يوم الاثنين الماضي بدأت فعاليات الدورة الخامسة من "ملتقي الفجيرة الإعلامي" الذي تنظمه هيئة الفجيرة للثقافة إحدي الإمارات العربية المتحدة. افتتح الملتقي سعادة الدكتور إبراهيم العابد مدير الهيئة ثم بدأت المناقشات حول عناوين مهمة "صورة المرأة في الإعلام العربي" و"صورة المرأة في الإعلام الأجنبي" و"تسليع المرأة في عالم الإعلام" و"صورة المرأة في الإعلام والتحديات التي تواجهها" و"صورة المرأة في الدراما العربية". تنوعت المواضيع وغطت المجالات المختلفة وطالت المؤسسات الإعلامية في مواجهة التحديات الإعلامية للمرأة ودورها في رعاية الإعلاميات في ظل التغيرات الاجتماعية والسياسية والتحديات المهنية. يوم الثلاثاء اختتمت فعاليات الدورة بعد مناقشة المزيد من الموضوعات مثل "الإعلام النسوي في مواقع القرار" الخ. شارك في الجلسات نخبة من الإعلاميين والإعلاميات والأساتذة والأكاديميين. كما طرحت الجلسات بعض التجارب الميدانية من الواقع الإعلامي ولعل من أهمها: تجربة رئيسة تحرير مجلة ناشيونال جيوجرافيك وهي السيدة السعد المنهالي التي جسدت نموذجاً رائعاً فعلاً من تجارب المرأة الإماراتية هناك ايضا نبيلة رمضاني من بريطانيا التي قدمت ورقة بالانجليزية عن الفرص المتاحة والمغلقة أمام الإعلاميات في الغرب وتحدثت في نفس السياق الإعلامية الجزائرية التي تعمل في فرنسا فايزة مصطفي. تناولت عائشة سلطان في ورقتها دور الإعلاميات بين التنظير الأكاديمي والحياة العملية. وتناولت الدكتورة ماجدة خلف الله أستاذة الإعلام في جامعة عمان دور المرأة الإعلامي علي الصعيد الأكاديمي والمهني. بصراحة شكل الملتقي فرصة رائعة للفرجة والحضور والمشاركة في مناسبة ثقافية إعلامية مدهشة عن "صور المرأة في البوم الصحافة والدراما العربية". حفل الملتقي بالكثير من التجارب والنماذج الرائدة النسائية في مجال الإعلام من تونس والسعودية وفرنساوالأردن ومن لبنان التي حضرت منها الإعلامية المشهورة جزيل خوري وأثار الملتقي الكثير من الجدل حول القيود التي تواجه المرأة في مجال الإعلام. في حين أشار الدكتور باسم الطويسي عميد كلية الإعلام بجامعة عجمان للعلوم والتكنولوجيا إلي الوجود الضعيف للمرأة في الحقل الإعلامي وفي نقابة الصحفيين حيث لا تتجاوز نسبتهم ال 20% علماً بأن المرأة حققت انجازات كبيرة في مجال الصحافة أكبر من انجازاتها في القطاعات الأخري. وبدعوة كريمة من هيئة الفجيرة للثقافة والإعلام شاركت كاتبة هذه السطور في هذا الملتقي الثري كما شاركت في جلساته الخمس ستون من الإعلاميات والإعلاميين في المؤسسات العربية والأجنبية وكذلك وجهت الدعوة إلي الشاعر المصري فاروق جويدة الذي انفرد بأمسية شعرية حضرها عدد كبير من المسئولين يتقدمهم الدكتور راشد بن حمد الشرقي رئيس هيئة الفجيرة للثقافة والأميرة ريم العلي رئيس المعهد الأردني للإعلام وزوجة شقيق الملك عبدالله ملك الأردن. امرأة غاية في الرقة والبساطة والتحضر. التهميش