هذا الكتاب هو الجزء الأول من ثلاثة أجزاء لكتاب واحد موضوعه محاولة علمية لتقصى أسباب سلوكيات مرضية تسود المجتمع المصرى حكاماً ومحكومين، تمثلت فى تراث سيئ تراكم خلال أكثر من ألف وثلاثمائة عام من القهر والإذلال وليس البحث فى هذا بهدف جلد النفس أو إسداء النصح، فلا نحن مرضى حتى نفعل الأولى ولا نحن لدينا الأمل الذى يجعلنا نرجى النصح.. هكذا قال ممدوح الغالى على الصفحة الأخيرة من كتاب «تراث العبيد فى حكم مصر المعاصرة» للمؤلف «404» حسب الكتاب وإن كان البعض يرى أن مؤلف هذا الكتاب ربما يكون عالم الاجتماع الراحل الدكتور عبدالباسط عبدالمعطى. مواجهة المجتمع دون مواربة أو خوف تصبح فريضة واجبة على من يشتغلون بعلم التاريخ الاجتماعى الذى ينتمى هذا البحث إليه ولعله أول إسهام فى هذا السبيل، فنحن متدينون لكننا نفرغ الدين من محتواه ولدينا قيم خلقية هى شعارات ومأثورات دون أن يتبدى هذا فى سلوكنا - حسب مقدمة ممدوح الغالى- الذى يرى أن بعضًا من تراث العبيد أننا نقاسى من الطغاة لكننا نصنعهم ونرمى الآخرين بالفساد والانحلال ولا نتوقف أمام فسادنا، حيث إننا أمة تنصاع للقانون ولا تفوت فرصة لاختراقه ونهتف لطغاتنا فى حاضرهم ونلعنهم بمجرد الرحيل، نخاف بعضنا ولا نخاف الله «نخاف منختشيش»!. تراث العبيد فى حكم مصر المعاصرة إذا صح ما ذكره بعض الباحثين نقلاً عن د. أيولون D.ayolon فى كتابه عن المجتمع العسكرى المملوكى Mamluk military تبين أن استخدام المماليك بدأ منذ العصر الأموى فإن عمقهم التاريخى فى منطقتنا العربية يوغل أبعد مما قدرنا. وقد استخدم الفاطميون أيضاً المماليك «العبيد البيض وغير البيض» فى حكم البلاد، وليس لدينا احصاءات دقيقة عن أعداد المماليك «العبيد البيض» الذين استقروا فى مصر منذ القرن العاشر للميلاد، حتى القرن التاسع عشر، لكننا سنحاول فى دراسة قادمة إن شاء الله القيام بهذه المغامرة بجمع أعداد العبيد البيض الذين استقروا فى مصر طوال هذه القرون العديدة، واستخلاص نسبة تمثيلهم فى دماء المصريين المعاصرين، وهى نسبة كبيرة من واقع الشواهد الأولية، ربما تفسر - بالاضافة - إلى عوامل أخرى سرعة استجابة المصريين للحضارة الغربية، لكن يكفى فى هذا البحث إيراد بعض الأرقام الدالة. - 24.000 مملوك من أصول تركية فى بداية الدولة الطولونية بالاضافة إلى 40.000 من العبيد السود «المواعظ والاعتبار فى ذكر الخطط والآثار للمقريزى». - 8.000 مملوك «بالاضافة لما سبق» استجلبتهم الدولة الأخشيدية «من الترك والديلم» «النجوم الزاهرة فى ملوك مصر والقاهرة لابن تغرى بردى». - فى عهد الدولة الفاطمية تم استخدامهم أيضاً وكانت جيوش الفاطميين تضم عدداً كبيراً من المماليك. - 25000 مملوك اشتراهم الملك المنصور - 12000 مملوك اشتراهم الاشرف خليل أكثر من 12000 مملوك اشتراهم السلطان الناصر محمد.. وهذه مجرد أمثلة. فكل أمير مملوكى يحرص على أن يكون له المماليك «بتوعه»، وإذا وصل مملوك إلى عرش السلطنة حرص على تكوين مجموعة مملوكية جديدة حتى يضمن أنها ستكون «بتاعته» لأنه لا يضمن ولاء مجموعته التى كان منها.. وظلت فكرة «البتاع» و«البتوع» تتوارث جيلاً بعد جيل، وهى مازالت موجودة على نحو آخر فمن المحال محو أكثر من ألف عام من التراث المملوكى.. فلابد للمدير العام أن يكون له «بتوع» غير بتوع المدير العام الآخر وإن نظرة للأرقام التى أبرزناها آنفاً وهى قليل من كثير، تبين إذا وضعنا فى اعتبارنا تناسل المماليك غير المخصيين «غير الطواشيين» أن نسبة الدماء المملوكية فى مصر لا تقل بأى حال من الأحوال عن نسبة الدماء العربية، خاصة أن المماليك كانوا يأكلون أجود الطعام من لحوم وألبان وبهارات تساعد على شدة البأس فى مضمار التناسل بالاضافة إلى أنهم كانوا من الأصحاء فليس التراث المملوكى فقط هو أحد العوامل الأساسية الفاعلة، وإنما الدماء المملوكية أيضاً والتراث على أية حال يتوارث كما تتوارث الصفات الفيزيقية. من المحال إذن أن يمارس «مديرا» أو «مديرا عاما» أو «محافظا»، ويباشر اختصاصه فى ظل القانون فقط أو وفقاً لبنود اللائحة، هذا محال فى ظل تراث الرقيق الأبيض، ومن المحال أن تكون قاعدة جهاز الإدارة حساسة لأوامر وتوجيهات القيادة إلا فى ظروف معينة قوامها الرعب والخوف، وإذا طال العهد بمسئول الإدارة «أصبح له أقدمية فى المكان» نجح فى تكوين مجموعة مملوكية خاصة به، فتتم الاستجابة لتوجيهاته «توجيهات الإدارة» بفضل هذه المجموعة، وإذا حدث فتغير رأس الإدارة، فإن الرأس الجديد سرعان ما يغير مجموعة مملوكية بمجموعة أخرى حتى تستطيع تسيير العمل على نحو أعوج. وفى ظل هذه الظروف التى لا يكشفها ولا يوضحها سوى علم الاجتماع التاريخى، له تصبح القوانين فعالة؟ وهل هى وحدها تكفى؟ وهل محاضرات المحاضرين عن الإدارة الناجحة، ومقوماتها تجدى فى هذه الحال، أم أننا ننقل بذوراً لم نهيئ لها تربتنا الإدارية تهيئة كاملة. وقد عبر الفكر الشعبى عن ذلك وشخصه دون معرفة جذوره التاريخية إذ يقال دائماً: «نحن نخاف ومنختشيش»، بمعنى أننا نخاف لكن ينقصنا الحياء، فقد لاحظ المفكر الشعبى أن الموظف لا يؤدى عمله إلا خوفاً من مديره، والمدير لابد أن يكون لديه دافع شخصى لمباشرة العمل غير راتبه الذى يتقاضاه وحوافزه التى يحصدها، والمدير بدوره يمكن أن يصدر أوامر مخالفة للقانون والنظام إذا ضمن العاقبة ولم يكن هناك ما يخفيه، فقد أمر أحد المحافظين سائق قطار سريع بالتوقف فى طنطا وهى ليست محطة وقوف، مع ما قد يترتب على ذلك من اخلال بجدول السكك الحديدية كله، وارباك قد يؤدى لحوادث مؤسفة. كل ذلك كى ينزل هو فى محطة طنطا، وليس لأى أمر استراتيجى أو حتى تكتيكى يهم القوات المسلحة «مثلاً». فالعلاقات المملوكية أساسها الخوف: الخوف من أميرهم، والخوف من مماليك الأمير الآخر، وخوف السلطان من مماليكه هو بعد أن يصل إلى السلطنة وخوف مماليكه هم أنفسهم منه خوفاً من تكوين مجموعة أخرى، ومن الطبيعى ألا يرحب المماليك القدامى بمملوك آخر ينضم إليهم فقد يشاركهم كميات اللحوم والخبز والحلوى التى توزع عليهم فتقل أنصبتهم تبعاً لذلك، وقد تزيد حظوته على حظوتهم عند «أستاذهم» أو أمير هم. فالمماليك القدامى ينظرون للمملوك الجديد على نحو ما تنظر الزوجة القديمة للزوجة الجديدة التى قد تحظى بحب زوجها أكثر مما تحظى هى، وقد يميز أبناءها ويحبهم أكثر من حبه لأولاد «القديمة». وهذا أحد الأسباب التى يحارب المصريون بعضهم بعضاً إذا عاشوا فى بلاد الغربة، بدلاً من التكتل، وهو رد الفعل الذى يبدو - لأول وهلة - منطقياً، لكنه لو حدث لكان غير منطقى وكان خروجاً عن منطق مجتمع العبيد البيض، ففى بلاد الغربة يتنافس المماليك لكسب رضا «الأستاذ» أو «الأمير» وهو هنا صاحب العمل الأجنبى، وفى بلاد الغربة لم يعد المصريون يخشون بعضهم بعضاً، فقد تساوت الرءوس، وأصبحت السلطة للأمير «أو رب العمل» الأجنبى. وكان مجتمع المماليك يتعايش معاً بحكم «الضرورة» فالعلاقات بين المماليك «البرجية» أو «البحرية» أو مماليك الملك الصالح «الصالحية».. إلخ ليست علاقات قربى «كما هو مفترض فى مجتمع القبيلة أو العشيرة» وليست علاقات جوار اختيارى، والعلاقة بينهم وبين أميرهم «وكان مملوكاً مثلهم» ليست علاقة «أبوة» على الحقيقة، ولا هى علاقة «بنوة» على الحقيقة، والعلاقات بينهم ليست علاقة «صداقة» على الحقيقة، ولاشك أن أميرهم أو أستاذهم أو صاحبهم أو مالكهم كان يراقب بعين الحذر أى تكتلات أو صداقات بينهم.. إنما هى علاقات يحكمها «الخوف» و«الضرورة» رغم غطاء المجاملات السميك سماكة الخوف الكامنة، لذلك نجد فى المجتمعات التى تعمق فيها تراث المماليك كما هائلاً من كلمات المجاملة والنفاق، وجميعها غير صادق: «عيونى» «أعطيك عيونى» «عيونى فداك» «نعوزوا ترابك» «مش عارفين من غيرك كنا ح نعمل إيه».. وهذا قليل من كثير. جانب كبير إذن من علاقات المصريين ذوى التراث المملوكى تحكمه الضرورة بحكم التراث، بالاضافة لضيق المكان «اصبر على جارك اسو (السىء) يا يرحل، يا مصيبة تاخده» أى اصبر - إن كان لك جار سىء فالفرج قد يأتى برحيله «إلى مكان آخر وهذا أمر صعب بحكم أزمة الإسكان» أو أن تأتيه مصيبة «أى يموت ونرتاح منه أو يقبض عليه وما إلى ذلك»، ومن هنا كان «الاحترام واجب» وهى عبارة ذات مضمون غير ما يظهر من كلماتها، و«السلام بتاع ربنا» وهى أيضاً تعنى مجرد الشكليات أى أنك تخطئ إذا لم تلق السلام على من ظلمك أو سرقك، فالسلام «بتاع ربنا» ولا علاقة له بأنه ظلمك، وإذا اجتمع من يحكم فى خلاف كنت أنت مخطئاً لأنك لم تلق السلام، أما ظلمه لك فهذه مسألة أخرى تسويها معه. وفى مجتمع الرقيق الأبيض بحكم تكوينه لابد أن تكون «الجدعنة» تعنى الإتيان بغير المألوف، وغير المألوف فى مثل هذا المجتمع قد يعنى الشجاعة الفائقة فى الحرب، ولأنه لا ينبغى أن يكون «أجدع» من الآخرين فإن جزاءه عادة ما يكون القتل، وقد يتحالف ويتمكن من الوصول للسلطنة فيكون بذلك هو «الأجدع» بالفعل ولأنه يعلم أنهم لن يتركوه فإنه يحتاط بشراء مماليك جدد، ويتصارع المماليك الجدد مع القدامى صراعاً دائماً. وفى عهد الدولة العثمانية قنن الفقهاء مسألة الصراع هذه تقنينا دموياً فاعتمدوا على أحاديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فهموا منها أنه إن تنازع اثنان على السلطة وجب قتل أحدهما، هكذا «قتل» لذلك فقد كان السلاطين العثمانيون الأوائل يقتل الواحد منهم ابنا أو أكثر من أبنائه ليضمن ان ولى عهده «ابنه الذى اختاره لولاية العهد» لن ينازعه أحد آخر، وهكذا طغت فكرة الصراع «غير الطبيعى» على عاطفة الأبوة وهى عاطفة طبيعية. لقد طغى ما هو مصطنع على ما هو فطرى. لذلك فإن عدداً كبيراً من المؤلفين والكتاب والمبدعين يستخدمون الألفاظ بمعناها القاموسى أو المعجمى، وهم لا يدرون أن المتلقى يفهم معنى آخر تماماً، وفيما يلى بعض الأمثلة: - النزاهة: معناها المعجمى فى المعجم الوجيز هو البعد عن السوء وترك الشبهات «مادة ن ز ه» وهو المعنى الذى يفهمه المثقفون، لكن كثيرين لا يفهمون معنى النزاهة على هذا النحو كما يتضح من خلال الحوارات التالية، وهى حوارات واقعية أجراها المؤلف، ويمكن للقارئ أن يجرى حوارات مثلها: حوار «1» - وكيف النجل الكريم فلان - بيشتغل سواق تاكسى - يا خبر يا حاج ، ده خد الثانوية العامة وكنا منتظرين له مستقبل، ليه ما كملش. - كده أحسن.. وشغلانة التاكس شغلانة نزيهة يركب اللى هو عاوزه، واللى مش عاوزه ميركبوش. حوار «2» - ........... - لكن ده عمده نزيه، مايتعشاش غير بالكباب ويشرب ميه بيضة «خمرة». ملحوظة: نطق محدثى «نزيه» بكسر النون، ووجدت ذلك شائعاً - أى نطق نزيه بكسر النون - فى قرى محافظة الغربية. حوار «3» - «ده واد نزيه مش بتاع شغل» وكان الحديث عن فلاح يقضى وقته على المقاهى فى البندر «المدينة». ماذا يفهم هؤلاء ومثلهم كثير من كلمة النزاهة عندما يتحدث بها السياسيون أو تجرى على لسان شخوص المسرحيات والمسلسلات، أم أن كتاب السيناريو.. ومؤلفى المسلسلات يكتبون للمثقفين فقط؟. الشهامة والجدعنة والمعنى القاموسى للشهامة. كما فى مادة «ش ه م» بالمعجم الوجيز هو عزة النفس وحرصها على مباشرة أمور عظيمة تستتبع الذكر الجميل، أما جدع فمعناها المقصود ليس قاموسياً، والمفترض أن الجدعنة هى الشهامة، لكن قطاعاً كبيراً من الشعب لا تعطى له الكلمتان هذا المضمون القاموسى، كما يتضح من خلال التعبيرات والسياقات التالية: - ده واد جده يحط «يضع» صوبعه «إصبعه» فى عين التخين. - والمكلفون بالتعذيب عادة من الجدعان بهذا المعنى. - غالباً ما يختلط معنى «الجدعنة».. «الشهامة» بمعانى «النزاهة» الآنف ذكرها. - ارتبطت الجدعنة أحياناً بالخروج على القانون. - كأن ينظر أحياناً إلى اللصوص والخارجين على القانون بشىء من الإعجاب على أساس أنهم «جدعان» و«عيال آخر شهامة». وهذا يفسر التعاطف النسبى مع بعض المجرمين والخارجين على القانون والدولة بعد كل مواجهة «مسلحة» مما يجعل هذه «المواجهات» غير مطلوبة فى أحيان كثيرة.. وكل هذه المفاهيم من بقايا تراث العبيد الأبيض. الحكم بمعنى الركوب أو الركوب بمعنى الحكم: المعنى القاموسى للحكم كما ورد فى المعجم الوجيز «حكم فى الأمر قضى فيه، ويقال حكم له، وحكم عليه وحكم بينهما» والمعنى القاموسى للركوب كما فى مادة ركب فى القاموس آنف الذكر هو «علو الشىء» ويقال أيضاً ركب الدابة، بالاضافة إلى أن كلمة لركوب مدلولا جنسياً لا يخفى. ومازلت أذكر سنة 1970م عندما توفى عبدالناصر يرحمه الله، فسألنى فلاح عجوز «عبدالناصر - الله يرحمه - مات؟» فقلت: «نعم» قال: «ألف رحمه تنزل عليه» ثم صمت قليلاً وقال سائلاً: «والحين، مين ركب؟» أى من الذى ركب، ولم أفطن إلا بعد جهد وحوار غير قصير إلى أن الرجل يسأل: من الذى سيحكم «سيركب» مصر بعد الناصر؟ فعدت بعقلى إلى تاريخ المماليك، قبل أن أقول له إنه الرئيس السادات. العقاب الجنسى: كانت الإشارات إلى دلالات جنسية مجالاً أساسياً فى المداعبة والمزاح فى مجتمع العبيد البيض إنه مجتمع «العزاب» المجاليب الأغراب، ومجتمع من لا يعرفون آباءهم، وتتسرب المفاهيم نفسها بعد الزواج، وكانت أحد أساليب المجموعة المملوكية المنتصرة لإذلال المجموعة المملوكية الأخرى «المنهزمة» - إذا كانت العاقبة مأمونة - هو ممارسة «اللواط» مع أحد أو بعض أفرادها، بالاجبار أى اغتصاباً. وذلك كنوع من «الإذلال». والإذلال بممارسة الجنس مع الرجال أو النساء خاصة من خواص الشرق «المملوكى»، فالعلاقة الجنسية فى المجتمعات التى لم تتشرب تراث العبيد البيض، علاقة «نفعية متبادلة» يستفيد منها الطرفان، إن تمت فى ظروف الموافقة، وهى نوع من الاعتداء إذا تمت فى ظروف لم يكن فيها أحد الطرفين راضياً، فهى اعتداء يمكن للرجل الإنجليزى أو الفرنسى أو الأمريكى.. الخ أن يعلنه ويبوح به - ببساطة شديدة - دون أى احساس بالعار، وإنما هو يذكره باعتباره «اعتداء» وقع عليه، تماماً كسرقة بعض ماله، أو تخطيه فى الترقية أو تعرضه لحادث سيارة.. انه يقول: إن فلاناً قد «....» دون رغبتى، تماماً كما يقول: إن فلاناً قد صدمنى بسيارته أو خطف قبعتى، وربما يشرح تفاصيل العملية الجنسية التى حدثت معه «اللواط» على شاشات التليفزيون وأمام ميكروفانات الاذاعة انه يشرح مجرد حادث اعتداء تعرض له. والمغتصب فى المجتمعات الغربية لا يفكر أبداً فى إذلال من اغتصبه «رجلاً كان أو امرأة» وإنما هو يريد أن يحصل على المتعة «من طرف واحد»، ومن هنا فلم نسمع عن مماسة الجنس قهراً مع المخالفين السياسيين أو هتك أعراض نسائهم فى المجتمعات الغربية، وإنما كان هذا قصراً على مجتمعات الشرق ذات التراث المملوكى، وعملية الاغتصاب قد تكون موافقة للحروب «الحرب بين دولة ودولة» لكنها أبداً وبالنسبة لمجتمعات الغرب - لا يمكن أن تكون على مستوى المجتمع الواحد كنوع من العقاب بالإذلال. العقاب الجنسى، ومقاومة الإقطاع: حتى منتصف القرن العشرين كان للفلاح المصرى وسيلة غريبة فى الانتقام من معذبيه أو من يعمل عندهم بأجر بخس، فقد كان هناك فلاح ذو حظوة يرافق أولاد العمدة أو أولاد البك الاقطاعى أو أولاد الباشا.. وقد تعود هذا الفلاح الماكر أن يضع اصبعه بشكل رقيق فى مؤخرة الطفل الذى يحمله «ابن البك» وشيئاً فشيئاً «بمرور الوقت» يوغل بإصبعه، فينشأ الطفل المسكين وقد تعود أن يكون فى مؤخرته «شىء ما»، فإذا كبر طلب بنفسه أن يوضع هذا «الشىء» فى مؤخرته، ويتسع معنى «الشىء» فلا يكون قصراً على الاصبع، وكم تكون سعادة الفلاح «اللئيم» عندما يجلس مع رفاقه الفلاحين ويتحدثون معاً عن ابن البك الفلانى، وابن الباشا العلانى، وابن العمدة الذين أصابهم داء قوم لوط. المجاورون: كبار السن الذين كانوا فى عمر يسمح لهم بالإدراك قبل قوانين الاصلاح الزراعى، ربما كان يدهشهم أن عدداً غير قليل من العمد ومشايخ البلد كانوا يرسلون واحداً من أبنائهم على الأقل ليقيم اقامة دائمة فى مكة«المكرمة» أو المدينة «المنورة» ليصبح مجاوراً، وكانوا يرسلون له الأموال كما كان بدوره يستقبل أهل بلدته أو أهل بيته عندما يصلون إلى الديار المقدسة، حاجين أو معتمرين. يقول الفلاحون بصوت عال: «ما أحسن هذا، ابن العمدة جاور النبى» فيرد الفلاحون الآخرون: «عليه الصلاة والسلام». يقول فلاح آخر: «العقبى لنا» فيقول فلاح ثالث غامزاً: «نحج ونعود، ونزور النبى ونرجع، كفاية علينا زيارة..». فإذا اجتمع رهط الفلاحين فى أمسية آمنة لا خطر فيها: قال قائلهم: »يعنى مش ح يلاقى اللى ينيله هناك «أى أنه لن يعدم أن يجد شخصاً فى الديار المقدسة يضع له «شيئاً» فى مؤخرته والتحفظ وارد هنا، فلم يكن كل المجاورين كذلك، فقد كان منهم الصالحون والعلماء والفقراء، الذين جاوروا لأسباب دينية وعلمية. ومن الطبيعى ألا تختلف ردود فعل «عساكر المراسلة» عن ردود فعل الفلاح باستخدام «شىء» أو «آخر» ليرد الاعتبار لنفسه، فهذا هو رد الفعل الاجتماعى لعلاقات «الذل». «البسطة» العراقية و»القلبة« الكويتية - اختلاف ثقافى: وقد عرف العراق مثلا التراث المملوكى بشكل ربما كان أعمق مما عرفناه فى مصر، لذلك فممارسة الجنس مع الرجال فى التراث الشعبى العراقى تنطوى ايضا على الرغبة فى الاذلال، فالعراقى يهدد صديقه اذا لم يقتنع بوجهة نظره أن «يبسطه» أى مدده على الارض جاعلا وجهه إلى الأرض والمعنى مفهوم لكن العراق ايضا عرف معنى هذه العلاقة «بالتراضي» بمعنى مجرد تبادل منافع، لكنها - على اية حال- أمر معيب لا يعلن عنه العراقي. والعكس تمامًا فى مجتمع الكويت «مثلاً» حيث لم يصل التراث المملوكي، فهذا العمل يعبر عنه بعبارة لا تخلو من دلالة هى «قلبه بقلبه» وينطقونها بجيم مفخمة غير معطشة «جلية بجلبة» فهذه المسألة كانت تتم فى مجتمع الكويت دون أى «إذلال» وإنما هى علاقة مصلحية متبادلة فهو «يقلب» صاحبه فى مقابل «أن يقلبه» صاحبه، وهو ممتن وشاكر لصاحبه فى الحالين «قالبا ومقلوبا» ويقابل الكويتيون كبار السن الذين عاصروا