تجري الأمور من حولنا متسارعة في الاتجاه الذي رسمته أمريكا لإنشاء تحالف إقليمي من مصر وتركيا ودول الخليج يساند التحالف الدولي الموكل بالقضاء علي تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام المعروف اختصاراً باسم "داعش". ودائماً في مثل هذه التطورات المتلاحقة نكتفي نحن بالظاهر ومتابعة المؤتمرات والاجتماعات والكلمات الرسمية والابتسامات بينما هناك وراء الكواليس ووراء الكلمات والابتسامات ما لا نراه. هناك مواقف وأسرار لا نعلمها إلا مما تكتبه الصحف الأجنبية وتذيعه القنوات الفضائية الأجنبية بناء علي تسريبات من مصادرها الغربية.. تلك المصادر التي تعرف ماذا تقول ومتي تقول.. أما مصادرنا العربية فهي لا تتكلم في مثل هذه المواقف أبداً.. وإذا تكلمت لا تقول شيئاً. في يوم الخميس الماضي شهدت مدينة جدة السعودية اجتماعاً لوزراء خارجية التحالف الإقليمي المقترح لمواجهة داعش لكن في اليوم نفسه خرجت أهم الصحف الأوروبية تقول كلاماً مغايراً لما سمعناه من وزراء الخارجية.. وتكشف مواقف لا نراها أمامنا علي الشاشات. قالت صحيفة "فاينانشيال تايمز" البريطانية إن خطة واشنطن لضرب الدول الإسلامية "داعش" تثير مخاوف قادة الدول العربية.. وبخاصة دول الخليج الذين يخشون أن يتهموا بالعمل ضد أهلهم السنة إذا هم دعموا الضربات الجوية الأمريكية بينما لا يتحرك أحد ضد الفظائع التي يرتكبها نظام بشار الأسد. وأضافت الصحيفة إن القادة العرب الذين صدمتهم ممارسات داعش البشعة ينتقدون الرئيس الأمريكي أوباما علي عدم تحركه ضد الرئيس السوري بشار الأسد وتخليه عن حلفائه خلال انتفاضات الربيع العربي عام .2011 ونقلت الفايننشيال تايمز عن مصادرها الخاصة أن دول الخليج تري أن أي استراتيجية لمواجهة داعش ترتكز علي الحكومة العراقية "الشيعية" لن يكون لها معني.. وتعتبر أن ذلك سيصب في مصلحة إيران.. وسيزيد من تهميش السنة في العراق واقصائهم عن الحكم. وتحدثت الصحيفة نقلاً عن تلك المصادر عن مخاوف من أن تغذي الحملة التي تقودها أمريكا التيارات المتطرفة في المنطقة وتكسبها المزيد من الأنصار والاتباع. أما صحيفة "ديلي تليجراف" فتري أن أوباما غير مواقفه من النقيض إلي النقيض في تعامله مع الثورة السورية.. فقد رفض قصف سوريا لأنها دولة ذات سيادة وهو ما أغضب حلفاءه في الخليج.. ويسعي اليوم لتسليح المعارضة.. وفي شهر يونيه الماضي طلب من الكونجرس 500 مليون دولار لتسليح وتدريب المعارضة السورية ثم استبعد أن تحقق هذه المعارضة أي نجاح عسكري. وأضافت الديلي تليجراف أن أوباما يتحالف في حملته علي داعش في سوريا مع معارضة وصفها هو سابقاً بعدم الفاعلية.. ويتحالف في العراق مع ميليشيا تدعمها إيران وهي ضالعة في قتل الأمريكيين والبريطانيين.. ولم يسبق له في كل هذا أن أوضح رؤيته لمستقبل سورياوالعراق. والحقيقة التي تكشفها هذه التسريبات هي أن التحالفات الإقليمية التي تود أمريكا إنشاءها من الدول الحليفة لمواجهة داعش تعاني كثيراً من التدخل والاضطراب.. فالحلفاء الإقليميون متصادمون ومختلفون.. وربما هذا ما دعا وزير الخارجية الأمريكي جون كيري أن ينصحهم في مؤتمر جدة أن يطرحوا خلافاتهم جانباً ويتحدوا إذا أرادوا أن ينجحوا.