ليس مصادفة اجتمعت الأوراق المقدمة. والأحاديث التي شهدتها الجلسات علي وجود حالة مزمنة من التهميش والنمطية والصورة السلبية وأن هذه الصورة تمثل قاسماً مشتركاً وملامح غالبة علي صورة المرأة في الدراما والإعلان والإعلام العربي. يري الأستاذ صلاح الدين معاوي "تونس" مدير عام اتحاد إذاعات الدول العربية أن الاشكاليات المطروحة لصورة المرأة والنظر إليها تكاد تكون واحدة في المجتمعات العربية ويجب أن نواجهها وعلي المرأة نفسها أن تبادر بمعالجة هذه الأشكاليات. وفي ورقته التي قدمها للندوة تناول كرم نعمة مدير تحرير صحيفة العرب اللندنية صورة المرأة في الإعلام الأجنبي حيث أكد أن التضييق علي المرأة الكاتبة والصحفية أكبر مما تتصور ليس فقط في عالمنا العربي وأن هناك أصوات مرتفعة وعلي درجة من الأهمية تقلل من مكاسب المرأة وانجازاتها وقال إن هذا التضييق عام وعالمي. وفي مقارنته لصورة المرأة في بريطانيا مع نظيرتها في العالم العربي. استحضر ما جري في جائزة المرأة للرواية التي تقام في بريطانيا ويقوم بالتحكيم فيها لجنة من النساء وتمنح جائزة قدرها 60 ألف دولار لأفضل رواية تكتبها امرأة بالانجليزية وهي الجائزة التي تثير جدلاً سنوياً بسبب تخصيص الجائزة للنساء فقط الأمر الذي يعكس بصورة ما عقلية ذكورية تضيق بجائزة مخصصة للنساء فقط. ومن السيدات المشاركات الكاتبة والإعلامية الإماراتية الدكتورة حصة لوتاه التي أشارت إلي التعامل مع المرأة في الدراما وفي الإعلان باعتبارها سلعة واستخدمت كلمة "تسليع" المرأة في عالم الإعلان. وعندما استصعب البعض تعبير "تسليع" استبدلتها بكلمة "تشييئ" أي جعلها مجرد شيء وليست كياناً قائماً بذاته. وأشارت إلي أن كثيراً مما يدور اليوم حول المرأة لسنا نحن النساء مصدرة سواء تلك التي تتعلق بالصورة النمطية أو حتي الدراسات التي تقدم عن المرأة. فمعظم هذه الأمور تأتينا من الغرب وكثير مما يقع علي المرأة يقع من خارج نطاقها. وأكدت الدكتورة "حصة" علي أن الثقافة العربية تحفل بصور للمرأة كثيرة وإيجابية عن المرأة العربية لا تشبه صورتها النمطية اليوم. ولكن الإعلام يمارس سطوته في تكريس هذه الصورة. واستعرضت في هذا السياق مجموعة من الأمثلة من الإعلانات التي تكرس مفاهيم مغلوطة ليس فقط عن المرأة وإنما ايضا عن الأطفال والرجال ودعت إلي الاهتمام بالثقافة البصرية وقراءة الصورة والبحث عن مصدرها ودلالالتها مشددة إلي أن بعض الممارسات الإعلامية التي تبتذل جسد المرأة من شأنها أن تعطي حجة لبعض الحركات المتطرفة. وفي معرض حديثها عن "صورة المرأة في الإعلام والتحديات التي تواجهها" حددت الدكتورة ابتهال الخطيب وهي أكاديمية وكاتبة في الجريدة الكويتية ملامح الصورة النمطية للمرأة في الإعلام العربي. فرأت أنها تركز علي نحو رئيسي في ثلاث نقاط أولها الصورة التشيئية للمرأة مستشهدة بمقال للكاتبة الكويتية ملاك ناصر رأت فيه أن الإعلام ينظر إلي المرأة بمرآة محدبة تقلل من