شاهد، أعمال تركيب القضبان والفلنكات بمشروع الخط الأول من شبكة القطار الكهربائي السريع    الصين تُبقي أسعار الفائدة دون تغيير للشهر السادس رغم مؤشرات التباطؤ    ترامب يوقع قانونًا لنشر ملفات جيفري إبستين.. ويعلن لقاءً مع رئيس بلدية نيويورك المنتخب    حجبت الرؤية بشكل تام، تحذير عاجل من محافظة الجيزة للمواطنين بشأن الشبورة الكثيفة    سيد إسماعيل ضيف الله: «شغف» تعيد قراءة العلاقة بين الشرق والغرب    ترامب يرغب في تعيين وزير الخزانة سكوت بيسنت رئيسا للاحتياطي الاتحادي رغم رفضه للمنصب    أخبار فاتتك وأنت نائم| حادث انقلاب أتوبيس.. حريق مصنع إطارات.. المرحلة الثانية لانتخابات النواب    حركة القطارات| 45 دقيقة تأخيرًا بين قليوب والزقازيق والمنصورة.. الخميس 20 نوفمبر 2025    انتهاء الدعاية واستعدادات مكثفة بالمحافظات.. معركة نارية في المرحلة الثانية لانتخابات النواب    تحريات لكشف ملابسات سقوط سيدة من عقار فى الهرم    زكريا أبوحرام يكتب: هل يمكن التطوير بلجنة؟    زوار يعبثون والشارع يغضب.. المتحف الكبير يواجه فوضى «الترندات»    دعاء الفجر| اللهم إن كان رزقي في السماء فأنزله    بيان سعودي حول زيارة محمد بن سلمان إلى الولايات المتحدة    مستشار ترامب للشئون الأفريقية: أمريكا ملتزمة بإنهاء الصراع في السودان    سفير فلسطين: الموقف الجزائري من القضية الفلسطينية ثابت ولا يتغير    أدعية الرزق وأفضل الطرق لطلب البركة والتوفيق من الله    كيفية تدريب الطفل على الاستيقاظ لصلاة الفجر بسهولة ودون معاناة    فلسطين.. تعزيزات إسرائيلية إلى قباطية جنوب جنين بعد تسلل وحدة خاصة    مكايدة في صلاح أم محبة لزميله، تعليق مثير من مبابي عن "ملك إفريقيا" بعد فوز أشرف حكيمي    مصادر تكشف الأسباب الحقيقية لاستقالة محمد سليم من حزب الجبهة الوطنية    طريقة عمل البصل البودر في المنزل بخطوات بسيطة    يحيى أبو الفتوح: منافسة بين المؤسسات للاستفادة من الذكاء الاصطناعي    إصابة 15 شخصًا.. قرارات جديدة في حادث انقلاب أتوبيس بأكتوبر    طريقة عمل الكشك المصري في المنزل    أفضل طريقة لعمل العدس الساخن في فصل الشتاء    مأساة في عزبة المصاص.. وفاة طفلة نتيجة دخان حريق داخل شقة    أسعار الدواجن في الأسواق المصرية.. اليوم الخميس 20 نوفمبر 2025    خبيرة اقتصاد: تركيب «وعاء الضغط» يُترجم الحلم النووي على أرض الواقع    وردة «داليا».. همسة صامتة في يوم ميلادي    بنات الباشا.. مرثية سينمائية لنساء لا ينقذهن أحد    مروة شتلة تحذر: حرمان الأطفال لاتخاذ قرارات مبكرة يضر شخصيتهم    مهرجان القاهرة السينمائي.. المخرج مهدي هميلي: «اغتراب» حاول التعبير عن أزمة وجودية بين الإنسان والآلة    خالد أبو بكر: محطة الضبعة النووية إنجاز تاريخي لمصر.. فيديو    ضبط صانعة محتوى بتهمة نشر مقاطع فيديو خادشة للحياء ببولاق الدكرور    إطلاق برامج تدريبية متخصصة لقضاة المحكمة الكنسية اللوثرية بالتعاون مع المعهد القضائي الفلسطيني    إعلام سوري: اشتباكات الرقة إثر هجوم لقوات سوريا الديمقراطية على مواقع الجيش    موسكو تبدي استعدادًا لاستئناف مفاوضات خفض الأسلحة النووي    بوتين: يجب أن نعتمد على التقنيات التكنولوجية الخاصة بنا في مجالات حوكمة الدولة    تأجيل