ذهب محمد علي باشا والي مصر وذات مرة.. إلي مديرية البحيرة ليتفقد أحوال الرعية.. فاجتمع بمجموعة من المشايخ والأعيان وتحدث معهم في أمر مساحة من الأرض تقدر بنحو 500 فدان غير مزروعة.. وسألهم ماذا تقترحون للاستفادة بهذه الأرض.. قالوا إنها صالحة لزراعتها بالأرز.. واستحسن الوالي هذا الاقتراح وسألهم: هل تستطيعون فعلاً زراعتها.. قالوا بكل تأكيد وسألهم مرة أخري.. وكم من الوقت يلزمكم لزراعتها.. ردوا عليه بكل ثقة: ستة أشهر ورد عليهم الباشا قائلا: حسنا سأمر عليكم بعد هذه المدة التي حددتموها لأري ماذا فعلتم.. وانصرف محمد علي باشا بعد أن حصل من الشيوخ والأعيان علي وعد بزراعتها خلال هذه المدة.. ومرت الأشهر الستة.. وفوجئ الشيوخ بزيارة الباشا لهم.. وكانت مفاجأة أيضا له إذ وجد الأرض كما هي.. لم تزرع.. وهنا أمر محمد علي بمد الذين وعدوه علي أرجلهم "بالفلكة". ومرة أخري اشتكي له بعض الأهالي من تعطل أعمالهم في مصلحة من المصالح وأن أشغالهم تتعطل لدي الموظفين.. حيث يتكاسل الموظفون ويتقاعسون عن تنفيذ الأعمال الموكلة إليهم. وبناء علي هذه الشكاوي أصدر محمد علي باشا لائحة لعقوبات كل من يتكاسل ويتقاعس عن أداء عمله ومن بين هذه العقوبات عقوبة "الحبس في المكتب" أي يظل الموظف في مكتبه يعمل ولا ينصرف إلي بيته طوال مدة العقوبة التي كانت تتراوح بين أيام وثلاثة أشهر. أما إذا تهور البعض وتظاهر وحاول عدم إطاعة الأوامر والتعليمات فإن الشنق هي العقوبة التي تنتظره.. كما حدث عندما ثار بعض أهالي الإسكندرية احتجاجاً علي صدور حكم بالإعدام علي أحد المواطنين.. فقام قائد الشرطة بإبلاغهم أنه في حالة عدم انصرافهم.. فسيتم شنقهم وهكذا كان محمد علي يتصرف مع الرعية.. لم يكن هناك تهاون في أي شيء.. ومن هنا استتب الأمن خاصة وقد عاني المصريون كثيراً من الفوضي وعدم استتباب الأمن قبل مجئ محمد علي أي أثناء حكم المماليك. بصراحة تذكرت كل هذه الوقائع التي ذكرها لنا التاريخ.. لأقارن بين ما كان محمد علي يفعله وما يحدث الآن.. من فوضي ضارية.. أبطالها عصابة تخطف طفلاً وتطلب فدية.. ملثمون يخطفون رجل أعمال.. حرامية يسرقون سيارة ثم يتصلون بصاحبها للحصول علي مبلغ كبير من المال مقابل إعادتها له.. وغير ذلك من الحوادث الذي لم يكن المجتمع يعرفها.. ولا يدري أحد إلي متي ستستمر هذه الأحداث الفوضوية.. والغريبة عن مجتمعنا.. والحقيقة أن أخطر ما في الفوضي التي تشهدها مصر حالياً وأكثر غرابة هو حادث خطف المجندين السبعة الذين تم تحريرهم مؤخراً. المهم نحن نعلم أن الزي العسكري له احترامه وأن أي مواطن يعتدي علي "زرار" جاكت عسكري يعتبر جريمة.. فما بال الاعتداء علي الإنسان نفسه بزيه العسكري كله.. الحقيقة أن التحقيقات يجب أن تمتد إلي أسلوب الخطف وكيف تمت العملية خصوصاً أن الخاطفين قاموا بإنزالهم من الميكروباص أمام ركاب آخرين وقائد السيارة.. أمر غريب بالفعل أن يحدث هذا في وقت تقوم فيه الأقمار الصناعية بتصوير كل شبر علي أرض مصر بحيراتها وأنهارها وصحاريها.. هذه الأقمار فيما أعلم تسجل كل حركة.. وأكاد أقول إنها تلتقط كل إشارة.. وبالتالي فإن أصغر بيت في أضيق زقاق.. تظهره الأقمار وبالتالي فإن كل جبال سيناء وهضابها ووديانها بل وكل دروبها تسجله الأقمار.. ولهذا هل يمكن بعد ذلك أن نراقب حركة الأقمار الصناعية وهي تدور فوق أرضنا حتي نقي البلاد ونقي أنفسنا شر الأوغاد والإرهابيين. بصراحة يبدو أننا في حاجة إلي اتباع أساليب محمد علي باشا لعودة الانضباط والأمن المفقود.