ثمة رموز مهمة. وجدت فيها المثل الذي أرنو إليه. أو أتمني بلوغه: جمال حمدان. سيد عويس. أحمد بهاء الدين. نجيب محفوظ. يحيي حقي. وغيرهم. فتحي رضوان من بين هؤلاء. ولعله في مقدمتهم. نتحدث عن الطهر والنقاء والشفافية والوطنية المجردة. تختلط الشعارات والأفعال. فيغيب المعني الحقيقي. أدين لهم كما لرموز أخري في العالم. تاريخية ومعاصرة بالأستاذية. بالاقتراب الشخصي أحيانا. وبالقراءة ومتابعة الأقوال والأفكار والتصرفات أحيانا أخري. أحببته قبل أن ألتقيه. مثلت لي كتبه زادا وزوادا. تعدد كتبه. وتنوع موضوغاتها. أتاح لي حصيلة معرفية. ربما لم أحصل عليها من مجموعة كتاب: كتب في السيرة الذاتية. السيرة الغيرية. والتراجم. والرواية. والقصة القصيرة. والمسرحية. والتاريخ. والدين. والسياسة. وعلم الاجتماع. بالإضافة طبعا الي الكتابات السياسية. كانت زيارتي الأولي لمكتبه في 1985. وكانت في الوقت نفسه بداية صداقة جميلة. وإن لم يتح لها الموت أن تستمر طويلا. مات فتحي رضوان بعد ثلاثة أعوام بما صدمني. كانت العافية تملأ جسده وكلماته. والتوقع السييء أمر مستبعد. لم تداخلني في مجلسه رهبة كتلك التي عانيتها. وأنا ألتقي للمرة الأولي شخصيات مهمة. أضاف الي زادي وزوادي في تتلمذي علي فتحي رضوان. المفردات التي شكلت منهجيته ورؤيته للناس والأحداث: طفولته في حي السيدة زينب. إبان ثورة 1919. مشابهة لطفولة نجيب محفوظ في الثورة نفسها. يذكرها بعيني طفل: المظاهرات. وعساكر الانجليز. ونموت ويحيا سعد. والاستقلال التام والموت الزؤام. وبلادي بلادي.. لك حبي وفؤادي. متابعتي لتاريخه النضالي. منذ انضمامه الي الحزب الوطني. علي مباديء مصطفي كامل ومحمد فريد ومصطفي الوكيل وثورة 1935. ثم خروجه منه. ليؤلف الحزب الوطني الجديد. بمواقفه السياسية المعارضة لكل ما هو زائف ومضلل. أتأني صوته علي الهاتف هادئا وودوا وطيب. رحب بفكرة اصدار مقالات له عن عبدالناصر في كتاب عنوانه "72 شهرا مع عبدالناصر" أتاح لي قراءتها عملي الصحفي في منطقة الخليج. تابعت المقالات في جريدة "الأيام" البحرينية. بدت فصولا في كتاب متكامل. جوانب خفية من حياة عبدالناصر. وعلاقاته بالآخرين من خلال عملهما المشترك في مجلس الوزراء. عبدالناصر رئيسا. وفتحي رضوان وزيرا للإرشاد القومي. أزمعت أن أجعل من "كتاب الحرية" الذي توليت رئاسة تحريره حدثا في حياتي. وإضافة الي المكتبة العربية. بادرني وهو يتصفح المقالات كيف عثرت عليها؟.. هذه مقالات قديمة لا أذكرها! قلت: هي فصول كتاب يختلف عن كل ما صدر عن عبدالناصر. طلب مهلة للقراءة. ثم جاءني صوته بعد ثلاثة أيام علي الهاتف: أذنت لنفسي أن أكتب مقدمة أجدها ضرورية للكتاب. صدرت الطبعة الأولي من الكتاب في "كتاب الحرية". ثم عثرت علي فصل يضم لقاء انسانيا بين عبدالناصر وعمه خليل. أهديته الي الصديق مصطفي نبيل رئيس تحرير "الهلال" آنذاك. فأصدره في طبعة ثانية. ثم أصدرت الطبعة الثالثة دار نشر أخري. لم تكن زيارتي الأولي لفتحي رضوان هي الأخيرة. حرصت علي صداقته وأبوته. ورجعت اليه في الكثير مما كان يشغلني من أحداث تاريخنا المعاصر.