فكرها وأخري مقعرة تضخم أنوثتها. ورجحت أن يكون مرد هذه الصورة الجسدية للمرأة "ذكورة" التليفزيون بمعني التمويل والصناعة و"أنوثة" الشاشات بمعني المحتوي.. وهو تفسير يمكن احتماله. فصناعة الإعلام ورءوس الأموال مصلحتهم أن تتحول المرأة إلي "شيء" وسلعة فهاتان الكلمتان تكررت كثيراً عند الكلام حول صورة المرأة. أشارت الدكتورة ابتهال ايضا إلي تكرار ظهور المرأة كملاك أو شيطان إلي جانب صورة ثالثة كوميدية تسخر منها كفاعل أو كمفعول به ثم تناولت التحديات التي تواجه المرأة بسبب غياب الحرية وتشويه صور التحرر والمفاهيم الدينية والعادات والتقاليد وارتباط المرأة بأنماط الرجل وارتباط الإعلام بالأنظمة السياسية. "روقة" والعار استحضر النقاش حول صورة المرأة في الدراما أسلوب تناولها في الأفلام السينمائية وعندما جاء دوري "كاتبة هذه السطور" لاحت شخصية "روقة" التي لعبتها الفنانة "نورا" في فيلم "العار" وحكاية طريفة جرت بعد مشاهدتي لهذا الفيلم عندما زارنا صديق لزوجي يساري ويعتبر واحداً من المثقفين المستنيرين فعلاً. وفي معرض الجدل الذي اثاره الفيلم وجدته يقول "والله يا أخي احنا عايزين واحدة زي "روقة" وحين وافقه زوجي مداعباً صرخت "حتي أنت يا مفكر". فلا فارق فيما يبدو بين المثقف وغير المثقف في النظر إلي المرأة. بعد أن صارت "روقة" نموذجاً. امرأة جميلة. بقة ليست متعلمة فياضة بالحنان. تعد الشيشة لإرضاء مزاج زوجها وجبة الأسماك والجمبري. وفي النهاية تلقي بنفسها في البحر لكي تنفذ بضاعة المخدرات بدلاً عن أشقائه الذين خذلوه. أردت أن أقول بهذه الكلمات ان هذا النموذج يتكرر ولكن بإضافة تشوهات أخلاقية مفزعة. فهي داعرة. أو تاجرة مخدرات. أو غانية تتاجر بجسدها أو لصة أو.. الخ النماذج التي امتلات بها المسلسلات والأفلام. والمفارقة أن المنصة شهدت نماذج مدهشة من السيدات الخليجيات في الجلسات الخمسة وبصفة خاصة الجلسة التي قدمت كل منهن تجربتها في الحقل الإعلامي الذي تعمل فيه والتحديات اللاتي واجهتهن ومنهن رئيسة تحرير مجلة "ناشيونال جيوجرافي" في نسختها العربية وكان المفروض أن يشارك في هذه الجلسة أسامة هيكل وزير الإعلام المصري الأسبق الذي حالت ظروف استلامه رئاسة مدينة الإنتاج الإعلامي دون حضوره وكانت بعنوان "تحديات العمل الإعلامي للمرأة" وشارك فيها الدكتور باسم الطويسي من الأردن عميد معهد الإعلام الأردني والدكتور أبوبكر عبدالحميد من ماليزيا والدكتورة صباح المحمودي من تونس وهي أكاديمية وباحثة في مجال الإعلام والدكتور عوض إبراهيم من السودان عميد كلية الإعلام في جامعة الوسيلة للعلوم والتكنولوجيا. إمارة الفجيرة تتكئ بقوة علي النشاطات الثقافية والإعلامية. وتقيم العديد من المهرجانات التراثية والفنية مثل مهرجان للمونودراما ومهرجان لآلة الربابة ورغم صغرها يوجد بها عدد من كليات الإعلام المتخصصة وتسعي عبر هذه النشاطات الثقافية المتنوعة للتعريف بالمشهد الإعلامي العربي والدولي.