محاكمة المطربة بوسي في اتهامها بالتهرب الضريبي ل3 ديسمبر    خالد الغندور: أفشة ينتظر تحديد مستقبله مع الأهلي    دوري أبطال أفريقيا.. بعثة ريفرز النيجيري تصل القاهرة لمواجهة بيراميدز| صور    تقرير: بسبب مدربه الجديد.. برشلونة يفكر في قطع إعارة فاتي    ديلي ميل: أرسنال يراقب "مايكل إيسيان" الجديد    بالأسماء| إصابة 5 أشخاص في حادث تصادم ميكروباص وملاكي بأسيوط    فتح باب حجز تذاكر مباراة الأهلي وشبيبة القبائل بدورى أبطال أفريقيا    أرسنال يكبد ريال مدريد أول خسارة في دوري أبطال أوروبا للسيدات    "مفتاح" لا يقدر بثمن، مفاجآت بشأن هدية ترامب لكريستيانو رونالدو (صور)    ضمن مبادرة"صَحِّح مفاهيمك".. أوقاف الفيوم تنظم قوافل دعوية حول حُسن الجوار    لربات البيوت.. يجب ارتداء جوانتى أثناء غسل الصحون لتجنب الفطريات    عصام صاصا عن طليقته: مشوفتش منها غير كل خير    تصل إلى 100 ألف جنيه، عقوبة خرق الصمت الانتخابي في انتخابات مجلس النواب    أمريكا: المدعون الفيدراليون يتهمون رجلا بإشعال النار في امرأة بقطار    ماييلي: جائزة أفضل لاعب فخر لى ورسالة للشباب لمواصلة العمل الدؤوب    قليوب والقناطر تنتفض وسط حشد غير مسبوق في المؤتمر الانتخابي للمهندس محمود مرسي.. فيديو    خالد الجندي: الكفر 3 أنواع.. وصاحب الجنتين وقع في الشرك رغم عناده    أهم أحكام الصلاة على الكرسي في المسجد    مواقيت الصلاه اليوم الأربعاء 19نوفمبر 2025 فى المنيا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



في 2012 «الهزيمة الثالثة» للمماليك
نشر في الوفد يوم 02 - 01 - 2012

إذا كان «رأس الذئب» الطائر، لم يكف ليخاف من كانوا حوله على رؤوسهم.
فلا مانع من أن تطير رؤوس أخرى، اعتقد أصحابها، خوفا أو جهلا، أن خلاصهم، في إعادة «لصق» الرأس الطائر، بعد تغيير «الوجه»..!
...........
في كتاب «مصر في عهد عبد الناصر» ل«إيجور بيليايف» و«إفجيني بريماكوف».. نقرأ:
«اليوزباشية والصاغات والبكباشية المنضمين إلى تنظيم الضباط الأحرار الذي أعلن ونفذ وقلب نظام الحكم في مصر، لم يكونوا يمثلون على الإطلاق تلك الجماعات الطبقية التقليدية التي كان الجيش المصري واقعا في أيديها على مر عشرات السنين، فقد كان جميع أعضاء التنظيم من المصريين ولم يكونوا من الأتراك أو المماليك أو الألبان أو الشراكسة كما كان الحال من قبل وكانت الأغلبية العظمى لأعضاء التنظيم من أبناء الفئات الاجتماعية المتوسطة».
وكانت الكلية الحربية هي الميدان الذي تعرف فيه الضباط الأحرار على بعضهم، إذ أن دفعاتهم كانت متقاربة فلم يتم تكتلهم بطريقة التشرذم المملوكية وإنما بطريقة طبيعية «أبناء الدفعة الواحدة أو الفوج الواحد أو الدفعات المتقاربة».
لذلك.. نجحت ثورة يوليو.
ولذلك.. كان نجاحها هو «الهزيمة الثانية» للمماليك في مصر.
عبيد مبارك و«نواح» ابن اياس!
المماليك لمن لا يعرف! هم عبيد من أصول مختلفة، استقدمهم الأيوبيون، ثم زاد نفوذهم حتى تمكنوا من الاستيلاء على السلطة سنة 1250، وواصل حكامهم إتباع منهج الأيوبيين في استقدام المماليك من بلدان غير إسلامية، وكانوا في الأغلب أطفالا، يتم تربيتهم وفق قواعد صارمة في ثكنات عسكرية، أهم تلك القواعد هي عزلهم عن العالم الخارجي ضمانا لولائهم التام للحاكم.
