قال محمد علي باشا لولده إبراهيم: كل شيء في مصر يجب أن يتغير.. لقد عاني الشعب المصري سنوات وسنوات من ظلم وقهر المماليك.. الذين عاثوا في البلاد فساداً وعانوا كذلك من قهر الحملة الفرنسية واحتلال نابليون لمصر.. واستمتاع غير المصريين بخيراتها.. ولكي تستقيم الأمور لابد من السيطرة علي كل الشئون الإدارية في كل أنحاء مصر. كانت جباية الضرائب تتم من خلال ما يعرف بنظام الالتزام حيث يعهد إلي شخص واحد أو مجموعة أشخاص بدفع الضريبة المقررة ثم يتم تحصيلها من الفلاحين باساليب وحشية.. وبالتالي لم يكن للفلاح أي صلة بالدولة لأن الملتزم هو الوسيط بينه وبين الدولة.. حتي أصبحت سلطة الملتزم أقوي من سلطة الحكومة. وقرر محمد علي إلغاء نظام الالتزام والاستيلاء علي أطيان الملتزمين لأن مصر في حاجة إلي عمل واحد منظم في كل أجزائها.. وأدي ذلك إلي زوال نفوذ الملتزم وتهميش دوره وتمكنت الدولة من السيطرة علي الإدارة في الريف وأصبح لأول مرة منذ أكثر من ثلاثة قرون وجود علاقة مباشرة بين الشعب والحكومة كما جاء في كتاب الفساد في عصر محمد علي لرزق نوري. ومن مظاهر سيطرة الحكومة علي الريف أنه في عام 1816 تم إنشاء ديوان الزراعة وهو يماثل وزارة الزراعة الآن ومهمته الإشراف علي الزراعة والعناية بأمورها والاهتمام بجمع المحاصيل وإرشاد الفلاحين وتسويق ونقل الحبوب كما أنشأ مصلحة الغلال لكي تتولي شئون "الأشوان" الصوامع حالياً كما أنشأ مصلحة الأرز وتختص بتسويق الأرز في دمياط ورشيد وبولاق. كان محمد علي دائم المرور علي الفلاحين ويبحث في أمورهم ولكنه كان جاداً وحاسماً في اتخاذ القرارات ومما يروي عنه أنه ذهب مرة إلي مديرية الدقهلية واجتمع بعدد من شيوخ المنطقة وشاهد مساحة من الأرض تقدر بنحو 500 فدان لكنها خالية من الزراعة.. وناقش معهم كيفية استغلالها واقترحوا زراعتها بالأرز وسألهم هل تستطيعون.. أجابوا بنعم.. قال ومتي يمكن أن آتي إليكم لمشاهدتها بعد زراعتها قالوا ستة أشهر. ولم يكن الشيوخ يعتقدون أنه سيأتي لهم مرة أخري.. ولكنه بعد انتهاء المهلة ذهب إليهم.. ووجد الأرض كما هي خالية.. وهنا قرر توقيع العقاب عليهم لإهمالهم في تنفيذ ما وعدوا به.. وكان العقاب هو ضربهم علي أقدامهم أمام الجميع. أما السيطرة علي الإدارة الصناعية فقد قرر الاستعانة بالخبراء والفنيين.. وفتح مصانعه للأجانب الوافدين إلي مصر وجاءت مثلاً ثلاث سيدات من مرسيليا للعمل في صناعة النسيج وسبعة عشر رجلاً للعمل في مصانع الحرير وغيرهم من الأجانب. وعندما قرر سن التشريعات والقوانين.. اهتم بدور الموظفين في رسم السياسة الإدارية والاقتصادية وشجعهم علي تقديم اقتراحاتهم وأفكارهم إلي المجلس العالي الذي يتبعه. هذا ما حدث منذ نحو 200 عام.. نفس الأفكار هي التي تدور حالياً ونحن في طريقنا لانتخاب رئيس جديد للبلاد.. الاهتمام بالريف والفلاحين وتخفيف الأعباء عليهم وجعل العلاقة مباشرة بين الفلاح والحكومة.. واهتمام الدولة بتسويق وبيع المحاصيل والتوسع في إنشاء الصوامع والسعي إلي فتح المصانع المغلقة وتشجيع المستثمرين الأجانب للاستثمار.