بابا الإسكندرية وبطريرك الكرازة المرقسية.. كلاهما يعبِّر عن وحدة الرأي والهدف في مواجهة الفكر المتطرف أياً كان مصدره.. روح الوحدة والتفاؤل بين هذا النسيج الواحد تجعلنا نتطلع إلي الأمام وأن موجة التطرف والتكفير سوف تنحسر.. وسوف يعود الاستقرار وتتحقق الطمأنينة رغم أنف دعاة التطرف واستغلال الفكر التكفيري للقفز علي السلطة واتخاذ التدين ستاراً لتحقيق هذا الهدف. حقيقة لقد صدعنا دعاة هذا الفكر من جماعات الإسلام السياسي بدعواتهم المشبوهة وإيثار مصالحهم الشخصية علي مصلحة الإسلام في سبيل أطماع دنيوية زائلة رغم هدف المسلم الحق هو العزوف عن المطامع الشخصية وتحقيق الغرض الأسمي في سعادة الأمة والمجتمع بكل طوائفه وفئاته. ومما يثلج الصدر أن ممثلي 120 دولة قد أكدوا وقوفهم مع أبناء مصر صفاً واحداً في مواجهة التطرف والإرهاب وجاءت كلماتهم معبرة عن هذه الأهداف المشتركة. في نفس الوقت لقد جاء البيان الذي صدر عن هذا المؤتمر ليؤكد براءة الإسلام والمسيحية من العنف والتطرف والقتل ونشر الفزع والرعب في نفوس الآمنين بالمجتمع وقد أوضح البيان حقيقة مفاهيم الجهاد والحاكمية وموقف علماء الإسلام من هذه المفاهيم بالإضافة إلي تغيير المنكر والولاء والبراء وبطلان مزاعم وفتاوي التكفيريين الدخيل علي الإسلام علاوة علي مطالبة وسائل الإعلام الغربية بالتوقف عن وصف الإسلام بالإرهاب وفضح الإرهاب وصانعيه. ومما يؤكد وحدة الرأي والهدف ما أشار إليه البابا تواضروس من أن المسلم يتعبد في المسجد والمسيحي في الكنيسة وأن رسالة الإنسان في الحياة هي العيش بسلام والحفاظ علي المعتقدات وأن الأقباط والمسلمين صنعوا تاريخاً مشتركاً يتضح ذلك بجلاء خلال مسيرتهم معاً وقد جاءت مشاركتهم في نصر أكتوبر أبلغ دليل علي ذلك المسلم بجانب المسيحي لا فرق ولعل كلمات الراحل البابا شنودة تعبِّر عن ذلك بجلاء: "فقد أشار إلي أن مصر ليست وطناً نعيش فيه بلا وطناً يعيش فينا".. فهل بعد ذلك من توضيح. كما جاءت كلمات رؤساء الكنائس الشرقية والممثلين عن بعض الطوائف الأخري مؤكدة علي القواسم المشتركة بين بني الإنسان وواجب المجتمع في مواجهة التنظيمات الإرهابية. علي صعيد آخر فقد جاءت كلمات ممثلي الوفود من الحكماء وأهل الفكر لتؤكد تضافر الجميع لإيجاد منهج سليم إزاء حتمية الاختلاف التي هي إرادة الله "ولو شاء ربك لجعل الناس أمة واحدة ولا يزالون مختلفين. إلا من رحم ربك"هود: 118 119 . كما أكد علماء لبنانونيجيريا والمغرب علي ضرورة الوقوف في مواجهة التنظيمات الإرهابية التي تتخذ من الدين ستاراً وبالتالي تمنح أعداء الإسلام الفرصة لهدم الدين الحنيف من الداخل. وقد طالب الدكتور إبراهيم صالح الحسيني مفتي نيجيريا بضرورة نشر المفاهيم الصحيحة وإبداء النصح لمن يقف وراء تلك الجماعات قد وصف تنظيم "داعش" بالبغاة لادعائهم الخلافة الإسلامية وهم محاربون وقد أشاعوا الفوضي والفساد وهتك الأعراض وقتل النفس ثم انتهوا إلي تكفير الأمة فتحقق في جانبهم الحرابة والبغي موضحاً أنهم اشد تطرفاً من بدعة الخوارج. ومما يسترعي الانتباه أن الوفود المشاركة علقت آمالاً كبيرة علي الأزهر ومؤسساته في مناهضة الأفكار المتطرفة ونشر سماحة الدين الحنيف والتأكيد علي بطلان دعاوي الإرهابيين بوجوب تغيير المنكر باليد وفتاوي الولاء والبراء وتكفير المسلمين مؤكدين أن تغيير الفكر باليد هي مهمة مؤسسات الدولة وليس من شأن الأفراد كما طالبت الوفود بضرورة أن ينهض المسئولون بدورهم في الإصلاح وأن التخلي عن هذا الدور يصيب المجتمع بالفساد لذلك يجب تصدي أولي الأمر لهذه الأفكار ومخاطرها وإظهار الخطاب الديني بعيداً عن أي شحن طائفي يهدد نسيج المجتمع الواحد. كما أهابوا بالمسئولين عن المساجد والكنائس التمسك بتحقيق الأهداف الإنسانية مع الالتزام بخط الوسطية والاعتدال. ولا شك أن هذا الإجماع من جانب الوفود المشاركة علي ضرورة مواجهة الفكر المتطرف مما يضاعف مسئولية الأزهر ومؤسساته في المرحلة القادمة لنشر قيم الإسلام الوسطية.