وظل المماليك يحكمون مصر والشام والعراق وأجزاء من الجزيرة العربية أكثر من قرنين ونصف القرن (تحديدا من 1250 إلى 1517) وأسسوا في مصر والشام دولتين متعاقبتين كانت عاصمتهما القاهرة: الأولى دولة «المماليك البحرية»، تلتها مباشرة دولة «المماليك البرجية» بانقلاب عسكري قام به السلطان الشركسي برقوق.
وكان آخر سلاطين الدولة المملوكية هو طومان باي، وبإعدامه على باب زويلة على «الخازوق، بدأ عصر الأتراك العثمانيين وأصبحت مصر ولاية عثمانية.
..ولمن يندهش الآن من «نعيق» عبيد مبارك أذكرهم بالقصيدة التي كتبها «ابن إياس» قصيدة جاء في بدايتها: «نوحوا على مصر لأمر قد جرى.. من حادث عمت مصيبته الورى».
مجرد هزيمة سلطانية
استيلاء «الأتراك» على مصر، لم يكن هزيمة للمماليك، فالهزيمة كانت للسلطان المملوكي فقط، أما أجهزة الدولة فبقيت تحت سيطرتهم، فمصر وهي ولاية عثمانية، تم تقسيمها لعدة أقاليم إدارية يتولى كل إقليم واحد من المماليك البكوات، يكون مسئولا أمام الحاكم العثماني، والحاكم كان مسئولا أمام الباب العالي بالآستانة.
وفي القرن 18 أصبحت سلطة «الباشا» صورية، والمماليك البكوات هم أهل الحل والربط، ونشأت بينهم صراعات علي السلطة ومنافسة للسيطرة، ظلت تحتدم حتى مجيء الحملة الفرنسية سنة 1798 التي غيرت تماما من موقف المماليك ومن موقف المصريين منهم.
وبعد خروج الحملة الفرنسية من مصر سنة 1801، سادت مصر حالةٌ من الفوضى والاضطراب، نتيجة لصراع المماليك على الحكم، وانقسامهم على أنفسهم، فبعضهم سعى إلى السيطرة على الحكم في البلاد والوصول إلى السلطة بدعم من إنجلترا، التي بدأ شعورها يتنامى بأهمية مصر، وخافت من عودة النفوذ الفرنسي إليها.
وفريق الآخر، كان يرى أنه يمكنه الاستقلال بالحكم دون مساعدة من أي قوى خارجية، وذلك بإيجاد نوع من التحالف والتنسيق بين بعض قوى المماليك ذات المصالح المشتركة، والأهداف المتقاربة.
ثم ظهرت قوة ثالثة، لا تقل نفوذًا ولا تأثيرًا عن المماليك الذين بدأت قواهم تخور وشوكتهم تضعف، هي القيادات الشعبية متمثلة في العلماء والمشايخ والتجار.
صعود محمد على
القوى الثلاث، يمكن أن نلخصها في ثلاثة رجالٍ كانوا يتنازعون على حكم مصر: زعيما المماليك الألفي والبرديسي.. والثالث كان محمد علي.
الألفي ذهب إلى لندن باحثا عن دعم الإنجليز، والبرديسي بقي في مصر حتى أطاح به محمد على بإثارة الألبانيين عليه وتحريضهم على المُطالبة برواتبهم فاضّطر البرديسي أن يفرض على أهل القاهرة ضرائب جديدةً واستخدم العنف في تحصيلها فحقدوا عليه ونجحوا في إبعاده عن القاهرة سنة 1804، فخلا الجو لمحمّد علي، واتّفق مع العلماء والأعيان على إخراج خسرو باشا من السّجن وتوليته ثم عزله وترحيله إلى الأستانة ففعلوا، ثم أقنعهم بأن الأمور لن تستقر إلاّ بتولية خورشيد باشا واختياره هو نائبًا عنه، وأخيرا أقنعهم بأن يكتبوا للباب العالي يسترحمونه في تولية محمد على.
هكذا، وبدعم و«استرحام» من العلماء والأعيان المصريين، أرسل السلطان العثماني سنة 1805 فرمانًا يقضي بتولية محمّد علي.
