عندما تولي محمد علي باشا حكم مصر عام ..1805 ووضع نصب عينيه الاهتمام بالعمل وتنمية الإنتاج باعتبارهما ركيزة مهمة لتقدم البلاد.. وبينما كانت سياسته تقدم علي التوسع في شبه الجزيرة العربية وأفريقيا وبلاد الشام واهتم أيضاً بإقامة المصانع وحفر الترع وشق الطرق وإدخال الاصلاحات علي نظام الحيازة الزراعية وإنشاء الدواوين والمصالح الإدارية والاهتمام بالموظفين. جاء هذا الاهتمام بعد ان كانت مصر تعيش في أسوأ الأوضاع الاقتصادية في أعقاب الاستعمار الفرنسي وحكم المماليك. شمل اهتمام الباشا بالعمل الاهتمام بقاعدة الثواب والعقاب.. فمن يجيد يحصل علي مكافآت ومن يهمل أو يرتكب إثماً في عمله يعاقب. تنوعت العقوبات بين العقوبة المادية التي يعاقب من يتهم بأي جريمة أو مخالفة في العمليات الإدارية سواء في إطار سوء الإدارة أو السرقة أو الاختلاس واعتبر هذا النوع من العقاب وسيلة لمنع الموظفين من ارتكاب الجرائم أو المخالفات وأيضاً لدفعهم إلي الاهتمام والتدقيق في العمل. وكان هناك نوع آخر من العقوبة هو الحبس الإداري وفيه كان يتم حبس الموظف في محل عمله حتي يتم الانتهاء من أعماله المتأخرة أو عقاباً له علي التكاسل والإهمال.. وقد أمرت الجمعية الحقانية بحبس عدد من كبار الموظفين في شهر ديسمبر 1843 لمدد تتراوح بين نصف الشهر والشهر في محال عملهم لإهمالهم في تقديم الميزانية. أما حالات الرشوة والاختلاس فكانت العقوبة تصل إلي السجن وكان الموظفون يقومون خلال فترة الحبس بالعمل في الاشغال العامة كنقل الأتربة بالمصانع. كذلك قرر محمد علي فرضه عقوبة بدنية مثل الضرب ويروي نوبار باشا الذي عمل سكرتيراً لمحمد علي باشا ثم أصبح رئيساً للوزراء في عهد الخديو إسماعيل أن محمد علي باشا قام بزيارة للبحيرة واجتمع بعدد من الشيوخ ولاحظ وجود مساحة كبيرة من الأرض وسأل الشيوخ: هل يمكن زراعتها؟ أجابوا: نعم ويمكن زراعتها أرزاً.. ورحب محمد علي بكلام الشيوخ علي أساس أن تنتهي الزراعة بعد 6 أشهر ووعدهم بأنه سيمر عليهم بعد هذه المدة.. لمشاهدة الأرض وبها محصول الأرز. ولكن الشهور مضت والشيوخ لم يفعلوا شيئاً ولم يزرعوا الأرض اعتقاداً منهم بأن الباشا لن يمر عليهم.. ولكنه قام بالفعل بعد مرور هذه المدة بزيارة المنطقة.. ووجد الأرض كما هي بدون زراعة فما كان من الوالي إلا أنه أمر بمد الشيوخ وأعطاهم علقة ساخنة علي أقدامهم. وهكذا كان الاهتمام بالعمل في عهد محمد علي باشا.. لقد اعتبره أساس تقدم مصر.. وبدون العمل الجاد.. وهذا هو واقع مصر حالياً فقد مرت البلاد بعصر ضاع بين الاهتمام بالعمل وحل بدلاً منه الإهمال والتراخي والاعتماد علي الغير في حل المشاكل.. وبعد 30 يونيو انطلقت صحوة جديدة تقوم علي العمل والعمل الجاد والذي بدونه لن تقم لمصر قائمة ولن نستطيع الوصول إلي أدني مستوي من المستويات الذي يطمح فيه المجتمع المصري.. وكما قال رئيس الوزراء ان الحل الوحيد أمام مصر هو العمل وهو التحدي الحقيقي لبناء اقتصاد قوي.. حقيقة إنه تفكير كل عصر.