مجتمع الغوص «قبل ظهور البترول» رفاقهم القدامى ببشاشة فائقة وبالأحضان ويذكر بعضهم بعضا بما كان، «بامتنان» ودون أية دلالة إذلالية سواء كان قالبا أو مقلوبا، إنه تأثير أوروبى واضح، لذلك فأغلب الظن أن هذا «العمل» ليس أحد الأساليب العقابية فى الكويت وربما مجتمع الخليج عامة. وبالنسبة لمصر فقد كان المماليك لا يجدون مبررا فى فعل هذا العمل مع المصريين من باب الرغبة والمتعة فالرجل المصرى وفقا للمقاييس المملوكية «غير جميل» كما كان المماليك يأنفون من أن يتركوا المصرى يفعل بهم هذا الشيء فقد كان هذا الأمر محصورا بينهم، واستمر هذا حتى زمن أسرة محمد على، يقول ادريس أفندى -وهو فرنسى تظاهر باعتناق الاسلام واسمه الاصلى بريس دافين- بصدد حديثه عن عباس باشا «ابن طوسون بن محمد على»: «أما أخلاق عباس فكانت كأخلاق جميع سلاطين الشرق، حيث يدلل الغلمان أكثر مما يدلل الجوارى لقد كان عباس يستسلم لمجونه فى الخفاء فى مماليكه الذين كان يجعلهم يؤلفون حلقة لامتاعه ولكن كرامته، كانت تأبى عليه أن تكون الاداة السلبية للذة فلاحًا أو عبدًا أسود «راجع ادريس افندى فى مصر ترجمة انور لوقا» معانى التعبيرات فى النص: يؤلفون حلقة لامتاعه: يتناوبون ركوبه. الأداة السلبية للذة فلاح: لم يكن يسمح أن يركبه فلاح وإنما لابد ان يكون الراكب مملوكا «انتهت المعانى». أما سعيد باشا فكانت له طريقة مبتكرة فى اذلال اوروبا فقد كان يجمع غلمانه «مماليكه» حوله فى ليالى الأنس ويخلع ملابسه كامله ويأمرهم بخلع ملابسهم مثله، ثم يقلد أحدهم أحد الأوسمة التى اهدتها له إحدى الدول الأوروبية ثم يباشر أى فعل معه فاحشة اللواط، وهو -أى سعيد باشا- يظن أنه «يلوط» الملك الأوروبى الذى أهداه هذا الوسام. وهكذا لا تنتهى الللية إلا ويكون الباشا قد لاط «نا...» أوروبا كلها، وأذلها وانتصر عليها. ومازلنا تذكر حادثة بعد حرب 1967، كان يرددها الفلسطينيون وهى أن شابا فلسطينيا ضاجع إحدى بنات الهوى الاسرائيليات، وكانت مجندة فى جيش الدفاع الاسرائيلى، وبعد أن تم له أراد أخذ «الكاب أو البيريه»أو غطاء الرأس الخاص بها وعليه نجمة داود، ومسح به ذكره «عضوه التناسلى» يقصد اهانة «اذلال» دولة اسرائيل، وشكته المجندة الاسرائيلية للقاضى لا لأنه مارس الجنس معها وانما لاهانته رمز اسرائيل، ويقال إن القاضى شكره «لفك أزمة» المجندة، لكنه حكم عليه بالسجن لاهانته الرمز الاسرائيلي. فالاهانة بالجنس تراث مملوكى. معنى الوظيفة فى التراث المملوكى: كان الخليفة أو السلطان يحرص ألا تطول مدة الوالى حتى لا يعمل لحسابه وأدى هذا إلى عدم استمرار السياسات الاصلاحية، ولم يعرف مجتمع المماليك الوظائف الفنية «ضابط حسابات، كاتب مالية.. الخ» فهذه الوظائف كان يشغلها فى الغالب الأعم قبط مصر، وكان وزير مالية صلاح الدين على سبيل المثال - هو الأسعد بن مماتى، وهو مصرى قبطي، وضع كتابه الشهير قوانين الدواوين عن ضبط ما تغله أرض مصر وما يرد فى نواحيها. لكن المماليك كانوا هم دائما المحافظين أو المديرين أو مسئولى الأقاليم المصرية، وكانت هذه الوظيفة «منحة» أو «هبة» أو «عطية» أكثر منها واجبا أو التزاما، واستمر هذا على نحو ما إلى أيام أسرة محمد على، يقول لنا ادريس فندى الفرنسى الآنف ذكره عن تعيين محافظ الجيزة فى عهد عباس باشا فيقول: «إن الطريقة التى يجعلون موظفا يقفز من منصب إلى أخر جدير بالملاحظة، فعابدين باشا موظف فى سك النقود كان قد بلغ مرتبة البكباشى وهو فى السابعة عشرة من عمره وأصبح سكرتيرا خاصا لعباس باشا، ثم غضب عليه الوالى فنقله رئيسا لجوقة الموسيقى «المفروزة» أى فرقة الحرس المنتخبين. ولما لم يكن يصلح قط لهذه الوظيفة فقد نقلوه مديرا لاقليم الجيزة وكثيرا ما رآه الناس يفر من مكتبه مصطحبا حجابه إلى حيث يلهو على شاطئ النهر..» وفى عصر محمد على كانت الضربة الأولى غير الحاسمة للتراث المملوكى فى مصر . فبعد القضاء على قادة المماليك فى مذبحة القلعة وادخال أبناء المماليك القتلى فى خدمة محمد على وتزويج نسائهم لضباط جيشه واتباعه أكمل ابراهيم باشا ابن محمد على مذبحة أبيه بمذبحة أخرى، فتابع المماليك الذين نجوا من مذبحة أبيه وهربوا إلى النوبة ودنقلة، والتمسوا المأوى لدى قبائل البشارى والعبابدة فى الجبال، واضطر المماليك إلى قبول عروض الصلح التى وصلت من طرف مندوبين أرسلهم ابراهيم باشا مؤكدا لهم سلامة حياتهم ويعدهم بالمناصب ورد ممتلكاتهم شريطة الاعتراف بحكومة محمد علي، وقد صدق حوالى أربعمائة هذه الوعود، وفى نهاية 1812 اتجهوا نحو اسنا حيث مقر قيادة ابراهيم باشا، فلما اجتمعوا ورأى أنه لن يأتى مزيدًا منهم، أصدره أمره بالاجهاز عليهم فتم ذبحهم لا رحمة وأنقذت وساطة طبيب فرنسى مملوكين من أصول فرنسية، وعفا عن مملوك آخر كان جميلا وصغير السن وبالطبع أرسل ابراهيم باشا زوجات المماليك القتلى للقاهرة ليزوجهن محمد على لأعوانه، كما ضم أولادهم إلى مماليك الأسرة. يقول رتشارد بيرتون وهو رحالة زار مصر فى النصف الثانى من القرن التاسع عشر:«ان المصرى اذا تعامل مع ضابط الشرطة أو دخل مركز الشرطة لأى أمر كان فلابد أن يضربه الضابط أو المسئول على قفاة Upon his kafa حتى قبل أن تثبت عليه التهمة» يقول بيرتون «إنك تمر مع المتهمين الآخرين ليأخذ كل منهم «قفا» فاذا جاء دورك أخذت الذى أخذوا، والقفا خاص بالمصرى دون سواه، فاذا كنت أجنبيا تحرزوا فى اعطائك القفا وأحالوك إلى قنصلية بلادك» أما عن الضرب بالفلكة «الفلقة» فيفيض بيترون فى الحديث عنه وأظن أن الضرب على «العروسة» قد حل بعد ذلك محل الضرب بالفلكة. ويحدثنا رحالة آخر هو الأمير ردولف من الأسرة الحاكمة النمساوية «الهبسبرج» الذى زار مصر فى أواخر عهد اسماعيل أن المصرى يخاف خوفا مرعبا من الذين يلبسون ملابس رسمية، وقص قصة «خولي» أو رئيس أنفار دخل هاربا بين أعواد القصب بمجرد رؤية خادم ملكى يرتدى ملابس رسمية ويدهش ردولف لذلك مع أنه أمير نمساوى وكانت النمسا فى ذلك الوقت مشهورة بالحكم القمعى العنيف ومعاملة الفلاحين معاملة سيئة لماذا.-اذن- يعتبر المسئول ذو الملابس الرسمية بمجرد تعيينه «حكومة» وبقية الناس «أهالى» إنه التراث الرقيق الأبيض أو التراث المملوكى، أو تراث الدقشرمة. ما جدوى التشريعات والقوانين اذن ما دام سيطبقها أولاد الدقشرمة، وما جدوى قرعات الدكتور سرور رئيس مجلس الشعب السابق على المنصة؟ أم أن الأمور تحتاج لما هو أهم من التشريعات والقوانين، وتحتاج إلى اعادة هيكلة النظام -بل والمجتمع- بما يتفق مع حقائق علم الاجتماع التاريخى الذى نزعم أن كتابنا هذا من بحوثه المهمة. وفى تراث العبيد البيض، تجد الشرطى يمسح حذاءه مجانا « من باب الواجب» ويأتيه -أثناء عمله- شايه وقهوته مجانا من المقهى الذى يحدده هو «من باب الواجب» واذا كان ذو رتبة عالية أتاه طعام الغداء لأسرته من مطعم يحدده هو، وأحيانا يقسم هو هذا الواجب فطعام الافطار -يأتيه فى بكور الصباح من مطعم كذا، والغداء من مطعم «كيت» والعشاء من ذاك وهكذا وابن «الباشا» عادة لا يدفع أجرا للدرس الخصوصى وبنت «الباشا» تحيك ثيابها مجانا من باب «الاحترام والواجب» وهكذا، فالباشا «حكومة» وأصحاب المطاعم وماسحو الأحذية والمدرسون.... آلخ «أهالى» هكذا كان تراث «الدقشرمة» فاعلا مؤثرا رغم نقل النظم الادارية الغربية. وفى ظل هذه الحقائق الاجتماعية والتاريخية نتساءل عن جدوى الدورات التدربية فى علوم الادارة التى يتلقاها المديرون والعاملون فى الادارة على يد انجليز ويابانيين وأمريكان؟ وما دام «التراث الدقشرى أو المملوكى» حتى الآن متغلغلا فهل ستخرج كليات الادارة، موظفين أو أصحاب اعمال مبرئين من عيوب «التشرذم» المملوكى و«للفردية» الاوروبية المتطورة، وتراث الدقشرمة الذى يفرق بين «الحكومة» والأهالى؟ المثالية ورد الفعل السلفى: لم يطرح الحل السلفى فى مصر وحدها، ولا فى القرن العشرين وحده وانما هو حل مطروح منذ عانى العالم العربى والاسلامى من التراث المملوكي. ولم ينجح الحل السلفى النجاح المأمول حتى عندما وصل للحكم، وقد اتيح للسلفيين ذلك وأكثر من مرة وفى أكثر من مكان، وحتى عندما تم التزاوج بين السلفية والتغريب «الحضارة الغربية» ووقف السلفيون أنفسهم بل وغير السلفيين كذلك مندهشين من ذلك. فما تفسير هذا؟ لقد وصل السلفيون للحكم فى السودان، ووصل الاسلاميون للحكم فى ايران؟ وكان السلفيون على وشك الوصول للحكم فى الجزائر، وحكم دعاة التغريب، وحكم الاشتراكيون.. وكانت النتيجة فى الأحوال جميعا واحدة فلم يكن دخول العصر الحديث نتيجة لأى منها، ولم ينتقل العالم العربى والاسلامى فى ظل أى منها إلى مصاف الدولة المتقدمة، إن التآمر الخارجى والرغبة فى أن تظل منطقتنا متخلفة وأن تظل سوقا للدولة المتقدمة -أمرًا واردًا لا ننكره، لكن ذلك ليس السبب الوحيد بل وليس هو أهم الأسباب فما دام التطبيق الاشتراكى سيتم على أيدى المماليك والدقشرمة فسيتحول إلى اقتصاد «ربع» و«طرخانية» و«سباهية» وإلى اقتصاد «سمسرة» حيث يربح من لا ينتج، ربما ضعف الذين ينتجون، ومادام التطبيق الرأسمالى سيتم على يد المماليك والدقشرمة، فلابد من سحق كل الأهالى فنحن «دقشرمة» وهم «أهالى» ولابد من اثارة الاحقاد بتصرفاتنا وروعونتنا ومباهاتنا للمحرومين بما نملك، ولا مبرر لتخصيص نسبة معلومة من أرباحنا للعمل الاجتماعى ولابد أن فعلنا -من أن نجعل ما ننفقه وسيلة من وسائل التشرذم والتكتل واثارة الاضطراب أو لنقل «رياء الناس». ولا بأس من إيراد أمثلة للحلول السلفية من واقع كتابات المهتمين بالجوانب الاجتماعية للتاريخ. يقول بول كولز فى كتابه عن العثمانيين فى أوروبا «نشرته هيئة الكتاب ضمن سلسلة الألف كتاب الثانى»: «... لقد تلقى مراد الرابع -السلطان العثمانى القاضى المشهور- خوجة بك مذكرة عن أسباب التدهور، واذا ما قارنا مذكرة خوجة بك هذه بالانتاج الفكرى السياسى المهتم بالبحث والتعمق الفعلى والذى أفرزته عقول أوروبا فى الفترة الزمنية نفسها، ألفيناها مذكرة تدعو للاشفاق والأسى. فلم تكن هذه المذكرة التى قدمها هذا القاضى المسلم أكثر من قائمة بملاحظات سطحية، ولا تطالب المذكرة بتجديد وأنما تطالب بالعودة إلى الممارسات التقليدية بنقائها فى أصولها الأولى». وعلى أية حال فإن «الجهاد» خارج الحدود كان إحدى الوسائل لتغطية القصور فى الداخل، وإنه لقول مشهود منذ زمن طويل أنه «لاصوت يعلو على صوت المعركة». «لقد استمر العثمانيون -غالبا- فى حروب مستمرة بعد سنة 1570 لكن هذه الحروب فى هذه المرة نفسها كان الرقيق السلطانى -هو المؤسسة الرئيسية التى تمارس السلطان من خلالها سيطرته على الشئون المدنية والعسكرية مهددا بالانفلات من أيدى السلطة، فقد كانت المالية تعتمد فى الأساس على غنائم الدولة، ومن هذا الدخل كان الافراد يحصلون على أجورهم..» ونلاحظ هنا عدة نقاط ذات اسقاطات على التاريخ المصرى المعاصر: 1- إن الجهاز الادارى «الرقيق السلطانى» لم يعد حساسا ازاء أوامر الادارة العليا، فلتصدر الادارة العليا ما تشاء من قرارات، لكن «عم عوضين» فى مركز الشرطة أو الجمارك أو غير ذلك من الهيئات ينفذ ما يشاء هو، لا ما تريده الادارة العليا، وذلك بطريقته الخاصة ودون خرق واضح ولا مخالفة صريحة للسلطة، ففى مصر «الاحترام واجب» فى كل الأحوال، وهذا هو المضمون الاجتماعى لهذه العبارة الخطيرة، والتى تبدو فى الظاهر وكأنها نوع من «الأدب» أو «اللياقة» أو انها تجسيد «لأخلاق القرية» لم يعد الهرم الادارى مترابطا إلا فى الظاهر، ولم تعد القاعدة حساسة ومتفهمة للأوامر. 2- وساعدت قلة الرواتب والأجور على اطلاق التراث المملوكى فى نفوس أفراد الجهاز الادارى فهو لا ينفذ أوامر الادارة العليا إلا بتلكؤ شديد، أو هو ينفذها لتحقق عكس أهدافها «على قد فلوسهم» «هم بيدونا حاجة» «دولة واكلنها» «كله ماشى» «وسع مخك» «خليك مفتح» «ك.... أمهم» والحرف الأول من هذه العبارة الأخيرة له تكملة حرف آخر ذو جرى . وفى الشام «ك.. أختهم» «أخوات القحبة» .. الخ ، والأصل أن المملوك لا يعمل إلا لحساب نفسه، وهو «مضطر» للعمل لحساب الآخرين «اضطرارا». الدلالات الاجتماعية والتاريخية لبعض العبارات آنفة الذكر: ما دمنا بصدد بحث اجتماعي، فلابد من العودة لأصول بعض هذه العبارات «ك.. أمهم» أو «ك.. أختهم» والعبارة الأخيرة شامية، أو أن كلامهم «على طي..» يضاف للكلمة الأخيرة، حرف أغلط جرسا من السين ، والعبارة فلسطينية. ولم يظهر السب والاستهزاء -بشكل واضح- بالعضو التناسلى للأم إلا فى العصر المملوكي، وازداد فى العصر العثمانى «وهو مملوكى فى صميمه أيضا» واتسع فى عصر الأسرة العلوية، وهو أمر مألوف فى التاريخ المعاصر والأصل أن المملوك المجلوب أو الترابى أو الدقشرمة لا أسرة له. وهو لا يعرف أباه أو أمه، وليس له «سلالة» وقد يقرأ فى عيون أهل البلاد ما يفيد ذلك، لذا فهو غير حريص على «شرف» أهل البلاد أو صحة أنسابهم لأن فاقد الشىء لا يعطيه، وأقرب عضو لتلويث محدثه هو اتهام «ك.. أمه» أو ك..أخته» إنها ألفاظ دقشرمة» أما العبارات الأخرى المتعلقة بمؤخرة الرجل فلم تشع فى مصر وانما شاعت فى الشام فالشوام أكثر بياضا من المصريين، وأكثر امتلاء لذا فقد وجد المماليك فى «ك. أختهم» و«ط. أبوهم» مجاملا للتعامل على سواء، وقد اندمج المماليك والدقشرمة فى المجتمعات العربية والاسلامية وأصبحوا نسيجا من أنسجتها وجزء لا يتجزأ منها ومع هذا ظلت الموروثات كما هى . وعندما قلنا إن هذه العبارات لم تشع إلا منذ زمن المماليك كنا نعنى العبارة تماما، ذلك أنه كان لهذا العبارات بعض الوجود قبل ذلك، فنحن نجد عبدالملك بن مروان عندما يغضب من بعض سياسات الحجاج بن يوسف الثقفى يرسل له خطابا طويلا يهمنا من هذه العبارة «يا ابن المتسفسرمة عجم الزبيب» وتفسير هذه العبارة الغربية أن المرأة العربية اذا تزوجت مرة ومرة وثالثة، وأرادت أن تتزوج الرابع «مثلا» وأنست فى نفسها سعة «أى أحست أن عضوها التناسلى غدا واسعا أكثر من اللازم» أتت بعجم الزبيب أى البذور الموجودة فى الذبيب «العنب المجفف » وطحنته وسحنته وفرمته وجعلت منه ما يشبه العجينة ووضعت هذه العجينة فى فرجها لأن عجم الزبيب- كما قالن العرب- يشد الجلد المرتخى، وهو قابض يقبض ما اتسع ويضم ما تهدل، والمعنى مفهوم فكأنما عبدالملك ابن مروان يريد أن يقول للحجاج الثقفى يا ابن الواسع فرجها لكنه صاغ عبارته بأسلوب فيه كناية بليغة وليس مصادفة أن يكون عمل الحجاج بن يوسف الأول فى مجال الشرطة، فهو الحجاج بن يوسف بن الحكم الثقفى الذى ولد بالطائف وقد انتقل للشام فلحق بروح بن زنباع نائب عبدالملك بن مروان فكان من رجال شرطته ثم تولى أمر العراق بالاضافة لمكة«المكرمة» والمدينة «المنورة» والطائف، كما هو معلوم. عودة إلى التراث المملوكى ومفردات الحضارة الغربية: لقد أخذت الدولة العثمانية -بشكل واضح- بالنظم الغربية منذ صدور القوانين المعروفة بقوانين قصر الزهور «خط كلخانة- والكلمة تعنى قصر الزهور» أو التنظيمات الخيرية فى 4 نوفمبر 1839، فتم تنظيم الجندية والجيش على النسق الاوروبى، وتم اعتماد تنظيمات لجباية الضرائب، وتم ضمان ممتلكات الرعايا بصورة كلية بصرف النظر عن معتقداتهم، وقد وضع هذا «الخط الشريف» دعاة التغريب الذين نشأوا على حب الغرب ومبادئه، وتم استدعاء الخبراء الفرنسيين والبروسيين لتدريب الضباط وتم افتتاح مدارس لتدريب الاطباء وعقدت برامج تدريبية فى الادارة للمواظفين وتم انشاء وزارة للمعارف «التربية» وابتعث الأتراك إلى اوروبا وتم الإعلان مبدأ التعليم المجانى والاجبارى، ودخلت القوانين الأوروبية للمحاكم، ولم تطبق نصوص الشريعة الاسلامية بشكلها التقليدى إلا فى قانون الأحوال الشخصية، وتم اصدار قانون جنائى جديد يعتمد على القانون الفرنسى، وارتدى السلطان اللباس الأوروبى. لكن كل هذا لم يجعل من الدولة العثمانية دولة أوروبية ولم يثمر ثمرا كالذى انتجته بذور زرعت فى الأرض الأوروبية، لقد أحدث ذلك تقدما -بلا شك- لكنه ليس بالقدر نفسه الحادث فى أوروبا، بل ولا حتى قريبا منه. ومما يدعو للدهشة أن بعض الرحالة الأجانب لاحظوا ذلك وتوقعوه ومن هؤلاء ريتشارد بيرتون الذى قام برحلة مهمة لمصر والحجاز سنة 1853 فنجده يسخر من تقليد النظم الغربية ويعتبر أن هذا لا جدوى منه، وأنه الأفضل والأنجح هو استحياء نظم غريبة لشعوب شرقية فهو -فيما يقول بيرتون- أمر مضحك، لذك فهو -أى بيرتون- يعتقد أن جهود الدولة العثمانية فى الاصلاح باصدار مجموعة قوانين وتنظيمات مستوحاة من الغرب «خط كلخانة» لن تؤتى نتيجة مثمرة، فالشرق يحتاج لحكومة متدينة حازمة، فحوى حديث بيرتون أن الفرد فى الشرق غير الفرد فى الغرب وأن تكوين مجتمع الشرق غير تكوين مجتمع الغرب وقد فطن كثيرون لهذا الفرق لكنهم فى الواقع لم يدركوا السبب فى هذا، إنه التراث المملوكى أو وتراث الدقشرمة الذى يغطى أكثر من نصف التاريخ المؤثر والفاعل فى كثير من بلادنا العربية والاسلامية ان هذا التراث هو الذى يحول بين أن تكون التنظيمات المنقولة من الغرب إلى بلاد الشرق، لها المردود نفسه للتنظيمات فى الغرب، وهذا التراث نفسه هو الذى غير المفاهيم الاسلامية التى كانت اساسا لنهضة الغرب، وإلا فبم نفسر أن «الفرد» الشرقى اذا انتزع من تراثه المملوكى وعاش فى الغرب حقق تفوقا على أقرانه الأوروبيين والأمريكيين؟ التفسير هو أنه انتزع تمامًا من تراث الدقشرمة والعبيد البيض ، وكان لديه هو شخصيا استعداد للحياة فى بيئة جديدة خالية من هذا التراث. لقد سارت تركيا أشواطا أبعد كثيرا من خط كلخانة الآنف ذكره وتم اعلان الجمهورية التركية 1920 وألغى مصطفى كمال اتاتورك لبس الطربوش، وضرب مثلا بنفسه فصحب زوجته الجميلة مكشوفة الوجه بل وألغى بعد ذلك -الحروف العربية واستخدم الحروف الأوروبية «اللاتينية» فى كتابة التركية وطبق القوانين الغربية حتى فى الأحوال الشخصية بل وجعل العطلة الرسمية يوم الأحد بدلا من الجمعة وأغلق التكايا «جمع تكية وهى تراث مملوكى عريق» ومع كل هذا فإن هذا «النقل» الذى يكاد يكون حرفيا من الحضارة الغربية، لم يجعل من تركيا دولة أوروبية، ولم يحقق الثمار نفسها التى تحققت فى أوروبا لسبب بسيط هو التراث المملوكى والدقشرمى العريق فى تركيا، فالبذرة وحدها غير كافية، وانما لابد من التربية الصالحة أيضا -التفكير الفلاحى البسيط يجعل الفلاح ينظف التربة أولا ثم يلقى البذرة ويرويها، والتربة فى مصر بها حشائش عميقة الجذور من تراث الرقيق الأبيض، وافضل أن ننهى هذا الفصل بايراد النص الكامل لخط كلخانة «خط قصر الزهور» لمن يريد التمعن فيه. الجزء الثانى شخصية الدرويش فى التراث المملوكى والسياسة المصرية كان المملوك - حتى لو كان طواشيا «خصيا» يعيش حياته بالطول والعرض ويرتكب كل أنواع الموبقات والآثام، وبحكم كونه منبتا لا أسرة له يكون غير حريص على صحة أنساب الآخرين وحتى لو كون أسرة فإن تراثه يجعله فى حل من معظم المورثات المتعارف عليها، ولأن المماليك كانوا يعيشون فى حل من معظم المورثات المتعارف عليها، ولأن المماليك كانوا يعيشون فى مجتمعات مقفلة فى مرحلة من المراحل سواء كانوا ترابيين «مجلوبين صغارا» و«مجاليب»، فإن العلاقات بينهم كانت تتسم أحيانا بشىء من الشذوذ، وقد يتبادر إلى الذهن أن المملوك الطواشى «المخصى» أو المعد لخدمة النساء لا مجال أمامه للفساد الجنسى على الأقل، لكن هذا غير صحيح فإن بعض الأغوات «بقاياهم حتى الآن فى مكةالمكرمة» يتزوجون ويستمتعون بالنساء «فيما دون الجماع» كاستخدام الأصابع، والضم والشم، ومص الشفاه وما إلى ذلك، ولعق العضو التناسلى للمرأة، ومداعبة الأثداء وامتصاصها وغير ذلك، ولا مانع من قيامهم بدور النساء «الشذوذ» وما إلى ذلك.. ومن طبيعة الأمور أن المماليك الطواشية «المخصيين» لا يحققون الاشباع الكامل ومن هنا فقد كانوا يغرقون أنفسهم فى شرب الخمر، وأحيانا كانوا يعوضون إشباع أنفسهم «بالفرجة» على الآخرين وهم يقومون بالممارسة الجنسية، وكانت حفلات الفرجة هذه تعقد يوميا فى بعض الأحيان، حيث يجتمع بعض المماليك الطواشية «المخصيين» فى حلقة ترقص فى وسطها نسوة عرايا تماما، ويقوم الطواشية بالتأمل وإمتاع النظر «حمامات نظر» ولا مانع من لمس بعض الأجزاء المنبعجة أو المنقعرة من أجساد هؤلاء النسوة، أما المماليك غير الطواشية فإن مفاسدهم تكون أشمل وأعمق، وقد حدثنا الرحّالة الأوروبيون المعاصرون «راجع رحلة فارثيما الذى تسمى بالحاج يونس المصرى- نشرت مترجمة فى سلسلة الألف كتاب الثانى الصادرة عن الهيئة المصرية العامة للكتاب» أن المماليك كانوا يكمنون فى الخانات «الفنادق» ويمد الواحد منهم يده ليسحب أى امرأة عابرة، فإذا لم تبد المقاومة الكافية، أدخلها وشرع فى التعامل معها دون أن يرى وجهها لأن النسوة كن محجبات ومصرّات على عدم ابداء وجوههن حتى لا يعرفن، ومن ثم فإن مثار إعجابه أو إقباله على المرأة «المسحوبة» هو بياض بشرتها كما يتبدى من الجزء المكشوف وهو الجزء السفلى، ومدى امتلائه «اكتنازة باللحم»- أى هذا الجزء السلفى، وقد أثر الذوق المملوكى فى الذوق المصرى العام إلى عهد قريب، وربما إلى الآن فى بعض الأحيان، وكانت المرأة ترفض أن تخلع خمارها «حجابها» إن أصر المملوك على رؤية وجهها لاعتبارات عدة أهمها رغبتها فى عدم معرفة شخصيتها ولاعتبار آخر قد يعتبر البعض أننا نسوقه من قبيل الفكاهة، ولكنه حقيقة واقعة، وهى أن المرأة قد تعتقد أن كشف وجهها أو نزع خمارها أمام أجنبى عنها «حرام» أما نزع السروال أمامه فهو «أقل حرمة»، وبذلك فرغ المماليك «الخمار» أو «الحجاب» وهو رمز دينى عام بين مختلف الأديان من مضمونه- ويلاحظ أن الأمور الدينية الموجبة للفضيلة كثيرا ما تفرّغ من مضمونها إذا ساد الجهل أو جرى التركيز على «الشكليات» دون الروح العامة أو الهدف. وإذا عدنا إلى المملوك الطواشى «الخصى» فإن أهم الأعمال التى كانت تناط به- هو مرافقة الحرائر أو النسوة من زوجات أصحاب النفوذ، وخدمتهن ومن هنا فقد كان هذا «الطواشى» يعامل باحترام كبير من قبل الزوج، فقد كان الزوج يعلم أنه محيط «بالأسرار» وأنه حارس على «عرضه»، وإذا غضب الطواشى من الزوج فإنه يستطيع أن يتستًّر على أفعال الزوجة أو «يقودها» ومن هنا فإن الطواشى كان مفتاحا من مفاتيح الانتقام من الزوج وسبق أن أوضحنا العقاب الجنسى كأحد أساليب العقاب. كان المملوك إذن يعيش حياته بالطول والعرض، كما كان يقوم بكثير من أعمال القتل والسلب والنهب وهى أمور لازمة لطبيعة التشرذمات المملوكية وطبيعية الحكم المملوكى فإذا ما بلغ من العمر مبلغا يجعله غير قادر على ممارسة فساده وأحس بقرب أجله، تذكر دينه، ولاذ بحضن الدين- على طريقته- وأصبح درويشا فالدروشة جزء من صميم النظام المملوكى لا ينفك عنه، إنها- أى الدروشة- عنصر موازن لحياة المملوك الأولى، أو هى عنصر موازن للقسوة والفساد فى المجتمع المملوكى وإذا كان المجتمع المملوكى مجتمعا يخلو من الانضباط والقواعد، فلا أصول للحكم ولا حدود للبطش، ولا قواعد لوراثة العرش، فكذلك حياة الدرويش، فلا التزام بالشريعة وإنما وصول مباشر لله «سبحانه وتعالى» ولا قواعد للطبيعة وإنما «كرامات» تخرق هذه القواعد، فالدرويش يكلم الجن والخضر «عليه السلام» ويطير إذا مات، ويقهر حدود المكان فهو من «أهل الخطوة» ينتقل من القاهرة إلى أسوان فى طرفة عين، وهو يقهر الزمان فيخبر بما هو آت.. الخ. كان من الطبيعى - إذن - ألا تخلو الحياة السياسية والاجتماعية من الدرويش فى كل التاريخ الحديث الذى هو امتداد لحكم العبيد البيض. ولا تخلو الكتب التى تهتم بالتفاصيل التى تناولت ثورة 23 يوليو 1952 وما تلاها من أحداث من اشارات لاستمرار شخصية الدرويش فى السياسة المصرية، سواء عن اقتناع أو كستار، لكنها - أى هذه الشخصية كانت موجودة دائما لنقرأ مثلا ما أورده نائب رئيس المخابرات المصرية «عبدالفتاح أبوالفضل» بعد الثورة: «.. بعد الثورة مباشرة كان حسن التهامى من الزملاء الذين عينوا معنا فى المخابرات، ولم يكن له مكتب خاص بمبنى المخابرات، ولم نعلم عنه عملاً محددًا يقوم به إلا مساهمته فى إحضار بعض خبراء المخابرات الأمريكيين لعقد حلقات دراسية لأربعة من ضباط المخابرات المصرية للاستفادة من خبرتهم، وفى فترة متقدمة - بعد البدء فى إنشاء برج القاهرة بحيث أخذ يرتفع عن الأرض علمنا أن حسن التهامى احتل الدور الأول، وأحاط جزءا من هذا المبنى بأسوار عالية.. وعجزنا فى المخابرات أن نعرف أى شىء عن العمل الذى يجرى داخل هذا الحصن.. وبعد أن قام على صبرى باستلام العمل فى المخابرات العامة محل زكريا محيى الدين بعد العدوان الثلاثى علمت وأنا أعمل بالمقاومة الشعبية فى الإسماعيلية أن حسن التهامى قد صدر قرار بنقله من قوة المخابرات.. وعدت إلى عملى بالقاهرة فعلمت أن الرئيس عبدالناصر وصلته نسخة من شرائط تسجيل مسجل عليها بعض أحاديث عبدالناصر ذات الطابع السرى، وكان هذا هو السبب فى طرد التهامى من المخابرات، وعلمت أيضًا أن حسن التهامى كان منذ بداية الثورة يعمل وهو موظف مخابرات فى عمل خاص كلفه به عبدالناصر وهو مراقبة تليفونات أعضاء مجلس الثورة والوزراء والشخصيات العامة، وأنه يعرض هذه التسجيلات على عبدالناصر فقط، ولكنه قام بتسجيل مكالمات عبدالناصر نفسه، ولم يجاز حسن التهامى على فعلته ولكنه نقل للعمل فى رئاسة الجمهورية، وكلف بأعمال لا يعلمها أحد وفى هذه الفترة تظاهر بالتدين الشديد وأطلق لحيته ثم أرغمه عبدالناصر على حلقها بعد أن أحضر له الحلاق، وبداية من هذا التاريخ بدأ فى الهلوسة وخلط الواقع بالغيبيات سواء أكان عن عمد أو تماديا فى تغطية شىء لا يعلمه إلا الله والعالمون ببواطن الأمور، ثم يستطرد نائب مدير المخابرات قائلا إنه رغم تورط التهامى فى أعمال تجسس على الجيش السوفييتى لحساب الولاياتالمتحدة إلا أنه استمر قريبا من الرئيس عبدالناصر». وفى فترة الرئيس السادات كان حسن التهامى من أقرب المقربين له رغم ما اشتهر عنه من عدم الاتزان وتفسير الأحلام والغيبيات». لا يفل الدرويش إلا الدرويش: «... ولما كان الرئيس السادات يرأس المؤتمر الإسلامى دخل عليه حسن التهامى شاهرا مسدسه ليراجعه فى أحد القرارات، فما كان من السادات إلا أن نظر له فى هدوء وقال «إجر يا ولد والعب اللعبة دى مع أحد غيرى لأنه فاتك أننى أتقن هذه اللعبة أكثر منك»، ومع هذا فقد اختاره السادات - بعد ذلك - كمندوب له للتقارب مع حكام إسرائيل وقابل موشى ديان فى قصر الملك الحسن ملك المغرب تمهيدًا لزيارة السادات للقدس، والذى لا شك فيه أن شيئا من «شخصية الدرويش» كان وراء نجاح السادات فى السيطرة على مراكز القوة، وتثبيت أقدامه على رأس الجمهورية المصرية بعد موت عبدالناصر، وكان السادات على حد قوله هو فى حواره الآنف ذكره مع حسن التهامى لا يقل إتقانا لفن «الاستهبال» أو تقمص شخصية «الدرويش»، وعن حسن التهامى نفسه يقول محمد حسنين هيكل فى حوار أجراه معه فؤاد مطر، ونشر فى بيروت «1975» وإن