مهرجان الدم
أول ضربة للنظام المملوكي، بل وللعرق المملوكي كانت على يد محمد علي.. الذي لا تختلف نشأة محمد على كثيرا عن نشأتهم، والأساليب التي استخدمها كانت هي نفس أساليبهم..!
المصلحون غالبا يستخدمون أساليب الطرف الآخر الذي يراد إصلاحه.
هكذا، وقبل أن يستقر في الحكم قرر التخلص من مراكز القوى في دولته المتمثلة في زعماء المماليك، فأعد مهرجانًا فخمًا في القلعة دعا إليه كبار رجال دولته، وجميع الأمراء والبكوات والمماليك، الذين لبوا الدعوة واعتبروها دليلا على رضاه عنهم.
وقبل أن يبدأ الحفل دخل البكوات المماليك على محمد علي فتلقاهم بالحفاوة، ودعاهم إلى تناول القهوة معه، وشكرهم على إجابتهم دعوته، وألمح إلى ما يناله ابنه من التكريم إذا ما ساروا معه في الموكب، وراح محمد علي يتجاذب معهم أطراف الحديث؛ إمعانًا في إشعارهم بالأمن والود.
وحان موعد تحرك الموكب، فنهض المماليك وبادلوا محمد علي التحية، وانضموا إلى الموكب، وكان يتقدمه مجموعة من الفرسان، بعدها كان والي الشرطة ومحافظ المدينة، ثم كوكبه من الجنود الأرناؤوط، ثم المماليك، ومن بعدهم مجموعة أخرى من الجنود الأرناؤوط، وعلى إثرهم كبار المدعوين ورجال الدولة.
وتحرك الموكب ليغادر القلعة، فسار في طريق ضيق نحو باب العزب، فلما اجتاز الباب طليعة الموكب ووالي الشرطة والمحافظ، تم إغلاق الباب فجأة من الخارج في وجه المماليك، ومن ورائهم الجنود الأرناؤوط، وتحول الجنود بسرعة عن الطريق، وتسلقوا الصخور على الجانبين، وراحوا يمطرون المماليك بوابل من الرصاص.
..ومهرجانات أخرى..!
عبثا، حاول المماليك الفرار، فمن نجا منهم من الرصاص تم ذبحه، ولم ينج من المماليك الأربعمائة والسبعين الذين دخلوا القلعة إلا واحد هو «أمين بك» كان في مؤخرة الصفوف، واستطاع أن يقفز بحصانه من فوق سور القلعة، وهرب بعد ذلك إلى الشام.
..وبوصول خبر المذبحة إلى الجماهير المحتشدة في الشوارع لمشاهدة الموكب، انتشرت جماعات من الجنود الأرناؤوط في أنحاء القاهرة يفتكون بكل من يلقونه من المماليك وأتباعهم، ويقتحمون بيوتهم، واستمر تعقب المماليك ثلاثة أيام، ولم تتوقف المذبحة إلا بنزول محمد علي إلى شوارع المدينة.
............
وما كادت الأوضاع تستقر، حتى أكمل إبراهيم باشا المذبحة التي بدأها أبيه، فتابع المماليك الذين نجوا من مذبحة القلعة وهربوا إلى النوبة ودنقلة، والتمسوا المأوى لدى قبائل البشارية والعبابدة في الجبال، واضطر المماليك إلى قبول عروض الصلح التي وصلت من طرف مندوبين أرسلهم إبراهيم باشا مؤكدا لهم حياتهم ويعدهم بالمناصب ورد ممتلكاتهم شريطة الاعتراف بمحمد على واليا، وقد صدق حوالي أربعمائة هذه الوعود، وفي نهاية 1812 اتجهور نحو إسنا حيث مقر قيادة إبراهيم باشا، فلما اجتمعوا ورأى أنه لن يأتي منهم المزيد أصدر أمره بالإجهاز عليهم، فتم ذبحهم بلا رحمة وأنقذت وساطة طبيب فرنسي مملوكين من أصول فرنسية، وعفا عن مملوك آخر كان جميلا وصغير السن..! ثم أرسل زوجات المماليك القتلى ليزوجهن محمد على لأعوانه، كما ضم أولادهم إلى مماليك الأسرة.
خطأ محمد على
أنهى محمد على حكم المماليك وهزمهم عسكريا وقتل عددا كبيرا منهم وقطع دابر أملهم في الوصول للسلطة العليا، لكنه لم يقض على العنصر نفسه.
قتل محمد على حوالي 1200 وقتل إبراهيم باشا حوالي 400 بالإضافة إلى عمليات القتل الفردية التي لحقت بهم في الأقاليم بعد إعلان خبر مذبحة القلعة.. أما العنصر نفسه فقد بقي واختلط بدماء المصريين وذاب فيها ووصل عدد منهم للسودان.
محمد على زوج زوجات المماليك القتلى لأتباعه من الأتراك والأرناؤوط ومشايخ العربان، فاندمجت الدماء المملوكية عن طريق الزوجات في الشعب المصري.
استبقى أولاد المماليك ووزعهم على أفراد أسرته وأتباعه ليجعلوا منهم مماليك لهم، كما استبقى لنفسه عددا منهم، وأولاد المماليك هؤلاء هم الذين شكلوا الجهاز الإداري المصري في غالبه في عصر الأسرة العلوية بشكل واضح حتى أيام أحمد فؤاد واستمر وجودهم بعد دخول عناصر من أصول عربية وفلاحية وأوروبية بعد ثورة يوليو..
وكان من الواضح أن الذين تشير أسماؤهم إلى أعراق مملوكية هم الأقدر على الوصول للمناصب العليا، يليهم الذين تشير تصرفاتهم إلى استيعاب كامل للتراث المملوكي.
........تخلى المماليك عن دورهم العسكري ليدخلوا بعد المذبحة في دور إداري ليفسدوه كما أفسدوا الحياة الأمنية والسياسية في مصر في طورهم الأول «العسكري».. وترك نظامهم الاجتماعي أضرارا ما زلنا نعاني منها حتى اليوم.
اختلف الحكام واستمر المماليك
المماليك كانوا هم دائما المحافظين أو المديرين الماليين لأقاليم مصر، وكانت هذه الوظيفة «منحة» أو «هبة» أو «عطية» أكثر منها واجبا، واستمر هذا على نجو ما إلى أيام أسرة محمد على..
وهذا ما نعرفه حين نقرأ تعليق إدريس أفندي (أو الفرنسي بريس دافين) في «مذكراته» على طريقة تعيين محافظ الجيزة في عهد عباس.
كتب إدريس أفندي: «إن الطريقة التي يجعلون بها موظفا يقفز من منصب إلى آخر جديرة بالملاحظة، فعابدين باشا موظف في سك النقود كان قد بلغ مرتبة البكباشي وهو في السابعة عشرة من عمره، وأصبح سكرتيرا خاصا لعباس باشا، ثم غضب عليه الوالي فنقله رئيسا لجوقة الموسيقى (المفروزة) أي فرقة الحرس المنتخبين، ولما لم يكن صالحا قط لهذه الوظيفة فقد نقلوه مديرا لإقليم الجيزة وكثيرا ما رآه الناس يفر من مكتبه مصطحبا حجابه إلى حيث يلهو على شاطئ النهر..».
مماليك مبارك
مرت سنوات طويلة، حتى تلقى المماليك، الهزيمة الثانية، وكانت على يد «الضباط الأحرار»، بالشكل الذي قرأناه في كتاب «مصر في عهد عبد الناصر» ل«إيجور بيليايف» و«إفجيني بريماكوف».
غير أن مصر لم تهنأ مصر طويلا بتلك الهزيمة، فسرعان ما عادوا في عهد السادات، واستمر صعودهم التدريجي وقويت شوكتهم باستيلائهم بمساعدة النظام الحاكم على الثروة والسلطة، وباغتيال السادات اتضحت الصورة بشكل لا تخطئه إلا عين لا ترى.
............
فعلا وليس مجازا أعادنا مبارك إلى عصر المماليك..
وفعلا وليس مجازا بقى أثر المماليك فينا، واستمر تأثيرهم علينا.
سياسيا واقتصاديا..وسلوكيا واجتماعيا ونفسيا.. وحتى دينيا.
مماليك السادات ثم مبارك، اختلفوا في «الأصول» عن المماليك القدامى: لهم آباء وأمهات.. لكن حققوا نفس المعادلة باحتفاظهم بما توارثوه عن أجدادهم (والعرق دساس، كما السلوك والعادات).. كما حافظوا على «قلة الأصل» بانقطاع صلتهم بأهلهم وبالبيئة التي أنجبتهم بمجرد أن تم ضمهم للعصابة الحاكمة.