كان الحديث قد جرى قبل ذلك «1973 مثلا»: «... بعد وفاة عبدالناصر حدث صراع على السلطة ولكن السادات كسب الجولة الأولى بهذا الانتقال السهل إلى السلطة وأعتقد أن شخصية السادات «المربحة» هى التى جعلت عملية الانتقال سهلة، فهو كان مستعدا لاستيعاب كل الاتجاهات ومستعدا لأن يلين أمام العواصف «ص 218 من كتاب بصراحة عن عبدالناصر.. أجرى الحوار فؤاد مطر. بيروت، 1975». ويحدثنا محمد إبراهيم كامل «وزير الخارجية المصرية فى المراحل الأولى لاتفاقية السلام مع إسرائيل» إنه فى كل مساء كان يجتمع أعضاء الوفد المصرى فى الاستراحة التى أنزال بها «أى ينزل بها محمد إبراهيم كامل، وكان الحديث يدور غالبا حول الموقف الأمريكى.. وكان أعضاء الوفد المصرى يبدو على وجه بعضهم الاطمئنان والثقة، وبعضهم يبدو عليه القلق والوجوم.. وكان الوقت يمضى ثقيلا مملا حتى يفرغ حسن التهامى من جولاته المجهولة وينضم إلينا فى الاستراحة، وكان الوحيد من بين أعضاء الوفود الذى ينزل فى استراحة بمفرده، كما كان هو وبيجين الوحيدين اللذين يصران على ارتداء بدلهما كاملة مع ربطة عنق طوال المؤتمر، فما أن يعبر التهامى مدخل الاستراحة حتى يتلاشى عندنا جو الملل والتثاؤب والقلق.. فتدب الحياة فى المجتمعين إذا أنه يقول - مثلا - إن موشى ديان قد وافقه منذ ساعة على عودة القدس للعرب ثم يتكلم عن التصوف وتفسير الأحلام، وينتقل إلى القصص والروايات، ويحكى كيف أنه حل مشكلة المسلمين فى الفلبين، وكيف استطاع أن يؤجل الثورة فى الملايو لمدة ثلاث سنوات، وكيف عالج نفسه من ألم الزعاف الذى دس له فى الطعام أثناء إحدى زياراته لبعض الدول العربية، فانسحب إلى غرفته يتلوى من الألم وأغلق على نفسه الباب بالمزلاج لمدة ثلاثة أيام لا يأكل ولا يشرب وراح يعالج نفسه بترياق السموم الذى يحمله معه دائما ثم يتكلم عن فوائد العنبر الذى يستخرج من كبد الحوت وعن مزايا عسل ملكات النحل، ثم يتوقف فجأة ويتكلم عن القدس ويخاطبنى قائلا: «القدس أمانة فى عنقك يا أخ محمد فحذار أن تفرط فيها». «... وفى أحد الأيام دخلنا غرفة الطعام فوجدنا حسن التهامى واقفا بالقرب من إحدى موائد الطعام المخصصة للوفد الإسرائيلى وقد التف حوله العديد من الإسرائيليين يستمعون إليه ويناقشونه فى اهتمام وتبين أن التهامى قد أخبرهم بأن فى مقدوره أن يوقف قلبه عن الحركة فى أى وقت يشاء..». والغريب أن بعض الرحالة الأجانب الأذكياء قد اكتشفوا منذ وقت باكر أهمية شخصية الدرويش فى مصر والعالم الإسلامى ذى التراث المملوكى يقول الرحالة ريتشارد بيرتون «زار مصر 1853» إنه بعد «شهر من العمل الشاق فى الإسكندرية اتخذت استعدادى لتقمص شخصية درويش متجول بعد أن غيرت لهجتى من ميرزا Mirza إلى الشيخ عبدالله، فقد أدرجنى أحد الرجال المبروكين الذى لم أهتم بتدوين اسمه - منذ فترة - فى طريقته الصوفية وهى الطريقة القادرية مدشنا انضمامى بالكلمة الجليلة «بسم الله- شاه» وبعد فترة تدقيق واختبار رقانى إلى درجة رفيعة فى الطريقة هى درجة «مرشد».. وليست هناك شخصية فى العالم الإسلامى ملائمة تماما للتنكر أفضل من شخصية الدرويش، فهى شخصية يتقمصها الشخص ذو المقام الرفيع الذى يتعرض للخزى فى مجالس الحاشية، ويتقمصها الفلاح الذى وصل مستواه للحضيض، ويتقمصها «الصايع» الذى أرهقته الحياة، ويتقمصها المبتلى بمرض بغيض والذين يستولون رغيف الخبز من باب إلى باب..» ولم يدر بيرتون - هذا الرحالة الحصيف - أن هذه الشخصية تقمصها أيضا رجال السياسة، وهذا أمر غريب فهى مناسبة لرجال المباحث والمخابرات باعتبارهم يتقمصون الشخصيات ذات الوجود الفعلى فى المجتمع، أما أن يتقمصها التهامى «مثلا» ليعرض «دروشته» على اليهود والأوروبيين، فهذا هو الأمر الغريب. ويستمر بيرتون قائلا: «... والدرويش يحل له ما لا يحل لغيره، فمن المسموح له أن يتخطى قواعد اللياقة والأدب باعتباره شخصا ليس من أهل الدنيا أو باعتباره شخصا تخلى عن الدنيا وما فيها، فقد يصلى وقد يمتنع عن الصلاة وقد يتزوج أو يبقى بلا زوجة وهو محترم سواء ارتدى ثيابا من صوف غليظ أو ارتدى ثيابا موشاة بالذهب فلا أحد يسأل هذا «المتشرد ذا الحصانة» لم أتى هنا؟ ولم ذهب هناك؟ وقد يقطع طريقه وحيدا سائرا على قدميه، وقد يركب بغلة عربية يتبعها اثنا عشر خادما وهو يبعث على الرهبة دون أن يحمل سلاحا، وقد يختال فى الطرقات مدججا بالسلاح»، ويلاحظ أن التهامى رفع مسدسه فى وجه السادات، ورغم أنه هدد عبدالناصر، وقيل إنه رفع مسدسه فى وجه موشى ديان فى المغرب، وكل هذا من باب الدروشة «يحل له ما لا يحل لغيره». ويستطرد بيرتون: «والدرويش أعلى الناس مقاما وأكثرهم اتساما بالعدوانية، وهو يحظى باحترام من الناس أكثر مما يحظى به الآخرون، وهذه المزايا مطلوبة للرحالة ذى المزاج الحاد، ففى ساعة الخطر الوشيك ما عليه إلا أن يصبح ممسوسا «به جنّة» فيصبح آمنا، فالمجنون فى بلاد الشرق يشبه الشخص غريب الأطوار فى الغرب إذا يسمح له أن يقول أو يفعل ما تمليه عليه الأرواح، فإذا أضفت إلى شخصية الدرويش قليلا من المعلومات الطبية ومهارة متوسطة فى السحر وشهرة بأن همك الوحيد هو قراءة الكتب.. فإنك بذلك تصبح ذا مزايا خاصة فى بلاد الشرق.. والخطر الوحيد فى الاندماج فى تلك الطرق الصوفية هو أن ثياب الدرويش الممزقة لا تغطى العورة تماما، فإذا حوصرت فى جماعة من مثل هؤلاء الأخوة، فقد تصبح على كره منك «تحت العصا أو فوق الوتد».. ويشير الدراويش لممارساتهم باشارات باطنية مؤداها أننا و«هو» مظهر لشىء واحد..» وقد زار مصر فى القرن السابع عشر الرحالة «جوزيف بتسى» الذى عرف باسم الحاج يوسف، ولاحظ أيضا ظاهرة الدراويش، أما الرحالة «فارتيما» الذى تسمى باسم الحاج يونس فقد قدم نفسه للمسلمين فى الهند باعتباره درويشا وجعلهم يقبلون يديه ورجليه، وكان هو سعيدا بذلك ويحدثنا الأمير النمساوى ردلف «نشرت رحلته فى ثلاثة أجزاء فى سلسلة الألف كتاب الثانى - الهيئة المصرية العامة للكتاب» الذى زار مصر فى أواخر عهد الخديو إسماعيل عن التوظيف السياسى للدراويش، فيذكر أن طوائف الدراويش - إبان توسع الخديو فى أفريقيا- صممت «رقصاتها» أو ما يعرف بحلقات الذكر على النحو التالى: يدور الدرويش حول نفسه دورات سريعة، ويقبض إحدى يديه إلى صدره وكأنه يمسك سيفا، ويرفع يده الأخرى للسماء باسطا كفه إلى أعلى، وكأنه يقول: يد تجاهد فى سبيل الله، وأخرى تطلب العطايا من الرحمن. وثمة تداخل رقيق بين نظام الدراويش، والشرافة أو الانتساب لآل بيت الرسول صلى الله عليه وسلم، فغالبًا ما يدعى الدرويش أنه من سلالة النبى ويلبس عمامة خضراء دلالة على ذلك، وإذا استحال ذلك من الناحية المنطقية لكونه كرديًا أو فارسيا أو تركيا، فالفكر الدراويشى لايعجز أمام الحل، فهناك ما يعرف (بالنسب الباطنى) أو (نسب الباطن) فهو وفقا لهذا النسب الذى لايعلمه إلا الله من سلالة النبى حتى لو كان أمريكيًا أو انجليزيًا أو إيطالياً أو حتى لو كان من أصول يهودية، والمتمتع بالشرافة (إدعاء الانتساب لآل البيت) مثله مثل الدرويش يحل له ما لا يحل لغيره باعتباره (واصل). ويحدثنا رحالة مرافق لفاسكو داجاما الذى دار حول افريقيا سنة 1497، أن القائد (فاسكو) التقى فى شرق أفريقيا بأحد الأشراف (المنتسبين للرسول صلى الله عليه وسلم) وشرب معه الخمر، ويصف الرحالة هذا الشريف بأنه كان (سكيرًا من الدرجة الأولى، فأشبع داجما نهمه فى هذا المضمار، راجع يوميات داجاما - الألف كتاب الثانى - الهيئة العامة للكتاب). ولقد لعب السلاطين العثمانيون حتى قبل القرن السادس عشر دورًا هامًا فى الإبقاء على الدراويش والمتحمسين لآل البيت (الفوارق رقيقة بين النظامين)، وإن كانت سياستهم الثابتة هى مجاراة أهل السنة فى محاربة ما يسمى بالبدع والخروج عن الشرع، فطرق الدراويش كانت جزءًا لايتجزأ من الدولة العثمانية بحيث كانت مهاجمتها أمرًا صعباً، بل إن الانكشارية كانوا أعضاء فى طرق الدروشة، وكانوا يوقرون دراويش البقطاشية، وكان لكل جماعة من الانكشارية درويش هو بمثابة (بركة) يجلب الانتصار، وفى مصر كان لأحد وزراء الداخلية فى مصر فى عهد ما بعد السادات (درويش) هو بمثابة (فاسوخة) له وكان يصحبه لمكتبه، ولايبعد عن هذا الأمر كثيرًا أن الفرق الرياضية تصحب معها (درويشًا) أو (شيخاً) أو (فاسوخة) ليجلب لها الانتصار وهو ليس (شيخاً) بالمعنى المتعارف عليه أى رجل دين تقى يتلو القرآن الكريم ويطلب النصر، وإنما هو (درويش) قد يكون عربيدًا أو مخلولاً أو معتوهًا. ولابد للدرويش من مصدر معلومات غيبى يخترق به حاجز الزمان فيخبر عن الغيب، وحاجز المكان فيخبر عن الأماكن التى لايطولها مدى الرؤية، وقد حل الأستاذ حسن التهامى هذه المشكلة باتصاله بالخضر عليه السلام، فهو يقف فجأة وهو بين أصدقائه أو مفاوضيه ليقول لشخص ما لايراه أحد: - وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته فإذا سأل سائل: على من يرد السلام قال الاستاذ التهامى: على الخضر عليه السلام. وكما هو معروف فى التراث الدينى فإن الخضر عليه السلام أوتى العلم (اللدنى) أى من لدن الله سبحانه وتعالى، وأنه استطاع أن ينجى أصحاب السفينة - كما جاء فى القرآن الكريم - من سلب سفينتهم بأن جعل فيها عيبا (عابها) حتى لايستولى عليها الملك وذلك بأن خرقها - أى خرق السفينة؟ فلما جاء الملك وجد السفينة معيبة فلم يغتصبها، كما أنه من المعروف أنه قتل غلاما لأنه سيكون عندما يكبر معاندا مكابرا يضر والديه الصالحين إلى غير ذلك من الكرامات التى تؤكد أنه يعلم ما سيحدث بإذن ربه. وقد أخبر الخضر (عليه السلام) فيما يبدو الاستاذ التهامى بمواضع الهجمات المتوقعة على ايران أثناء الحرب العراقية الإيرانية، ولكن الإيرانيين رغم عمق التراث المملوكى، وتراث الدروشة لديهم استنتجوا من ذلك أن الرجل يعمل مع مخابرات دولة أخرى. لايعنينا كثيرا فى هذا البحث إيراد أسماء أو الاغراق فى التحقيقات التاريخية لكننا نتقصى التراث المملوكى ونتبعه فى مصر المعاصرة، وفى مناطق أخرى استطرادًا. وكان أحد وزراء الاقتصاد (د.حسن عباس زكى) هو دليل عبدالناصر إلى عالم الدراويش، لكن عبدالناصر من خلال تتبع مفردات حياته رجل عقلانى لايترك أمورًا كثيرة للصدفة، كما اتضح من سيل الكتب والمذكرات التى كتبت عن عهده ولم يتقمص عبدالناصر شخصية الدرويش ولم يحاول وعلى كثرة المخالفين له بل والمناوئين، فهناك ما يشبه الاجماع على أنه لم يكن شارب خمر (التزام إسلامى) ولم يكن مرتشيًا (التزام إسلامى) ولم يكن يستمتع بملذات نائية (التزام إسلامى) وما قام به من تأميم وإصلاح زراعى ورد شىء كثير منه فى برامج الجماعات الإسلامية قبل 23 يوليو 1952، ومع هذا فقد وافق عبدالناصر على أن يقابل أحد مشايخ الطرق الصوفية ليحصل منه على البركة، وهذا فيما نظن نوعًا من التفكير الاستراتيجى لإحداث توازنة بين الجماعات الإسلامية المقاومة لعبد الناصر والتى كانت فى المعتقلات يومئذ، وبين الجماعات (الإسلامية أيضًا) التى لا تعارض أى حاكم - بحكم تكوينها واهتماماتها. وعن طريق (وزير الاقتصاد نفسه قدم درويش سودانى لعبدالناصر خاتما ليحميه من الموت (كذا) ولما علم هذا الدرويش - بعد ذلك - أن الخاتم فقد من عبدالناصر، وأن عبدالناصر بحث عنه ولم يجده، بكى الدرويش بشدة، فلما سأله وزير الاقتصاد آنف الذكر عن سر بكائه قال له، بأن معنى هذا أن عبدالناصر سيموت قريباً، وبالفعل مات عبدالناصر فى اليوم التالى أو الذى يليه، وإن صحت هذه الرواية الدراويشية فإن المرء يحق له أن يتساءل: هل مات عبدالناصر ميتة طبيعية؟! أربعة أفكار أساسية تحلقت حولها فكرة العبيد البيض أو المماليك عن الاقتصاد والحياة الاقتصادية: 1- فكرة (الريع) 2- فكرة العمولة أو السمسرة وتداخلت معها فكرة تجارة النفوذ. 3- البقاشيش (الفرد: بقشيش) والحلوان (المفرد حلاوة). 4- السلب. ومع أن السلب المصاحب للفوضى وغياب القانون كان يعد أهم ملامح (الاقتصاد الداخلى) فى العصور التى ساد فيها تراث العبيد البيض، إلا أننى استميح القارىء عذرا فى ألا أتعرض لهذا الملمح- رغم أهميته - فى هذا الفصل لسببين: - أولهما: أن القارئ سيجد معلومات كثيرة عن هذا السلب إذا تصفح كتب التاريخ المملوكى أو كتب التاريخ العثمانى، حيث كان المماليك هم الحكام الحقيقيين، ولم يكن يمثل السلطة العثمانية إلا وآل عثمانى ضعيف الشأن، يمثل رمزًا أكثر مما يمثل سلطة حقيقية، بالإضافة إلى أن الدولة العثمانية كانت تقوم فقط - غالبًا بدور الحامى للبلاد التابعة لها ضد القوى الأجنبية، بينما تركت الحكم الداخلى للقوى الموجودة بالفعل: القبائل فى الحجاز ووسط الجزيرة، المماليك فى مصر.. إلخ المعلومات إذن عن الفوضى وغياب القانون، ومن ثم عمليات السلب والنهب متوفرة فى المراجع الكثيرة، ويمكن للقارئ أن يصل إليها بسهولة. ثانيهما: أن عمليات السلب والنهب بشكلها المباشر، وصورتها المادية: قيام المماليك أو العسكر بالهجوم على البيوت والمتاجر والمزارع.. إلخ، قد قلت رويدا رويدا فى التاريخ المصرى مع تطور الدولة والاحتكاك الحضارى وقيام المؤسسات.. إلخ أقول لقد تلاشى ذلك أو قل تلاشى بشكله الصارخ آنف الذكر، وإن كان هذا لايمنع من قيام المماليك الجدد أو حملة التراث المملوكى بإنشاء تنظيمات للاستيلاء على أراضى الدولة أو الأهالى أو حتى الشقق والمساكن.. إلخ. أما الآن - وبعد هذا التبرير - فلنعد إلى الأفكار الأخرى الأساسية التى تشكل فكر مجتمع الرقيق الأبيض عن الاقتصاد، ولنبدأ بالسمسرة أو العمولة وهى تختلط كما ذكرنا فى بداية هذا الفصل مع تجارة النفوذ. وفى ظل تجارة النفوذ أو وجود تنظيمات ضاغطة يستحيل وجود اقتصاد حر، وهذا يمثل صعوبة عملية البيع والشراء فى مجتمعنا، وفى المجتمعات الأخرى التى يسيطر فيها التراث المملوكى أو تراث العبيد البيض. وقد يبدو هذا الكلام غير واقعى، فعمليات البيع والشراء تتم أمامنا الآن بالآلاف بل الملايين كل ساعة وكل دقيقة، لكن الحقيقة أنها - فى معظمها - ليست عمليات بيع وشراء حقيقية أو (طبيعية أو لا يحكمها إلا العرض والطلب) كما يقال فى ظل الاقتصاد الحر، ولنضرب أمثلة بسيطة لتوضيح الفكرة، ولأننى أضع فى اعتبارى أننى أكتب فى مجال علم الاجتماع التاريخى ولكل القراء على سواء، لذلك سأتعمد الإقلال قدر الممكن والمستطاع من المصطلحات الاكاديمية التى تشكل حائلا - فى كثير من الاحيان - بين القارئ وبين المعنى المقصود: - بيع سيارتك الخاصة الوضع الطبيعى أن عملية بيع سيارتك الخاصة مسألة سهلة واضحة، فمن (الطبيعى) أن يحكم سعرها: مدى صلاحيتها (حالتها الراهنة) والموديل وسنة الانتاج، وتمام أوراقها الرسمية (من فحص وتجديد رخصة تسيير) ويكفى (فى الوضع الطبيعى) أن تحدد سعرها (القابل للتفاوض إلى حد ما) ونعلن عن بيعها بوضع ملصق عليها، أو فى الجراج أو فى الصحف، أو بمجرد الحديث إلى المعارف.. ثم - أو هكذا يمكنك أن تتصور - يأتى المشترى، وتتفقان وتتسلم المال (ثمن السيارة) وتصحب المشترى لإتمام إجراءات نقل الملكية، هكذا ببساطة أو أن تكلف معرضًا من معارض السيارات بالقيام بكل ذلك مقابل مبلغ (محدد) متفق عليه (500 أو 400 جنيه مثلاً) هكذا ببساطة هذه البساطة، وهذه العملية التجارية الصحية والصحيحة لايمكن أن تتم بهذا الشكل فى مجتمع المماليك أو المجتمع ذى التراث المتحدر إلينا من مجتمع الرقيق الأبيض. وإنما لابد من تداخلات وتداخلات تفسد المبدأ الاقتصادى المتعلق بالعرض والطلب، ليدفع المشترى - فى النهاية - لمن لايملك بالقدر نفسه الذى يدفع فيه لمن يملك (صاحب السيارة) كيف يتم هذا؟ اتفقنا أن مهارة المماليك الأساسية تتمثل فى ركوب الخيل والتدرب على القتال. وذلك للدفاع عن استاذهم (الذى اشتراهم صغارًا أو كبارًاّ) ضد الزعماء المماليك الآخرين، والتدرب على الدس ووضع الزنب.. إلخ ضد بعضهم البعض بغية الوصول للخظوة لدى استاذهم، أو للوصول للسلطة وللإيقاع بمن وصل للسلطة، وإذا ما بلغ بالمملوك العمر عتيا (كبر فى السن) فإنه إن كان عزيزًا لدى سيده أعطاه (طرخانية) أى قطعة أرض بمن فيها من الفلاحين ليعيش على ريعها.. هذا كل ما يتقنه، وهذه هى الأساليب التى يرتاح إليها لكسب عيشه. نعود للسيارة، فنجد أن مماليك كثيرين سيتدخلون لإفساد قانون العرض والطلب، قد يكون المملوك الأول الذى سيتدخل هو عامل الجراج، فمع انه مملوك (زعلوك) إلا أنه يستطيع أن يبخس سيارتك ثمنها إذا لم تكن قد اتفقت معه ففى حال الاتفاق ربما استطاع أن يجعلك تبيع السيارة بأكثر من قيمتها ويمكن لعامل الجراج بالاتفاق مع آخرين أن يمنع وصول المشترين إليك، فأنت فى حاجة إلى (التربيط) و(الاحتياط) و(التكتيك) وتحتاج أن تجعل (عينك فى وسط رأسك) حتى يصل إليك المشترى. وبطبيعة الحال فأنت ستحتاج لدهان سيارتك واصلاح مابها وإظهارها بمظهر جيد قبل عرضها للبيع، وسيتشمم صاحب ورشة الدوكو (الدهان) إن كنت تجهز سيارتك للحصول على ترخيص أم لعرضها للبيع، فإن اتضح انك ستعرضها للبيع فلابد أن يتدخل، فهو سيجعل لك السيارة (عروسة) وبالتالى فإن حساب التكاليف إذا كنت تود دهان السيارة لنفسك غير حسابها إن كنت تود دهانها لعرضها للبيع، فالسعر الذى سيحصل عليه لا علاقة له (بقيمة) العمل أو (الجهد) المبذول أو (الخامة) المستعملة، وإنما له علاقة بمكسبك أنت عندما تعرض السيارة للبيع، وهكذا تتحول العملية الاقتصادية الصحية (مال مقابل عمل ومادة خام) إلى ما مقابل مال (والعملية الأولى اقتصادية، والعملية الثانية مالية والفارق بينهما كبير)، لم يتعود المملوك أن يحصل على مال مقابل (إنتاج) وإنما هو يحصل على (ريع) انتاج الآخرين، ولم يتعود المملوك أن يتاجر تجارة (داخلية) حرة، وإنما هو يسعر البضاعة وفقًا لنفوذه هو، وارتبطت التجارة لديه بالنفوذ، ومن هنا فإن سيارة (الباشا) أعلى بالتأكيد من سيارة (غير الباشا) مع أن السيارتين من ماركة واحدة ولها نفس الموديل (سنة الإنتاج) وبذلك يظهر عامل مملوكى آخر هو تجارة النفوذ. إذا أضفناه للعامل السابق - اتضح أن الاقتصاد الحر فى ظل مثل هذه القيم لايمكن أن يكون حرًا وأن الانفتاح لايمكن أن يكون حقيقيًا، فقد ازدهرت التشرذمات المملوكية فى ظل الاقتصاد الحر بالدرجة نفسها التى ازدهرت بها فى ظل الاقتصاد الاشتراكى مع فوارق اقتضتها طبيعة الاقتصاديين. فالمشكلة إذن ليست فى نوع الاقتصاد بقدر ما هى فى (التربة) أو (البيئة) أو (الجو العام) الذى يسوده تراث التشرذم المملوكى الذى غطى أكثر من ألف سنة فى تاريخنا والذى لم يتناوله المؤرخون إلا من خلال المعارك الحاسمة ضد المغول وضد الصليبيين، ومن خلال المساجد الباهرة كمسجد السلطان حسن، ومن خلال المعارك حول منصب السلطنة. كم هو ساذج هذا التناول؟ كانت إحدى الأدوات الرئيسية التى تستخدمها مجموعة المماليك للوصول للسلطة هى السيطرة على الاقتصاد و(تجويع) السوق أو الناس، فتحدث الاضطرابات وينضم الناس لهم ضد المجموعة الأخرى الحاكمة، وكانت عمليات (التجويع) تتم بقسوة، لأن المماليك (مماليك) والأهالى (أهالى) ولايتحرك شعور المملوك قيد أنملة إذا تلوى واحد من الأهالى جوعاً أمامه، فالمملوك هو (السلطة) وهو السلطة الوافدة وهو السلطة المختلفة (عرقاً) عن سائر الناس، وظل هذا الفكر نفسه إلى عهد قريب، وربما إلى الآن فالشخص حتى إذا لم يكن مملوكى الأصل بمجرد انتقاله إلى (مجموعة) السلطة نظر للناس على أنهم (أهالى) من فئة أخرى. ذهب كاتب هذه السطور لحذاء (جزمجى) ليخصف له نعله (يصلح له حذاءه) فى أحد مراكز محافظة القليوبية، فوجد عنده مخبراً يطالب بتسلم حذائه الذى اعطاه للحذاء منذ يوم مضى، فاستمهله الحذاء، ثم إن الحذاء تركنا لبعض شأنه، فراح المخبر يتجاذب معى أطراف الحديث وراح يشكو من قلة أدب هذا الحذاء، وقال من جملة ما قال: إذا كان يتصرف معى بهذا الشكل فكيف يتصرف مع الأهالى؟ ولما سألته عن عمله، وضع يده فوق طاقيته وهيأ من وضعها وقال لي: مخبر، فقلت له ملتمسًا العذر للحذاء: معلهش، غلبان وشغله كثير، وأجره رخيص، ثم سألت المخبر: كم أعطيته فى إصلاح النعل؟ فنظر إلى مستغرباً وقال: انت عاوزه ياخد مني! فقلت له: لا مؤاخذه، ما أخدتش بالى، فقال المخبر: «ده الاحترام واجب» فقلت له: «نعم الاحترام واجب» وقلت لنفسي: «هذا صحيح وهذه ليست قصة فردية، ولكنها القاعدة». سلطان تاجر الجملة: لايكفى أن يكون عندك مال ودكان لتتعامل مع تاجر الجملة، لكن هناك (أسلوبا) خاصا للتعامل معه بحيث يحس انك من (رعيته) أو من (جماعته) أو حتى من (رجاله) فهو (المعلم) أو (الشهبندر) أو (الخوجه).. وكل هذه الألفاظ تراث مملوكى وهو الذى يعطيك وهو الذى يمنعك، أما إذا أردت أن تتعامل معه بشكل واضح كتاجر تجزئة يتعامل مع تاجر جملة فلن تحصل على السعر المناسب، لأن السعر المناسب (سر) فى التراث المملوكى والبدوى على سواء (سنتناولى إن كان فى العمر بقية التراث البدوى فى الدولة المصرية فى كتاب قادم إن شاء الله). ويحكى لنا أحد الرحالة الأوروبيين وهو بوركهارت عن طريقة الاتفاق على السعر فى الحجاز، فيقول إن المشترين يتحلقون حول البائع (بائع الجملة - أى أن البائع والمشترى من التجار) ويسلم كل بائع تجزئة على تاجر الجملة، وعن طريق هذا السلام يتحدد السعر، فإذا ضغط على يده أربع مرات مثلاً كان السعر 400 (مثلاً) وإن ضغط مرتين فالسعر 200 أو إن أمسك اصبعين من أصابعه فالسعر 200 وإن أمسك أربعة أصابع فالسعر 400 وهكذا، وإن كان الحوار على من سيفوز بالصفقة فأحيانا يتم إخراج الاصبع الوسطى لتلمس باطن كف السائل فيكون المعنى أن فلانًا هذا لن يأخذ الصفقة، أو بتعبير آخر أخذ (بعب...) والكلمة بين القوسين غير كاملة، فالحياء واجب كما أن الاحترام مطلوب لكن يمكن إكمالها بإضافة واو وحرف آخر ذى جرس. فالعمليات التجارية - على المستوى الداخلى - تدار كما تدار معارك المماليك الحربية، فيها (دس) و(سر) و(صراع) والحقيقة أن التجارة فى كل مكان لاتخلو من شىء كهذا، ونحن هنا نتحدث عن (الدرجة) لا النوع، ففى مجتمع القبيلة، ومجتمع الاقتصاد الأوروبى الحر لايخلو الأمر من شىء كهذا، لكن ليس إلى الحد الذى يشكل قاعدة. لذلك فإن كل ما كتبه هيكل عن الاستراتيجية وتوازن القوى، والتناطح بالرأس وغير الرأس والتكتيك.. إلخ، كان يمكن أن يكون مدرسة عظيمة فى مجتمعات الغرب أو الشرق الخالية من التراث المملوكى، أما فى مجتمعات التراث المملوكى فإن مثل هذه الأفكار لاتطبق إلا فى (الداخل) حيث التربة ملائمة وحيث التراث المملوكى يطفح ويفسد أى قانون أو تنظيم. ألم نقل إن الفكرة فى حد ذاتها لاتزيد فى أهميتها على التربة المبذورة فيها؟! ويقول المثل المصرى ذو الرائحة الطبقية (لاتعلموا أولاد السفلة العلم) وبلغ من إيمان المصرى بهذا المثل أنه نسبه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهذا بطبيعة الحال غير صحيح. والعلم شىء رائع، و(ابن السافل) هو التربة التى تحيل العلم (الشىء الرائع) إلى ما هو مضر، فالكيمياء علم مرتبط بتقدم الأمم لكن (ابن السافل) يحيله إلى شيء ضار بتقديم (السم) الكيميائى إلى غريمه، والطب علم ضرورى لكن الطبيب (ابن السافل) يستغل معرفته بالطب لإعطاء شهادات طبية مزورة، ورفع درجة حرارة المتهم بالقتل ليثبت أنه كان مريضاً ومقيماً بمستشفاه الخاص، والميكانيكا من ضرورات الحياة الآن، لكن الميكانيكى (ابن السافل) يقوم بفك موتور السيارة، ليشهد أن هذه السيارة التى ارتكبت حادثًا كانت فى ورشته منذ أيام وكل هذه الأمثلة تبين أن التربة التى تلقى فيها الفكرة قد تكون أهم من الفكرة نفسها! فى مجتمع الرقيق الأبيض بحكم تكوينه لابد أن تكون «الجدعنة» تعنى الإتيان بغير المألوف، وغير المألوف فى مثل هذا المجتمع قد يعنى الشجاعة الفائقة فى الحرب استخدم الفاطميون أيضاً المماليك «العبيد البيض وغير البيض» فى حكم البلاد، وليس لدينا احصاءات دقيقة عن أعداد المماليك «العبيد البيض» الذين استقروا فى مصر منذ القرن العاشر للميلاد، حتى القرن التاسع عشر الدكتور ع.ع تراث العبيد فى حكم مصر المعاصرة العلاقة الجنسية فى المجتمعات التى لم تتشرب تراث العبيد البيض، علاقة «نفعية متبادلة» يستفيد منها الطرفان، إن تمت فى ظروف الموافقة، وهى نوع من الاعتداء إذا تمت فى ظروف لم يكن فيها أحد الطرفين راضياً والمغتصب فى المجتمعات الغربية لا يفكر أبداً فى إذلال من اغتصبه «رجلاً كان أو امرأة» وإنما هو يريد أن يحصل على المتعة «من طرف واحد»، ومن هنا فلم نسمع عن مماسة الجنس قهراً مع المخالفين السياسيين الدكتور ع.ع تراث العبيد فى حكم مصر المعاصرة الجهاز الادارى «الرقيق السلطانى» لم يعد حساسا ازاء أوامر الادارة العليا، فلتصدر الادارة العليا ما تشاء من قرارات، لكن «عم عوضين» فى مركز الشرطة أو الجمارك أو غير ذلك من الهيئات ينفذ ما يشاء هو القضاء على قادة المماليك فى مذبحة القلعة وادخال أبناء المماليك القتلى فى خدمة محمد على وتزويج نسائهم لضباط جيشه واتباعه أكمل ابراهيم باشا ابن محمد على مذبحة أبيه بمذبحة أخرى الدكتور ع.ع تراث العبيد فى حكم مصر المعاصرة كان المملوك - حتى لو كان طواشيا «خصيا» يعيش حياته بالطول والعرض ويرتكب كل أنواع الموبقات والآثام، وبحكم كونه منبتا لا أسرة له يكون غير حريص على صحة أنساب الآخرين وحتى لو كون أسرة لقد أخذت الدولة العثمانية -بشكل واضح- بالنظم الغربية منذ صدور القوانين المعروفة بقوانين قصر الزهور «خط كلخانة- والكلمة تعنى قصر الزهور» أو التنظيمات الخيرية فى 4 نوفمبر 1839 الدكتور ع.ع تراث العبيد فى حكم مصر المعاصرة كان المملوك إذن يعيش حياته بالطول والعرض، كما كان يقوم بكثير من أعمال القتل والسلب والنهب وهى أمور لازمة لطبيعة التشرذمات المملوكية وطبيعية الحكم المملوكى الدرويش يحل له ما لا يحل لغيره، فمن المسموح له أن يتخطى قواعد اللياقة والأدب باعتباره شخصا ليس من أهل الدنيا أو باعتباره شخصا تخلى عن الدنيا وما فيها، فقد يصلى وقد يمتنع عن الصلاة الدكتور ع.ع تراث العبيد فى حكم مصر المعاصرة القارئ سيجد معلومات كثيرة عن هذا السلب إذا تصفح كتب التاريخ المملوكى أو كتب التاريخ العثمانى، حيث كان المماليك هم الحكام الحقيقيين، ولم يكن يمثل السلطة العثمانية لقد لعب السلاطين العثمانيون حتى قبل القرن السادس عشر دورًا هامًا فى الإبقاء على الدراويش والمتحمسين لآل البيت (الفوارق رقيقة بين النظامين)، وإن كانت سياستهم الثابتة هى مجاراة أهل السنة فى محاربة ما يسمى بالبدع والخروج عن الشرع الدكتور ع.ع تراث العبيد فى حكم مصر المعاصرة كل ما كتبه هيكل عن الاستراتيجية وتوازن القوى، والتناطح بالرأس وغير الرأس والتكتيك.. إلخ، كان يمكن أن يكون مدرسة عظيمة فى مجتمعات الغرب أو الشرق الخالية من التراث المملوكى كانت إحدى الأدوات الرئيسية التى تستخدمها مجموعة المماليك للوصول للسلطة هى السيطرة على الاقتصاد و(تجويع) السوق أو الناس، فتحدث الاضطرابات وينضم الناس لهم ضد المجموعة الأخرى الحاكمة