.............
ولا أبالغ لو قلت إن مماليك في عهد مبارك.. كانوا أسوأ مما كانوا عليه وقت قيام دولتهم.. وفي ظل حكم الأتراك العثمانيين..!
وقد تندهش حين تعرف أن الصيغة التي كان «نظام المخلوع» يتعامل بها في توزيع الأراضي على «مماليكه» هي نفس فكرة «الطرخانية» التي مارسها النظام المملوكي أيام دولة المماليك في مصر، إذ كان يهب المملوك العجوز الذي لم يعد قادرا على الحرب والتآمر قطعة أرض يعيش من ريعها وهذه الأرض هي «الطرخانية» أما هو فيصبح «طرخان» يعيش من ريع هذه الأرض!! وكانت «السباهيات» أو «الطرخانات» التي تمنح للسباهي لا تورث فالمبدأ القانوني العثماني أو المملوكي هو أن هذه الممتلكات يحصل عليها المقاتلون خلال فترة حياتهم فقط، إلا أنه في سنة 1530 وافق السلطان العثماني على ترك نسبة من هذه السباهيات لأولاد المتوفي.
وكما كان الأقدمون يفرقون بين المماليك الترابيين (الذين تم استيرادهم صغارا)، والمجاليب (الذين تم استيرادهم كبارا).. يمكنك بسهولة وأنت تتبّع مسارات «مماليك» عهد مبارك، أن تعرف أعضاء كلا الفريقين، كما يمكنك أيضا مقارنة الصيغة التي تم «استجلابه» أو تصعيده بها.!
حتى «الطواشية»..!
هم.. هم.. بنفس السمات ونفس المزايا ونفس الوظائف، حتى المماليك الطواشية (المخصيين) المعدين لخدمة النساء، كان لهم وجود بارز وقوي في عهد مبارك، بل كان منهم وزراء نعرفهم جميعا..!
وبنفس الدور والوظيفة فكما كان دورهم في الماضي هو مرافقة الحرائر أو النسوة من زوجات أصحاب النفوذ، وخدمتهن.. كان طور المملوك الطواشي في عهد مبارك هو مرافقة واختيار ملابسها واصطحابها حيثما ذهبت وأينما حلت..!
وكما كان الزوج في الماضي يعامل هذا «الطواشي» باحترام كبير، حتى لا يتواطأ مع سيدته ويتغاضى عن سلوك سيء قد تفعله، كان «طواشي» مبارك يلقى معاملة لا يلقاها غيره من الوزراء..!
وبدلا من «حمامات النظر» التي كانت موجودة لإمتاع المماليك الطواشية، قامت أجهزة مبارك بتهيئة وسائل إمتاع عصرية كأشرطة الفيديو فال«سي ديهات» ثم ال«ديفيدهات».. وغيرها مما كان مماليك مبارك يستمتعون بها، ويسيطرون بها على بعضهم البعض..!
في انتظار الهزيمة الثالثة
بقيام ثورة 25 يناير، نجحنا جزئيا في هزيمة المماليك.
أزحنا الرأس، وتركنا بمنتهى حسن النية بقية الجسد يحاول، تبديلا وتوفيقا، أن يستبدله برأس آخر لا يختلف، فقط، إلا في ملامح الوجه..!
ومع محاولات التبديل والتوفيق، بدأت الحقائق «المرة» تتكشف:
من استجلبهم مبارك، يحتفظون بمواقعهم، وإن أزيح واحد، حل محله «مجلوب» قديم، ولاءه قطعا لمن جلبه «رأسا» لا «وجها»، ويعرف كيف يحافظ على أسرار «الغرف المظلمة».
وتدريجيا، اختفى حسن النية «المفرط»، لندرك بعد سنة أن ثورة «غير مكتملة» تعني هزيمة من قاموا بها، وهي «الهزيمة» المستحيلة ل»شعب» عرف مكمن قوته.
وإذا كان «رأس الذئب» الطائر، لم يكف ليخاف من كانوا حوله على رؤوسهم.
فلا مانع من أن تطير رؤوس أخرى، اعتقد أصحابها، خوفا أو جهلا، أن خلاصهم، في إعادة «لصق» الرأس الطائر، بعد تغيير «الوجه»..!


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.